مقالات مختارة

ماذا تبقى من عبد الناصر؟!

جمال سلطان
1300x600
1300x600
مع كل ذكرى لرحيله، يتجدد الجدل حول شخصيته وحول تاريخه، وحول تجربته، وحول نظامه السياسي، إنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي انقسم الناس حوله، كما ينقسمون عادة في بلادنا بمحض العواطف وبالانجذاب إلى الولاءات ذات الطابع الشخصي، مع أو ضد. 

ويمثل الصراع حول عبد الناصر امتدادا طبيعيا للصراع الطبيعي بين الإسلاميين والعسكريين؛ لأنهما الكتل الأساسية التي أدارت المشهد السياسي منذ حركة ضباط الجيش في يوليو 1952 وحتى اليوم، والباقي كانوا هوامش على الحركة السياسية، إما بفعل الكسل السياسي، وإما بفعل التهميش العمدي والرغبة في البعد عن المخاطرة، وإما بفعل الانجذاب الشعبي النمطي واسع النطاق في مصر والمنطقة نحو الجانبين، التيار الإسلامي والنظام العسكري أو المؤسس على الدعائم العسكرية.

الصدام بين عبد الناصر والإخوان بعد عامين من حركة الجيش في 52 كان بداية هذا الانقسام الذي ألقى بظلاله على الأدبيات التاريخية والسياسية وحتى الثقافية التي أغرقت مصر والمنطقة العربية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، فالإخوان الذين عاشوا مظلمة قاسية مع عبد الناصر بعد أن تحالفوا معه ودعموه في البداية، أغرقوا العقل العربي بكل ما يشوه عبد الناصر ويدينه، حقا كان أو باطلا، وانتشرت قصص وروايات ودراسات ومعالجات فكرية امتدت لفكرة القومية العربية ذاتها التي حاول عبد الناصر أن يدشن بها مشروعه السياسي، وكذلك اليسار والاشتراكية حيث حاول عبد الناصر أن يتماس معها بعد تحالفه مع الاتحاد السوفيتي بعد صدامه السابق مع الماركسيين، كل ذلك شمله الهجوم الإخواني إعلاميا وثقافيا وسياسيا.

بالمقابل، قدم الناصريون روايات أخرى وسيلا من الكتابات والدراسات التي تحكي المرحلة بصورة مغايرة تتهم الإخوان بكل نقيصة والعمالة للإنجليز وخيانة الثورة والانتهازية وتأليف قصص غير حقيقية عن عصر عبد الناصر، وغير ذلك من اتهامات، وما زال هذا الانقسام حاضرا حتى اليوم.

والحقيقة أن الميراث الذي تخلف عن هذه المعركة ذات الطابع العاطفي في أغلب جوانبها، والثأري في جوانب أخرى، يصعب علاجه بشكل منطقي الآن، وربما لمرحلة طويلة مقبلة، وأي نقاش حوله أو فيه لا يمكن أن تصل فيه إلى معنى أو رؤية صحيحة أو مقنعة بين التيارين، ومن ثم، كان الاختيار الوطني الذي ترسخ قناعة لدي أن تجاوز هذا الجدل هو الحل الوطني المناسب لتلك المرحلة أو للمستقبل، خاصة أن تجارب الجميع السياسية اكتملت بتجربة الإخوان في الحكم بعد عامين من ثورة يناير، وفشل الجميع، وأصبحنا أمام الحكمة الشعبية "لا تعايرني ولا أعايرك.."، وبطبيعة الحال لا يمكن ـ موضوعيا ـ مقارنة تجربة عام واحد بتجربة عبد الناصر التي امتدت لما يقرب من سبعة عشر عاما، ولكن في النهاية ثبت فشل الجميع، وأن فكرة الانفراد بحكم بلد بهذا الحجم، وتشهد انقساما سياسيا وثقافيا واسعا كان ـ وما زال ـ مغامرة غير عاقلة، سواء من هذا الطرف أو ذاك.

مستقبل الوطن بحاجة إلى التجرد بعيدا عن "الشخصنة"، وربما بعيدا عن تقييم مرحلة نظم ما بعد الاستعمار ومشاكلها وعنفها وقسوتها واستبدادها، لأنها كانت تجارب ناجمة عن غياب الخبرة السياسية الديمقراطية عن شعوب المنطقة ومثقفيها، وسيطرة عواطف الاستقلال عن الاستعمار البريطاني أو الفرنسي، وهي العواطف التي عصفت بمبادئ مهمة كالحريات العامة والتعددية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وترسيخ دولة المؤسسات، كانت مرحلة الرجل الأوحد، الديكتاتور، أو المستبد المستنير التي بشر بها بعضهم في النصف الأول من القرن العشرين، ولم تكن مصر حالة خاصة في سياق تلك المرحلة، وحتى لو لم يكن عبد الناصر موجودا لوجدت نسخة أخرى مطابقة له، حتى لو كان من التيار الإسلامي نفسه.

يمكن أن نستخلص من تجربة عبد الناصر أهم المبادئ الإيجابية التي نادت بها، حتى لو كانت فشلت فيها، مثل الاستقلال الوطني ومثل العدالة الاجتماعية ومثل الحياة الديمقراطية السلمية، وتدمج تلك المعاني بالخبرة الوطنية الجديدة، خاصة بعد الربيع العربي وتجربة ثورة يناير الرائعة، ووضوح حاجة الوطن والشعب إلى الديمقراطية والتعددية، واحترام حقوق الإنسان، وولادة دولة المؤسسات، وحماية وتعزيز التداول السلمي للسلطة ومدنية الدولة، وتحصين الحريات العامة، فالنضال من أجل ذلك أجدى وأنفع للوطن والمنطقة كلها من هذا الجدل العقيم والعصبي، والذي يبدو دون أي جدوى أو نهاية، حول شخص عبد الناصر وتجربته.

المصريون المصرية

1
التعليقات (1)
مصطفي التونسي
الجمعة، 29-09-2017 01:56 م
يقول الكاتب المحترم أن مرحلة عبد الناصر هي مرحلة حتمية بقوله "وحتى لو لم يكن عبد الناصر موجودا لوجدت نسخة أخرى مطابقة له" ، علما و أن رفيقه محمد نجيب دعي لإنتخابات حره و لرجوع الجيش لثكناته... وهذا دليل بأن الشرفاء موجودون في كل زمان .. هو صراع أبدي بين الحكمة والعمالة ... وكل الشعوب العربية مازالت تؤمن بأن جمال عبد الناصر هو القائد والزعيم، شعوب عاطفية فوق اللزوم.

خبر عاجل