كتاب عربي 21

ونسيت أني ناصري!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لا أعرف من أين جاء التصور بأني ناصري؟ فلولا أن هذا "الاتهام" يلاحقني منذ مرحلة ما قبل الثورة، لقلت إنه ادعاء من قبل قوى رفض الانقلاب مبكراً، حيث أنها تبحث دائما عن "الخلطة القديمة"، للتأكيد على سلامة موقفها، فتيار رفض الانقلاب حريص على الإعلان بأنه يضم كل ألوان الطيف السياسي، وليس تعبيراً عن فصيل واحد هو التيار الإسلامي، وجماعة الإخوان على وجه التحديد!

فلابد - بالتالي - أن يكون هناك ليبرالي، وناصري، وشيوعي، وامرأة غير محجبة، ومسيحي، ضد الانقلاب، وهو تقليد قديم، أخذت به الأحزاب السياسية، عندما كانت تحرص على أن يكون ضمن قيادة كل حزب شخصية مسيحية، كان ضررها في عملية رفض الانقلاب أكبر من نفعها، فليس سراً أن شخصاً بعينه، جاء من المجهول السياسي، ليجد حفاوة مبالغا فيها، ثم عندما حقق مراده، بالحصول على اللجوء بإحدى الدول الغربية، بالغ في الهجوم على الإسلام، كما كان يبالغ في دفاعه عن شرعية الرئيس محمد مرسي، بل وذهب إلى حد إظهار إعجابه بكل ما هو إسلامي، وكل ما هو إخواني، وأعلن عن إعجابه بالفتاة المسلمة الملتزمة، في مواجهة "فقه المرأة الحامل" التي تتنفس من ضلوعها، فقد تجاوز البعض فكرة الاهتمام به من حيث كونه "مسيحي ضد الانقلاب"، إلى الرغبة الجامحة بأن يفتح الله صدره للإسلام، وهي حالة من "الشحتفة" توحي بأن الإسلام يعاني قلة في عدد المنتسبين إليه. طالبتني إحداهن بأن أدعو الله أن يشرح صدر فلاناً للإسلام، فقلت لها: وما هو قيمته الدفترية إذا حدث هذا؟ ومن أين سنعثر على من يشغل موقعه السياسي؟!.. وهل هو من البلاهة بمكان حتى يفعل، فيصبح واحداً ضمن ملايين؟! لكنها المراهقة السياسية والدينية!

وليس سراً، أن أقول إن تيار رفض الانقلاب، وقع في أخطاء جسيمة في هذا الملف، فأصبح جزءاً، ربما دون أن يعلم، من الصراع بين الكنائس، وإذا كان هناك من يعجزون عن الهجوم على الكنيسة الأرثوذكسية باسم العقيدة المسيحية، ولأنها تمثل الأغلبية في مصر، فقد كان مدخل بعض أبناء الكنائس الأخرى الهجوم على رأس الكنيسة الأرثوذكسية من مدخل تأييده للانقلاب العسكري، ولا أعرف وقع هذا على أتباعه، وهم يعرفون أنه "الرأي والحرب والمكيدة"؟!

من توزعوا على الأحزاب السياسية القديمة، كانوا من الأرثوذكس، وكان وجودهم ليمثلوا همزة وصل، بين الكنيسة وهذه الأحزاب، فقد تحتاج إليهم يوما، وإذ كان الأستاذ سامي أنيس لوقا وكيلاً لحزب الأحرار، فقد كان لوجوده أهمية في مهمة قمع المعارضين للكنيسة، في صحيفة الحزب!

لقد كان هناك قساً معارضاً للبابا شنودة، قمت باستكتابه في جريدة "الأحرار"، وكان يكتب زاوية أسبوعية تحت عنوان "نحو فكر مسيحي مستنير"، كان يهاجم فيها الكثير من المعتقدات المسيحية التي يراها خاطئة وتخالف تعاليم المسيح والكتاب المقدس، ولم يكن الرجل قد أصبح مشهوراً، مما جعل من مساحة المناورة أمامي واسعة وأنا أحاور لوقا!

لقد سألني سامي أنيس لوقا عن سر استكتابي لهذا القس؟.. فأجابته بأن هذا من باب الوحدة الوطنية، فلا يعقل ألا يكون في الصفحة الدينية كلها، وكنت قد اخترت لها عنوان: "الدين لله"، كاتباً مسيحياً واحداً!

قال هذا رجل يكتب ضد الدين؟.. ورددت عليه: أنا رجل مسلم ولا أعرف صحيح دينكم، فمن يعرفه أكثر من رجل دين، بزيه الكهنوتي؟!

