كتاب عربي 21

بعد الاستفتاء على استقلال كردستان: تصعيد وحرب أو فرصة لحوار جديد؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
احدث الاستفتاء على استقلال كردستان العراق صدمة قاسية لدى الاوساط العربية والاسلامية في لبنان والعديد من دول المنطقة، وتخوفت بعض المصادر السياسية المطلعة في بيروت: "ان يؤدي هذا الاستفتاء للتمهيد الى حروب جديدة في المنطقة تشارك فيها العراق وايران وتركيا وسوريا في مواجهة الاكراد ولمنع تقسيم المنطقة مجددا ، مما قد يؤدي للدخول في حروب لا احد يعرف الى أي مدى ستنتهي".

لكن في مقابل هذه الاجواء السلبية فان بعض الاوساط العربية والاسلامية تعتبر ان هذا الاستفتاء حق طبيعي للشعب الكردي وان المشكلة ليست عند الاكراد بل عند الشعوب العربية والاسلامية والتي لم تقدم النموذج المناسب لاحتضان الاكراد واعطائهم حقوقهم الطبيعية كمواطنين ، مع ان العديد من الشخصيات الكردية كان لها دور فاعل في التاريخ العربي والاسلامي.

وفي هذا الاطار قال قيادي اسلامي بارز لموقع "عربي21"، ان على القوى الاسلامية والقومية العربية ان تتعاطى بحكمة مع الازمة الكردية ولا تدفع الامور نحو التصعيد وان تسعى لايجاد حلول سلمية للازمة ولا تذهب لمحاصرة اكراد العراق والمنطقة وتدفعهم للحضن الصهيوني والاميركي.

وكشف هذا القيادي ان قوى وحركات اسلامية فاعلة في المنطقة تجنبت اصدار بيانات منددة بالاستفتاء الكردي وهي تعمل للبحث عن حلول للازمة.

وفي المقابل فان تجمع العلماء المسلمين في لبنان (وهو يضم علماء سنة وشيعة وقريب من حزب الله وايران) اصدر بيانا حذر فيه من خطوة الاكراد لانها ستؤدي الى تقسيم المنطقة وخدمة الكيان الصهيوني، لكنه دعا الى اعطاء الاكراد حقوقهم والحصول على الثروات التي يستحقونها وان يتم التعاون بين الحكومة العراقية والاكراد لمعالجة الازمة.

وفي اطار البحث عن حلول للازمة الكردية وبقية الازمات التي تعصف في المنطقة ، يطرح بعض الباحثين والمفكرين العرب الناشطين في بيروت لانشاء "منتدى للتكامل الاقليمي في المنطقة" ، بعض الافكار والطروحات التي قد تشكل مدخلا للحوار العربي – الكردي – الايراني – التركي .

وتشير هذه الرؤية الى ان "كثرة في هذا المشرق المتوسطي يرون أن الإقليم يتجه نحو طريق واحد لا غير، يقود إلى استمرار مرحلة الدمار الشامل والعاصفة الكاملة، وانفلات غرائز الإبادات الجماعية، والقضاء المُمنهج والصارخ على الأنظمة البيئية ومقومات الحياة برمتها، وتقويض كل أو معظم منظومات الاجتماع البشري من قيم ومبادئ ومعايير حضارية وأخلاقية، ونسف مفاهيم السياسة العليا التي تُعلي من شأن الحياة الفاضلة للجماعة والفرد وأمّنا الطبيعة. اليد العليا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كانت بالفعل للتطرّف الديني الفاشي والقبلي والعشائري بين كل المذاهب والطوائف والإثنيات، وبدفعٍ من قوى دولية تعمل على إعادة رسم الخرائط السياسية للإقليم بدموية فظيعة، تضمن انخراط الجميع ضد الجميع في حروب أبدية، لن تؤدي في نهاية المطاف سوى إلى الانقراض الانتحاري لكل أمم المنطقة".

