مقالات مختارة

ما هو موقف الإسلام من زواج المسلمة بغير المسلم؟

يسرى الغنوشي
1300x600
1300x600
نقرأ في المقالات والكتب المجيبة عن هذا السؤال أن زواج المسلمة من غير المسلم محرم وأن التحريم مبني على الآية 221 من سورة البقرة، وهذا مجاني للدقة في حقيقة الأمر


"وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ".

لكن نادرا ما يضيف الكاتب أن الآية التي تليها تساوي بين المرأة والرجل في ذلك الأمر، أي أن ذلك التحريم المبني على هاتين الآيتين ينطبق على المرأة والرجل المسلمين ويخص المشركين أي أن المسلمة يحرم عليها الزواج بمشرك كما يحرم على المسلم الزواج بمشركة.

أما الآية الثانية المذكورة لتحريم الزواج المذكور فهي الآية العاشرة من سورة الممتحنة

"أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ".

تحرم هذه الآية إعادة المرأة المعتنقة للإسلام والمهاجرة إلى المدينة إلى قريش وزوجها الكافر. والصنف المحدد الذي تتعلق به هذه الآية هو الزواج القائم بين المشرك أو الكتابي والمرأة بعد إسلامها وهو موضوع معقد تعددت فيه الآراء والأحكام بين من يرى وجوب التفريق بينهما ومن يرى إمكانية لإبقاء الزواج بصورة وقتية أو دائمة.

الآية المذكورة، والتي أنزلت بعد صلح الحديبية الذي قضى بإعادة كل من هاجر إلى المدينة هي أيضا كآية سورة البقرة، تساوي بين الرجل والمرأة فهي تنهى المسلمين عن الإمساك "بعصم الكوافر" أي زوجاتهم الكافرات من قريش.

إذن الآيتان السابقتان اللتان يبنى عليهما عادة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم -مهما كان دينه- لا تميزان بين الرجل والمرأة، وإنما تحرمان عليهما الزواج من المشركين. ويمكننا هنا أن نسأل عن التأويل اللازم لكلمة "مشرك": هل تفهم بصورة عامة أم تخص مشركي قريش الذين كانوا في حالة حرب وعداوة ضد المسلمين؟

ودون أن نرجح صواب أو خطأ تأويل "المشرك" على نفس النحو يجدر الذكر أنه في مسائل أخرى مثل العلاقة بين المسلمين وغيرهم ووجوب الجهاد ضد الكفار والمشركين، يؤيد عدد من المفسرين والعلماء تأويل تلك المفردات على أنها خاصة ب"الكافر الحربي" أي غير المسلمين ممن هم في حالة حرب ضد المسلمين. هل ينطبق ذلك على مسألتنا؟

لا نريد هنا ترجيح تأويل على آخر أو إصدار فتوى تحريم أو تحليل، وإنما فقط توضيح النصوص والتأويلات المتعلقة بالمسألة.


"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" التي تستثني من التحريم زواج المسلم بالكتابية.

وهنا نتساءل: لم يتمسك البعض بتفسير للآيتين السابقتين لتحريم زواج المسلمة من غير المسلم، مهما كان دينه، في حين أنهم لا يطبقون آية الاستثناء بالتشدد ذاته، فنادرا ما نرى تمسكا بالشروط المذكورة في الكتابية التي يحل للمسلم الزواج بها (أن تكون مؤمنة ومحصنة)؟

الآيات السابقة هي النصوص الرئيسيّة المتعلقة بمسألتنا. وما يمكننا استنتاجه منها هو تحريم الزواج من المشركين على المسلمين- رجالا ونساء، وإباحة الزواج من الكتابية للمسلم بشروط.

أما الفقه – والتطبيق الواقعي – فقد أجمع على تحريم الزواج بين المسلمة وغير المسلم تحريما قطعيا، في حين أن تأويل "الكتابية" التي يحل للمسلم الزواج منها قد اتسع أحيانا ليشمل نطاقا أوسع مثل الهندوس والمجوس.

وقد استند هذا الإجماع على عدم وجود نص صريح يبيح للمسلمة الزواج بكتابي على عكس الرجل. ولعدم وجود نص صريح للتحريم استدل العلماء بأدلة عقلية مبنية على انعدام الكفاءة بين المسلمة وغير المسلم، أو حرمة إسداء "سلطة" أو "ولاية" لمسلم على غير مسلم، أو على مبدأ "المصلحة" – إمكانية منع غير المسلم زوجته المسلمة من ممارسة شعائر دينها أو التأثير عليها لتغيير دينها، وتلافيا لاتباع الأبناء لدين أبيهم.

وبغض النظر عن مدى إقناع هذه الأدلة، يرى البعض أنها مبنية على مفاهيم غير ثابتة، وإنما تتغير حسب الزمان والمكان، ولا تنطبق على كل فرد وكل حالة. وهذا التغيير معترف به حتى من العلماء غير المعاصرين الذين اعتبروا زواج المسلم من الكتابية مكروها خارج دار الإسلام.