فكان جوابه: أنا .. وقلت له: لا هو، فأنت رجل مدني مثلي، وهو رجل دين!

في النهاية، مُنع القس إبراهيم عبد السيد من الكتابة، إذ دخل البابا شنودة بكل ثقله، في الموضوع، عبر موفده في الحزب، وهذا ليس موضوعنا!

فلم يكن رمي بالناصرية، بعد الانقلاب، لكنه كان أيضاً قبل الثورة، وكتبت في "القدس العربي" متعجباً من هذا الاتهام، الذي لا أعرف مصدره، فلم أكن يوماً عضواً في حزب ناصري، ولي كتابات كثيرة ضد المشروع الناصري، ومرحلة حكم عبد الناصر، ربما توقفت عن الكتابة في مرحلة الحراك السياسي، التي بدأت منذ سنة 2004، كما توقف هجومي أيضاً على الإخوان، لأنني وجدت أن إسقاط نظام مبارك هو أولى بكل الجهد، ولا يمنع هذا من كتابات منتقدة لبعض الممارسات هنا وهناك، فكما كتبت "أمن الإخوان المركزي"، كتبت: "أنزلوا صورة هذا الرجل" عندما رفع البعض صورة جمال عبد الناصر في مظاهرات التأييد لانتفاضة القضاة، وقلت إن هذه الصورة رفعت في المكان الخطأ، لأن عبد الناصر هو من حاول تأميم القضاء، وهو صاحب مذبحة القضاة المعروفة.

مقال "أمن الإخوان المركزي" كان بعد وقفة مناصرة لغزة في سنة 2009، على "سلالم نقابة الصحفيين"، وقد راعني فيها أن الحشود لم تكن تهتف إلا خلف هاتف الجماعة، وبالهتافات التاريخية، التي تهدد اليهود بخيبر، وتسعى لردعهم بأن جيش محمد قادمون، وعندما يقود الهتاف غيرهم، فإنهم بصمتهم يكشفون ضعف حضور القوى الأخرى، بما ليس في صالح الإخوان أنفسهم، وقد علمت بأن هذا لم يكن هدفاً، فمن يقودون الهتاف من القوى الأخرى، يستدرجون الحضور من نصرة غزة، إلى الهتاف ضد مبارك، وحكمه، وفساده، ولم يكن هذا مطروحاً على جدول أعمال مظاهرتهم!

سألت عن قائد المظاهرة، وأشار أحد الزملاء إلى عضو بالبرلمان عن الجماعة، وكان من يحضر دائماً هذه المظاهرات هو "علي عبد الفتاح" وكنا نعرفه ويعرفنا، ولكن على ما يبدو أنه كان معتقلاً في هذه الفترة!

قلت للرجل في حدة، تفرضها حالة الغضب، كما يفرضها الزحام الشديد: لماذا دعوتم مع القوى الأخرى إلى هذه المظاهرات ما دام في نيتكم أن تكونوا بمفردكم؟ وقال لي ما معناه، أن أحداً لن يفرض عليهم أجندته. ثم صدرت منه نصف إشارة، وفي ثوان كان هذا الزحام لا أحد، وتعرت القوى الأخرى أمام رجال الأمن، فكان مقالي: "أمن الإخوان المركزي"!

ما علينا، فلم أضبط نفسي متلبساً بحب جمال عبد الناصر أبداً، بل لدي شكوكي في حركة ضباط الجيش في سنة 1952، ورأيي، أن القوى الاستعمارية الجديدة، ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وجدت أن فاتورة الاستعمار بصيغته القديمة باهظة، فكان لابد من خلق نخبة جديدة، تستلم حكم المستعمرات القديمة، فكان العسكر في مصر، كما في كثير من البلدان الأخرى، لأن البديل هو حكم ديمقراطي، يجعل من "الوفد" هو الحزب الحاكم، وكان مخطط الاستعمار يقوم على إفقار هذه الدول، وتخلفها، وهي أهداف لا يحققها الحكم الديمقراطي، الذي يستمد شرعيته من إرادة الجماهير.

