قضايا وآراء

"ماما إفريقيا".. أو التوجه الإفريقي للمغرب

امحمد مالكي
1300x600
1300x600
لم يتردد المغرب في أكثر من مناسبة عن الإفصاح عن أن توجهه نحو إفريقيا خيارٌ استراتيجيٌ بامتياز، وأن سعيَه يروم تحديداً بناء شراكات ذات منافع متبادلة، وأن تنويع علاقاته الاقتصادية والمالية أولوية وطنية. لذلك، يمكن القول، دون تردد، إن العنوان الأبرز للدبلوماسية المغربية مطلع الألفية الجديدة هو هذا التوجه الكثيف والمتزايد نحو القارة الإفريقية، أو على الأقل نحو جزئها الغربي بدرجة أساسية. فالزيارات الرسمية وصلت للخمسين، والاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والمالية بالعشرات، والاستثمارات تضاعفت خلال العشر سنوات الأخيرة.

والواقع أن لهذا التوجه ما يُبرره، ويدعم أهميته. فالناتج الداخلي الخام لإفريقيا فاق ألفي (2000) مليار دولار، ومعدل نموها قارب خمسة في المائة عام 2014، ومبادلاتها التجارية انتقلت في أقل من عشر سنوات من 600 مليار دولار عام 2005 إلى 1200 مليار دولار سنة 2012، ناهيك عن الموارد الطبيعية الهائلة والمتنوعة التي تزخر بها بلدانها.. وكلها مؤهلات نوعية تُفسِّر لماذا غدت القارة الإفريقية  أفقاً استراتيجيا لمجمل اقتصاديات العالم، كالصين، وأمريكا، وأوروبا ذات النفوذ التقليدي، وتركيا، والهند، والبرازيل، وكوريا الجنوبية، وبعض دول الخليج العربي، وإن بشكل محدود. ثم أن إفريقيا، علاوة على مؤهلاتها الطبيعية، تضم سوقاً استهلاكياً تجاوز المليار نسمة، وسينتقل، بحسب التوقعات المستقبلية، إلى ملياري مستهلك في أفق 2050.

لاشك أن المغرب وهو يبني توجهه نحو إفريقيا استحضر كل هذه المعطيات، وتمثّل أهميتها في ضوء التنافس الدولي على القارة، فأسس خياره الاستراتجي على هديها، وراهن على الفوائد الاقتصادية والمالية والبشرية التي يمكن جنيها من الشراكات التي أقامها مع كوكبة من الدول الإفريقية، لاسيما في جناحها الغربي، وإلى حد ما بلدان وسطها. والواقع أننا حين نقرأ أرقام العلاقات البينية المغربية الإفريقية، يظهر حجم الفجوات المطلوب ردمها من قبل المغرب، وفي الآن معا نلمس التطور المهم والواعد للتواجد المغربي الجديد في إفريقيا. نُذكِّر بأن إفريقيا هي رابع حليف تجاري اقليمي للمغرب، بما نسبته  5،6% فقط من حجم التجارة الخارجية، مقابل 62% مع اوروبا من مجموع مبادلات المغرب، مما يعني أن الهيمنة الأوروبية ما زالت مستمرة، وأن المبادلات مع إفريقيا مطالبة بأن تنمو معدلاتها وتتزايد، كي تصل حدّاً معقولا يُبرز فعلا إستراتيجيتها ويُقوي استمرارها.

ثمة ما يُشبه الإجماع على أن توجه المغرب نحو إفريقيا خيار سديد واستراتيجي، وأن المغرب حسناً فعل بعودته إلى إفريقيا من باب الشراكات الاقتصادية والمالية والتجارية، ومن زاوية البحث عن الربح المتبادل ليس إلا. بيد أن بالمقابل هناك أسئلة كثيرة، واستفهامات وتوجسات عديدة بخصوص طبيعة المنافع التي سيجنيها المغرب من هذا  التوجه، ومدى تأثيرها الإيجابي على وتيرة النمو الداخلي، ومقدار مساهمتها الفعلية في تحسين أوضاع الناس، وإسعافهم في الارتقاء نحو الأفضل. ثم ما هي الكلفة العامة التي سيتحملها المغرب نتيجة هذا التوجه، لاسيما من الناحية المالية، ومن زاوية التوازن بين الأولويات الوطنية الداخلية والالتزامات العامة تجاه إفريقيا؟

تقود هذه التساؤلات إلى القول بأن أي توجه استراتيجي جديد له كُلفة، وتُجنى من ورائه منافع وأرباح، غير أن الحكمة  تقتضي أن تكون صياغة قرار التوجه وسياسته مدروسة بوعي، ومتمثلة للفوائد والخسائر، ومقدرة بتبصر للتوازن المطلوب بين أولويات الداخل والتزامات الخارج.. وهو ما  نظنه حاضراً في وعي صُناع السياسة الخارجية المغربية. وبالعودة مرة أخرى غلى الأرقام ذات الصلة، نلاحظ أن حصة المغرب في السوق الإفريقية جنوب الصحراء تحسنت  نسبيا، حيث انتقلت من 1،0 % إلى 3،0 % ما بين سنتي 2000 و2013، وارتفع حجم مبادلاته التجارية مع الدول الإفريقية ما بين 2003 و2013 بنسبة 13% ليصل إلى 36 مليار درهم مغربي، ممثلا بذلك 6،4% من القيمة الإجمالية للمبادلات الخارجية المغربية، وهو ما يمثل في الواقع نسبة ضعيفة مقارنة مع معدلات تبادل الدول المغاربية الأخرى (الجزائر تحديدا)، وقد يرجع السبب الرئيس لهذا الضعف إلى الغياب الطويل للمغرب عن الساحة الإفريقية، نتيجة انسحابه من "منظمة الوحدة الإفريقية"، قبل أن تصبح "اتحاداً إفريقيا". لكن هناك، بالمقابل، حضور متصاعد الأهمية على مستوى الاستثمار في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغت الاستثمارات المباشرة 1،6 مليار درهم سنة 2013، أي ما يمثل 3،54 % من مجموع الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج. أما توزيعها القطاعي، فشمل القطاع البنكي (52%)، يليه قطاع الاتصالات بـ 29%، والمجموعات الاستثمارية بـ 6%، وقطاع العقار 5%، والصناعة بـ 1%. والحقيقة أن المغرب يطمح من خلاله اعتبار توجهه الإفريقي خياراً استراتيجيا إلى أن يكون شريكاً لإفريقيا لا يقل أهمية عن الشركاء الدوليين المشار إليهم أعلاه، بل يراهن على أن يتحول إلى منصة عبور Plateforme للاستثمارات الأوروبية والأمريكية والخليجية، مستفيدا من مؤهلات موقعه الجغرافي، وخبراته ذات العلاقة، ولعل هذا ما يفسر حصوله على المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا من حيث استقطاب الاستثمارات، وظفره بثقة العديد من الشركات متعددة الجنسيات، التي فتحت مكاتب لها بالمغرب، من قبيل Microsoft، وIBM وغيرهما.

إن التوجه نحو إفريقيا أفق استراتيجي بامتياز، غير أنه، بالمقابل، رهان يستلزم تعزيزه بقدر كبير من الوعي والدراسة، والموازنة بين الأولويات الوطنية والالتزامات الإفريقية المترتبة عن هذا الاختيار.
0
التعليقات (0)