ربما يكون هذا المقال طرح أسئلة دون تقديم أجوبة واضحة، وهو ما يُبين أن المسألة ليست بالبساطة التي يظنها البعض، وأنها تتطلب نقاشا علميا هادئا بعيدا عن التوظيف السياسي من جهة وتقاذف التهم، وحتى الإخراج من الملة والتكفير من الأخرى، فمن يطلع على النصوص اطلاعا دقيقا يدرك أن ما قد يبدو بسيطا في الحقيقة أبعد ما يكون عن الوضوح والقطعية.


*يسرى الغنوشي حاصلة على الدكتوراه في العلوم الإسلامية

(نقلا عن مجلة "ميم"، رابط المقال في المجلة: هل يجوز للمسلمة الزواج بغير المسلم؟)
7
التعليقات (7)
الباحث نصر بن صديق
الإثنين، 02-11-2020 09:29 م
موضوع جدير بالاهتمام ؛ وكنت اود ان تبين الدكتورة الغنوشي ترجيح لنا تم بيانه؛ وهناك فقرة اعتقد كان من الأولى بالنسبة العبارة "قد استند هذا الإجماع على عدم وجود نص صريح يبيح للمسلمة الزواج بكتابي على عكس الرجل" ان نقول: قد استند هذا الاجماع على عدم وجود نص صريح يمنع المسلمة الزواج بكتابي...الخ
اسراء عبيد
السبت، 03-10-2020 10:55 ص
مش فاهمة ولا شي من الجواب انا عندي امتحان والجواب خطا
فهد الدبعي
الجمعة، 17-07-2020 08:11 م
بسم الله الرحمن الرحيم أعتقد أن التأمل للآية الكريمة {.. وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ.. } كأنه يستنتج أن طعامنا و أيضا المحصنات من المؤمنات (المسلمات ) حل لأهل الكتاب كما أحل للمسلمين الزواج من المحصنات من أهل الكتاب.. هذا رأي، وقد أكون خاطئا. و النحية لكم
mm
الأربعاء، 30-08-2017 01:43 ص
شكرا لكي فقد أحسنت وعرضت النصوص القطعية الدالة علي إشتراك كلا من الرجل المسلم والمرأة المسلمة في بطلان الزواج من غير المسلمين يهودا كانوا أو نصاري أو غير ذلك ،بلا فرق بين الرجل والمرأة ،ولكنك تراجعتي عن الحق الذي ذكرتيه وتشككتي في النصوص القطعية الدلالة ،عندما قلتي: (فمن يطلع على النصوص اطلاعا دقيقا يدرك ان ما قد يبدو بسيطا، في الحقيقة ابعد ما يكون عن الوضوح والقطعية) وأقول لكي أن النصوص واضحة وبسيطة وقطعية في التحريم والبطلان ،ولكن اراء الفقهاء والمفتين وإجتهادتهم الخاطئة المخالفة للنصوص في إستثناء الرجل المسلم للزواج بغير المسلمة يهودية أو نصرانية أوغير ذلك ،هذة الاراء المخالفة لنصوص القران القطعية هي التي سببت هذة الإشكالات ،وخصوصا أنهم لم يميزوا بين مسلموا أهل الكتاب ،وكفرة أهل الكتاب ،والإمام الشافعي يقول : (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وقال عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ ". (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كَأَنَّهُمَا ذَهَبَا إلَى أَنَّهُمْ لَا يَضْبِطُونَ مَوْضِعَ الدِّينِ فَيَعْقِلُونَ كَيْفَ الذَّبَائِحُ ،وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ الَّذِينَ أُوتُوهُ لَا مَنْ دَانَ بِهِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبِهَذَا نَقُولُ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ) الأم للشافعي جزء 2 صفحة 254. ويقول الله تعالي مميزا بين الفرقتين المسلمة والكافرة ،من اهل الكتاب: ( وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110))سورة ال عمران ،وقال تعالي (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) )سورة ال عمران.وفي تفسير الهداية الي بلوغ النهاية (قوله تعالي : {لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب}. هذا مردود على [قوله] {مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون} ثم قال: {لَيْسُواْ سَوَآءً} أي: ليس المؤمنون والفاسقون سواء وتم الكلام، ويعني بذلك من آمن من أهل الكتاب ومن لم يؤمن)،( ومعنى الآية: أنه تعالى أعلمنا أنه ليس أهل الإيمان من أهل الكتاب والكفر سواء، والضمير في {لَيْسُواْ} يعود على ما تقدم من ذكر المؤمنين والفاسقين من أهل الكتاب )
أين حالات السلف الصالح
الثلاثاء، 29-08-2017 10:44 ص
هل تقبلين بكافر زوجا لك،هذا أولا،التقوى والخوف من المعاصي هي أساس الرؤية الشرعية،من أفتى بالزواج من مشرك،هناك ضلالي قال ولدان مخلدون تعني أن المثلية موجودة بالجنة،وهناك من يدعي تحليل الخمر لعدم وجود مشتقة حرام في القرأن،من هم الذين يتفوهون بهذه الجهالات،هل بلادناالإسلامية دستورها القرأن لنحل المسائل الشرعية،دساتيرنا علمانية أي أن واقعنا علماني،ونأتي لنوفق بين وبين،الذي طرح زواج المشرك هو نفسه يريد فرض مساواة الإرث بالقوة.