كتاب عربي 21

ثورة الديمقراطية القادمة

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
تنبأ مجتمع الاستخبارات الأمريكي بتوسع انتشار السلطة خلال العقد القادم، وهذه النبوءة تدور حول أن السلطة والرقابة سيتوزعان على مجموعة أكثر تنوعا من الكيانات، دون أن تتمتع دولة واحدة بالسلطة المطلقة. وإذا فهمنا هذه النبوءة بدقة، فإن هذه الكيانات التي يتحدثون عنها ليست إلا الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية، لا عن الدول. وإذا فهمنا هذا الكلام بدقة، فنحن نتحدث في الواقع عن تركيز أكبر للسلطة في عدد أقل وأقل من الأيدي (فئة المساهمين)، حيث ستتم ممارسة هذه السلطة عبر مؤسسات شمولية بالكلية، مع عدم خضوعها لأية آليات ديمقراطية من أي نوع.

بعبارة أخرى، إن كان للديمقراطية مستقبل، فهو لن يكون إلا بتحويل سلطة الشركات إلى المسار الديمقراطي، وهذه هي المرحلة القادمة التي نحن مقبلون عليها... هذه هي الثورة الجديدة.

حملة #WeAreAllohohyaNow - #الآن_كلنا_روهينجا، التي أشارك فيها بصفتي كبير الاستراتيجيين، عبارة عن جهد لمجموعة من النشطاء المستقلين يهدف لحشد نفوذ القطاع الخاص لدعم الحقوق المشروعة لأقلية الروهينجا في ميانمار، واستعادة جنسيتهم المسلوبة، وإنهاء برنامج الإبادة الجماعية التي يجري تنفيذها يوميا من قبل الجيش البورمي والمتطرفين البوذيين. هذه الحملة يمكن أن تكون نقطة انطلاق للاستراتيجية الشاملة لتحويل سلطة الشركات إلى المسار الديمقراطي، وهذا هو الهدف الأكبر الذي أعني به في المقام الأول. ولكن بطبيعة الحال، فإن الهدف الفوري هو حل الوضع المروع في أراكان.

من الواضح أن هناك الكثير من العناصر المطلوبة لتطوير هذه الاستراتيجية من حيث التكتيكات، على مستوى الحاضنة الشعبية من مستهلكين وطلاب، ومن المحتمل من العمال أيضا، وكذلك من الشركات وقادة الأعمال والمساهمين. فنحن بحاجة إلى التنسيق على العديد من المستويات، لأن إعادة توجيه النشاط السياسي نحو القطاع الخاص يتطلب مجموعة جديدة وكاملة من المهارات، وإعادة توعية، وفهم لديناميات السوق.

نحن نرى إن في إمكاننا تأسيس سيناريو يجعل الشركات تدرك الحاجة إلى إعادة تنظيم علاقاتها مع عملائها، مثل الحاجة لتقديم أنفسهم كممثلين لدوائر مستهلكيهم بشأن القضايا التي تهمهم. كما نرى الحاجة إلى تأسيس سيناريو تعترف فيه الشركات فعلا بسلطتها السياسية، وتوافق على إخضاع هذه السلطة (بدرجة أو أخرى) للإرادة الشعبية لأنها إن لم تفعل ذلك، فستفقد حصتها في السوق. أي أن الأجندات السياسية والمواقف الأخلاقية التي تمس القضايا الاجتماعية يجب أن تصبح جزءا من معادلة ممارسة "البيزنس".

طبعا، من أجل خلق هذا السيناريو، سنحتاج في البداية إلى توعية وحشد المستهلكين على مستوى القاعدة الشعبية لبناء تأثير فعلي لعاداتهم الاستهلاكية، ومن ثم يمكن أن نستخدم هذا في أن نثبت للشركات أنها بحاجة أن تستجيب. وكما ذكرت مرات عديدة في الماضي، فإن الشركات ليست كيانات أخلاقية، فهي لا تتحدث لغة "العدالة والظلم"؛ لأنها تفهم كل شيء بلغة الربح والخسارة. عموما، هذه ليست دينامية مختلفة جذريا عما كنا نستخدمه تقليديا عند الضغط على السياسيين، فالسياسيون أيضا لا يتحدثون لغة الأخلاق ولا تعنيهم في شيء، فهم يفهمون الدعم الانتخابي. فالسياسي يخشى فقدان الأصوات، كما تخشى الشركات فقدان المبيعات. أي أنها مجرد مسألة إعادة توجيه لمصادر نفوذنا. بل إننا في الواقع، نملك نفوذا أكبر بكثير مع الشركات مما نفعله مع الحكومات، فقط ما علينا إلا أن نتعلم كيف نستخدم هذا النفوذ.

أي حركة اجتماعية أو سياسية اليوم، سواء كانت تركز على قضية الروهينجا أو أي دولة أخرى، يجب أن تكون قادرة على وضع نفسها كأداة تعمل على تقديم ولاء العملاء للعلامة التجارية الخاص بالشركات، أو حرمانهم من هذا الولاء، وفقا للموقف السياسي الذي تتبناه هذه الشركات في أي قضية بعينها.

لقد فتح نقل السلطة والقوة من القطاع العام إلى القطاع الخاص فصلا جديدا في تاريخ التدابير المناهضة للديمقراطية، وجيلنا هذا مكلف بضمان عدم تقويض الديمقراطية لمجرد أن القوى المهيمنة اليوم لم تعد هي الدول، ولكن الشركات والقطاع الخاص هو جبهتنا الجديدة في ثورة الديمقراطية القادمة.
0
التعليقات (0)