مقالات مختارة

نزيف في السمعة والمكانة!

محمود سلطان
1300x600
1300x600
أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا، عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، أوردت فيه مزاعم مؤلمة وأخرى صادمة في بعضها.. وهذه ليست المرة الأولى، فقد أصدرت تقارير مشابهة في عهد مبارك، والتعذيب في زمن الأخير، كان سياسة ممنهجة ومستقرة في مقار أمن الدولة ـ آنذاك ـ وفي أقبية الشرطة في العموم.
 
وفي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، أصدرت ذات المنظمة تقريرًا مروّعًا أيضًا عن أوضاع حقوق الإنسان في عهده (التقرير العالمي لعام 2013 ـ مصر).. غير أن من الصعب، الحكم على "تجربة" مرسي في إدارة العلاقة مع تقارير حقوق الإنسان.. لأنها كانت تجربة قصيرة ومضطربة، ولم تسعفنا حياته القصيرة في السلطة في تسجيل إضاءات تتعلق بالحِكمة والخبرة في إدارة الإدانات.
 
غير أن مبارك، كان يعتمد على سياسة الإبقاء على القمع، تحت مظلة واسعة نسبيًّا من حرية الرأي والتعايش مع الانتقادات.. بدون عصبية أو ردود فعل "طائشة" على تقارير منظمات حقوق الإنسان.
 
أرسى مبارك أيضًا، قاعدة أمنية غريبة في هذا الإطار؛ فهو لا يتدخل لمعاقبة المسؤول الأمني المتهم بالتعذيب، طالما بقى "سرًّا"، لم يثر أزمة على المستويين المحلي والدولي.. ولكنه كان يتحرك في حال وجود حملة في الصحف تكشف وقائع تعذيب محددة.
 
لم ينتبه مبارك إلى أن تلك السياسة، لم تعد تنفع مع الوعي الجديد، الذي تأسس بالتدرج مع وجود فضائيات جديدة ومؤثرة وقادرة على صناعة الرأي العام وتوجيهه وتثويره وقتما تشاء.. ثم خروج الوضع عن قدرة أي نظام أمني مهما كانت وحشيته على السيطرة، بظهور "السوشيال ميديا" وقدرتها على التحضير والتحريض والحشد، ومخاطبة المجتمعين المحلي والدولي، وتأليبهما على أي انتهاكات بسيطة أو جسيمة بحق أي مواطن، حتى لو كان في نجع من نجوع الصعيد البعيد المهمش والمنسي.
 
تعامل مبارك مع مقتل خالد سعيد، بذات المنطق الأمني التقليدي المغيب عن التحولات الكبيرة في أدوات التأثير على الرأي العام.. فانتهى به الأمر كما رأينا في 11فبراير عام 2011.
 
المدهش أن الإدارة السياسية الحالية، جمعت ـ في تعاطيها مع المعارضة أو الانتقادات عمومًا ـ بخليط من العصبية العفوية والتي لا تصدر إلا من الهواة، تجلب لها المشاكل ولا تحلها.. ومن سياسات مستنسخة من غيبوبة نظام مبارك في أخريات عهده، عندما لم يلتفت إلى أن الدنيا تغيرت، وأن انتهاكات حقوق الإنسان لم تعد "سرية".. رغم تلقيه درسًا صادمًا، في التسريبات التي مسّت قيادات رفيعة وحساسة.. وهو الدرس الذي كان من المفترض أنه تعلم منه، أن المصادرة والحجب والشوشرة بخطاب إعلامي ساذج ومتخلف، لن يفيده لإقناع الرأي العام المحلي والدولي باستقامة أدائه فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
 
الوضع الآن في عمومه، سيزداد صعوبة مع هذه العصبية والارتجالية، في ردود الفعل على الانتقادات التي تتناول الأوضاع في مصر.. الوضع يحتاج إلى وقفة والتقاط الأنفاس للمراجعة، يحتاج إلى صبر في التعلم والتدرب.. لوقف هذا النزيف في السمعة وفي المكانة.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)