مقالات مختارة

حكاية بنت وزير الأوقاف!

جمال سلطان
1300x600
1300x600
كنت أتصور الأمر مجرد مهاترات، أو كلام مرسل على صفحات التواصل الاجتماعي، ولكن تواترت أخبار تؤكد المعلومة من غير أن ينفيها أي مسؤول رسمي أو حتى الوزير المشار إليه فيها، وما زلت أرجو أن يكون هناك لبس في الموضوع، أو أن تكون المعلومات غير دقيقة؛ لأنه خطير جدا، ويصم الحكومة كلها وليس وزير الأوقاف أو وزير البترول وحدهما، والموضوع هو تعيين ابنة وزير الأوقاف الشابة حديثة التخرج في وظيفة مرموقة في إحدى شركات البترول الكبرى، رغم أنها خريجة كلية الآداب أو التربية قسم اللغة الإنجليزية، وبالتالي فهي ليست "فلتة" أو موهبة كبرى في عالم البترول أو هندسة البترول بحيث تحظى بتلك الفرصة الاستثنائية الكبيرة، في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الشباب من خريجي الجامعات من البطالة، وينتظرون سنوات طويلة على أمل الحصول على نصف فرصة.

عندما انتشر الكلام، وتقدم عضو برلماني بسؤال عن الواقعة، انتظر الناس أن يخرج وزير الأوقاف لكي يبرئ ساحته، ويجلي الحقائق أمام الرأي العام، ولكن الذي حدث أن الشيخ مختار جمعة اختفى تماما، وهو المغرم بالحضور الدائم أمام وسائل الإعلام للتأكيد على ولائه للقيادة وتأييده للرئيس وسخطه على معارضيه، حسنا، لماذا اختفى الشيخ جمعة إذن، ويبدو أن الشيخ جمعة صدر أحد موظفيه الكبار، حيث "تطوع" الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بالوزارة بالحديث إلى أحد البرامج الفضائية، ليدافع عن ابنة الوزير، ويقول إنها متفوقة وكل أبناء الوزير متفوقون؟! وصحح معلومة تصور أنها مهمة للغاية، بأن ابنة الوزير ليست خريجة كلية الآداب، وإنما خريجة كلية التربية!! ومبلغ علمي أن كلية التربية تؤهل طلبتها للعمل مدرسين في مراحل التعليم الأساسي عند تخرجهم، ولا تؤهلهم للعمل في شركات البترول، فإن كانت مرشحة لوظيفة، فهي وظيفة مدرس ابتدائي أو إعدادي للغة الإنجليزية.

المشكلة هنا مضاعفة في تأثيرها ودلالتها، لأن أخانا مختار جمعة يشرف على منابر المساجد التي تدعو الناس إلى الفضيلة والنزاهة والبعد عن الفساد والمحسوبية والمحاباة، فأن ينسب إليه الناس أنه فعل عكس ما يدعو إليه هو أمر لا يليق ولا يصح السكوت عنه، وينبغي أن يظهر الشيخ مختار أمام الناس ليشرح الواقعة ويوضح وجهة نظره، أو حتى ينفي الواقعة من أساسها، أما التزام الصمت أمام كل ما ينشر فهو سلوك غير قويم لوزير أو مسؤول رفيع.

قبل عدة أشهر، كان الآلاف من حملة الماجستير والدكتوراه يتظاهرون أمام مجلس الوزراء، الذي يحضر إليه مختار جمعة كل أسبوع؛ من أجل المطالبة بفرصة عمل أو نيل حقوقهم التي طالما وعدتهم بها الدولة، وكل ما فعلته حكومة الشيخ مختار جمعة أن استدعت لهم قوات الأمن تلاحقهم بالهراوات، وتلقي القبض على بعض منهم، وتطاردهم في الشوارع، هؤلاء يحملون شهادات أرفع كثيرا من شهادة ابنة الوزير، الماجستير والدكتوراه، في تخصصات عديدة، ولم يشفع لهم ذلك أن يصلوا إلى فرصة عمل مثل ابنة وزير الأوقاف، فكيف نطالب هؤلاء المواطنين أن يحملوا الولاء لهذا الوطن؟ وكيف تقنعهم أن تلك دولتهم وهذه بلادهم؟

عندما قام وزير الخدمة المدنية بالحكومة السعودية خالد العرج بتعيين ابنه في وظيفة مرموقة قبل عدة أشهر، وانتقدته مواقع التواصل الاجتماعي، وتقدم مواطن واحد بشكوى حول الموضوع إلى هيئة مكافحة الفساد، قرر الملك سلمان بن عبد العزيز إقالة الوزير، ليس فقط إقالته، وإنما أمر بإحالته إلى التحقيق على خلفية شبهة الفساد في تعيين نجله على حساب حقوق آلاف المواطنين الآخرين، وهو قرار حظي برضا وسعادة بالغة لدى مواطني المملكة ظهرت في آلاف المشاركات على صفحات التواصل الاجتماعي وصفحات الصحف والفضائيات.

فأرجو أن نحذو في مصر حذو هذا السلوك المسؤول، وأن يسمع الرأي العام بيانا شافيا من وزارة البترول ووزارة الأوقاف، يوضح كيف تم تعيين ابنة الوزير خريجة كلية التربية في وظيفتها المرموقة بشركة البترول الحكومية، مال الشعب، وهل أجرت الوزارة إعلانا أو مسابقة فتفوقت على جميع المرشحين؟ أم تم تعيينها بالأمر المباشر؟ وما هو التخصص النادر في شركة البترول الذي اقتضى أن تشغله خريجة كلية التربية؟ كما أتمنى من هيئة الرقابة الإدارية أن تقوم بدورها الوطني المأمول في التحقيق في تلك الواقعة، وطمأنة الرأي العام على أن "الهيئة" لن تسمح بمرور أي واقعة فساد إن ثبتت، أيا كان مرتكبها، وأيا كان المسؤول عنها.

المصريون المصرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل