مقالات مختارة

الوطنية والأونطة..!!

محمود سلطان
1300x600
1300x600
لا ندري مَن هذا "العبقري" الذي أمر باصطفاف طلاب الجامعات، ومعهم الأساتذة؛ لأداء التحية للعلم صباحا؟.. بعضهم "فرق الكشافة" أدت التحية العسكرية، في مشهد شديد الغرابة، ولم تعرفه أية جامعة في أية دولة في العالم.

قبلها بأيام، صدرت التهديدات، من مسؤولين بالتعليم الجامعي، لكل من لا يؤدي التحية! واعتبرته معيارا للفرز: إما طالب وطني.. وإما خائن! والأخيرة قد تكون مقدمة للملاحقات الأمنية والقضائية، والتّهم جاهزة وتحت الطلب!

والجامعة في تقاليدها، الدراسة بها ممتدة، توجد محاضرات و"سكاشن" صباحية ومسائية وأخرى وقت الظهيرة، وهي بالتأكيد مشكلة "عويصة"، لا أدري كيف سيحلها، صاحب هذا القرار "الساذج".. وكيف سيحشر طلاب كل هذه الأوقات الممتدة والمتفرقة؛ في أول النهار صباحا؛ ليهتفوا جميعا: "تحيا جمهورية مصر العربية؟!".

وتبدو لي هذه الممارسة المظهرية، سبيلا لتخريج الطالب "الأونطجي".. أو جيل كامل من "الأونطجية".. عندما اختصروا الوطنية فقط في القبض على الميكروفونات، ورفع الأصوات والهُتاف أمام الأعلام.. والعيون معلَّقة بالرقيب الأمني!

الطالب لن يكون وطنيا، لمجرد أنه استجاب لتهديدات، تتوعده حال لم يحضر طابور الصباح، لسبب وحيد وهو تحية العلم.. بل سيتحول إلى "أونطجي" .. يبدي غير ما يخفيه.. ويرى في المظهرية والبكش والفهلوة والأونطة، طريقا للتسلق والتقرب ممن بيدهم مقاليد النفوذ والسلطة والثروة والنجومية في مصر.

المشكلة ليست في تحية العلم، فالأخير رمز للدولة واحترامه واجب، ولكن المشكلة في استخدامه في التوظيف الدعائي السياسي المظهري الساذج، وإحالته إلى ستارة تتخفى وراءها، ممارسات هي ضد الوطن وسيادته وهيبته، وتهدر سمعته وقيمته وقامته واستقراره وسلامته وموارده وهيبته الدولية والإقليمية.

هذه المظهرية المتطرفة، لا تقصد وجه الوطن، وإنما لمآرب أخرى، توظف وتستثمر بفجاجة؛ لتبقي على الحسابات البنكية والكروش الواسعة لأمراء الوطنية وأثريائها منتفخة.

الوطنية الحقيقية.. تحتاج إلى إرادة سياسية، تنحاز إلى التعليم والصحة، وإلى الفقراء والمهمشين والمعذبين وسكان العشوائيات والمقابر ومدن الصفيح. الوطنية تحتاج إلى إرادة سياسية، تضمن للمواطن معاملة كريمة وآدمية في أقسام الشرطة، وفي السجون والمستشفيات، وفي طرق معبدة ووسائل نقل آدمية، وغير ذلك من حقوق أخرى، هي التي تجعل الوطنية في الضمير العام وطنية حقيقية، وليست سلعة للارتزاق الإعلامي والحزبي والسياسي.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)