واللافت أنني لم أكن ناصرياً وعدلت عن هذا، فقد تفتق وعيي السياسي وأنا لست ناصريا بالأساس، فعندما كان وعيي في مرحلة التشكل، قرأت كتاب "البوابة السوداء" لأحمد رائف، والذي لم أعرف إلى الآن علاقته بالإخوان، فقد كان معتقلاً، وفي الكتاب روى قصة الإخوان مع التعذيب في السجون الناصرية، وكم بكيت وأنا أغادر طفولتي، لمشاهد التعذيب المروعة، التي كتبها الرجل بقلم سيال، فجاءت عباراته جميلة، وجاذبة، وكان يمكن أن يكون كاتباً يشار له بالبنان لولا أن "البزنس" أخذه في "سكته"، بعد تأسيسه لدار الزهراء للإعلام الإعلام العربي، وما فرض عليه ذلك من علاقات أمنية وأخرى خارجية.

والمدهش أنني التقيت به لمرة واحدة في مرحلة غزو الكويت، وفوجئت به يسألني: ألست بناصري؟.. فكيف تكتب عن التعذيب في سجون صدام؟.. وقد نقل لي أحد الزملاء الذين كانوا مقربين منه في أيامه الأخيرة، أنه متابع لي ومعجب بكتاباتي، رغم أنه قد تأكد له بالمتابعة أنني لست ناصرياً!

لقد أعدت قراءة كتاب "البوابة السوداء" في مرحلة الشباب، وبعد صدور كتاب آخر لأحمد رائف هو "سراديب الشيطان"، أراد أن يستفيد من نجاح كتابه الأول والذي على ما يبدو أن حقوق النشر كانت لدار نشر لبنانية، ولم يكن الكتاب الجديد على نفس مستوى الكتاب الأول.

لقد شكك الناصريون فيما بعد في صحة وقائع التعذيب التي وردت في مذكرات الإخوان، لاسيما مذكرات "زينب الغزالي"، وفي الوقت الذي انشغل فيه أصحاب المذكرات في إثبات أن عبد الناصر كان يعلم بتفاصيلها، وكانت تتم بأوامر منه، فقد انشغلوا هم بالنفي الكامل لها، وكدت أركن إليهم لولا أنني طالعت مذكرات السجناء السابقين التي كتبها الشيوعيون في ذات السجون، مثل "فتحي عبد الفتاح"، و"صلاح عيسي"، و"سعد زهران"، والتي عرض جانبا منها المؤرخ الراحل عبد العظيم رمضان في سلسلة مقالات له، قام بجمعها في كتاب "قصة عبد الناصر والشيوعيين"!

هل يمكنني القول إن التعذيب في سجون عبد الناصر، وهو الذي شكل انتمائي السياسي فصرت ضد حكم العسكر، ومنحازاً للحرية، وللحكم الديمقراطي، ومع اختيار الناس لو أفرزت عبداً حبشياً؟! وذلك رغم أنني صاحب تجربة ليست سعيدة على المستوى الشخصي خاصة بالاحتكام لإرادة الجماهير، فلم يحالفني الحظ أبداً، ومن أول تجربتي بخوض الانتخابات على "ألفة الفصل"، إلى تجربة خوض الانتخابات البرلمانية، وكتبت أنني المعارض الوحيد الذي سقط في هذه الانتخابات بدون تزوير وبالإرادة الشعبية.

لقد كتبت للتعريف على صفحتي بـ "الفيسبوك": "ليبرالي على كتاب الله وسنة رسوله ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان"، وذلك تمييزاً عن ليبرالية مزورة نشأت في مصر، هي الخاصة بالشباب الزائر للسفارة الأمريكية بالقاهرة، في زمن صارت فيه الليبرالية تعني "الأمركة". ومع ذلك استمر هناك من يعرفني بـ "الناصري"!

وعندما كتب أحد الباحثين مؤخراً عن خطأ انحيازه للانقلاب وعلقت عليه: كيف وقع في روعه أن "الحداية يمكن أن تحدف كتاكيت"، وأن الانقلاب العسكري يمكن أن يؤسس لدولة ديمقراطية؟.. سألني باستنكار: ما علاقة الناصرية بالديمقراطية؟! وكأني نسيت أني ناصري.

في الحقيقة أنه لا علاقة، فضلاً عن أنه لا علاقة للناصرية برفض حكم العسكر، لأن عبد الناصر في الأصل عسكري، جاء بالحكم بانقلاب عسكري، واستمر في حكمه بتضليل الرأي العام بعد أن أصبحت أدوات صناعة الوعي قبضته.

لكنني لست ناصرياً ورب الكعبة!
1
التعليقات (1)
علي
الثلاثاء، 18-07-2017 04:04 ص
يا سيدة انت اكثر احتراما من ان تكون ناصريا. الناصرية سبة لأمثالك من المحترمين.