كل هذا صحيح ودقيق. لكن، وبالتحديد لأنه صحيح، لامناص موضوعياً من استيلاد الحلم من رحم الكابوس، والحياة من براثن الموت. هذا هو أسّ قوانين الطبيعة والتاريخ، أو الينغ ونقيضه اليانغ كما يعتقد الصينيون، أو التحدي والاستجابة كما يقول توينبي، أو القضية ونقيض القضية لدى هيغل.

لكن، ما السبيل إلى توفير ولادة سلمية وصحيّة لهذه اللحظة؟

تجيب هذه الرؤية: الحاجة هنا ماسة إلى ثلاثة أنموذجات (paradigm) متقاطعة:

الأول، إحلال أنموذج التعاون والتكامل الأمني والاقتصادي الإقليمي مكان حروب الدول- الأمم الراهنة، سواء اتخذ ذلك الشكل الكونفيدرالي بين الأمم الأربع المكوّنة للمشرق المتوسطي، أو مجرد المُجمّع التنسيقي.

والثاني: أنموذج لوعي جديد، وتوجهات روحانية جديدة، تمهّدان لولادة هوية مشرقية-حضارية جديدة مشتركة بين هذه الأمم، تكون هي التجسيد الحقيقي لكلٍ من الوحدة الجيو-ثقافية للإقليم ولذاكرته الجماعية المشتركة: هوية ديمقراطية وليبرالية تستند إلى النزعة التوحيدية الشاملة في الاسلام التي تقوم على الاعتراف بالآخر، والتسامح، والتعاون، وإعلاء مصلحة الجماعة بالتساوق مع إطلاق طاقات الفرد وحرياته.

الإقليم، وعلى عكس الأقاليم الأخرى في العالم، قادر على استنباط وبلورة مثل هذه الهوية لأنها كانت، ولاتزال، مكوّناً رئيساً ومشتركاً لشخصية كل الأمم الأربع. وهذا مايساعد إلى حد كبير على إرساء التكامل الإقليمي الأمني والاقتصادي والاستراتيجي على أسس عميقة وراسخة.

الأنموذج الثالث هو تحويل هذه التوجهات إلى طرح عالمي يتحدّد فيه الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الإقليم، ومعه الشرق الآسيوي الإسلامي، في محورين اثنين: المشاركة في العمل على استيلاد النظام العالمي الجديد مُتعدد الحضارات، ولعب دور الموازن بين الغرب وبين الشرق الآسيوي في التنافس الحتمي الذي سينشب بينهما حول طبيعة هذا النظام الدولي الجديد.

والأنموذج الأول، أي الكونفيدرالية الإقليمية، يتطلّب بروز نخب إيرانية وتركية وكردية وعربية مشتركة في كلِ من السلطة والمجتمع، مدعومة بمجتمعات مدنية حيوية، تعمل بكد ودأب ليس فقط على توضيح القفزات الحضارية-الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تحققها الأمم الأربع في حال أعادت بناء الوحدة الجيو-ثقافية والجيوسياسية والاقتصادية للإقليم، بل أيضاً على تصفية الحساب مع الانقسامات السايكولوجية التي تراكمت طيلة قرن كامل بعد انهيار الدولة العثمانية (وحتى قبل ذلك بكثير) ضد بعضها البعض.

أجل. ثمة دور يبحث عن بطل في العالم، وثمة عالم يبحث عن هوية حضارية جديدة وحقيقية ومُتجاوزة تقود إلى حضارة عالمية جديدة تعترف بالاختلافات كما بالتشابهات، وتسعى إلى نظام عالمي وفق قيم وأسس مُصمّمة بوضوح لضمان مشاركة متساوية لكلٍ من الحضارات الرئيسة في العالم، أي الديمقراطية الكوزموبوليتية والحوكمة الكوزموبولوتية. والحضارة الإسلامية أحد المرشحين للمساهمة في حيّز أساسي من هذا الدور.

فهل تتحول الازمة الكردية الى مدخل لحروب جديدة وخطيرة في المنطقة؟ ام تشكل فرصة للبحث عن حلول جديدة لازمات المنطقة؟.
0
التعليقات (0)