مقالات مختارة

عاصفة سياسية تهب على مصر من غزة!

جمال سلطان
1300x600
1300x600
عاصفة سياسية حقيقية هبت على مصر أمس من الجانب الشرقي، حيث قطاع غزة، بعد تطورات شهدتها علاقات مصر السيسي مع حركة حماس، التي انتهت بزيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية على رأس وفد مصري رفيع المستوى إلى قطاع غزة، واجتماعه مع قيادات حركة حماس، وعلى رأسهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وذلك في حماية كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحماس، وكذلك ظهور إعلاميين موالين للسيسي ضمن الوفد، وحرصهم على التقاط الصور التذكارية مع قيادات حماس، وغالبا ستكون هناك حوارات تلفزيونية يتم بثها عبر القنوات الفضائية المصرية. 

ويأتي ذلك تتويجا لجهد كبير ومتواصل قامت به المخابرات المصرية، بعيدا عن جدل السياسة الداخلية العبثية والتي تصل إلى حد التهريج في التعامل مع الملف الفلسطيني الحساس من خلال قطبه الأهم "حماس"، والحقيقة أن ما فعلته المخابرات العامة خدم مصر الدولة بشكل كبير، وحفظ لها مكانتها الدولية بفضل قدرتها على الإمساك بخيوط الملف الفلسطيني، وقدرتها على نسج سياسات ومواقف تمثل دعما لمشروع السلام في المنطقة ودعما ـ بطبيعة الحال ـ لموقع مصر فيه.

العاصفة التي هبت، كان سببها الأساس هو الخلفية التي تم تسويقها عن حماس في الإعلام الرسمي المصري طوال الأعوام الأربعة أو الخمسة الماضية، ومن خلال تصريحات رسمية حكومية، واتهامها رسميا وإعلاميا بأنها المتورطة في اقتحام السجون المصرية خلال ثورة يناير، وأنها التي قامت بتهريب قيادات الإخوان من السجون، وأنها التي أشعلت النار في ميدان التحرير، وأنها التي أدخلت الأسلحة والذخائر التي استخدمها الإرهابيون لقتل ضباط الجيش والجنود في سيناء، كما وصفت حركة حماس بشكل دائم بأنها "منظمة إرهابية"، وأنها أحد أذرع جماعة الإخوان المصنفة في مصر رسميا وقانونيا بأنها "كيان إرهابي". 

كما قامت الحكومة المصرية رسميا، من خلال مؤتمرات صحفية علنية لوزير الداخلية باتهام حركة حماس بالتورط في عملية اغتيال النائب العام السابق، وتم تقديم الاتهام رسميا أمام القضاء المصري، هذا بالإضافة إلى أن الرئيس الأسبق محمد مرسي يحاكم حاليا أمام القضاء بتهمة الاتصال بحركة حماس، حيث وصف ذلك بأنه تخابر مع تنظيم إرهابي أجنبي، هذا بالإضافة إلى الخطاب التحريضي المتتالي للإعلام الموالي للرئيس السيسي والنظام ضد حماس بأنها عدو مصر وأنها متورطة في الدم المصري وأنها تسرق قوت المصريين وتقتل أبناءهم وأن بيننا وبينهم دما، ثم يظهر نفس هؤلاء الإعلاميين ليتحدثوا بإجلال وود عن "الأشقاء" في حماس، هذا مشهد كوميدي بامتياز، غير أنه من نوع الكوميديا السوداء التي تكشف إلى أي مدى ذهبت بنا وبالعقول الهلاوس السياسية والإعلامية الجاهلة والنفاقية والتافهة.

الخلاصة الآن، أن حماس لم تعد منظمة إرهابية في مصر، وأن حماس لم تقتل أبناءنا، وأن حماس لم تقتل النائب العام، ولم تشارك في قتله، وأن حماس لم تقتل ضباط الجيش وجنوده، وأن حماس لم تعتد على السجون والمؤسسات المصرية، ويتوجب على مصر حكومة وإعلاما وأجهزة أن تقدم اعتذارا علنيا لحماس أولا عن هذه الاتهامات التي اعترفت ضمنيا بأنها ملفقة وباطلة وظالمة، وللشعب المصري نفسه الذي تعرض لحملة تضليل رسمية وتلاعب بعقله وضميره الوطني.

لن يعتذر أحد بطبيعة الحال، وستمضي الأمور كأن شيئا لم يكن، غير أن ما جرى في ملف حماس أعتقد أنه مقدمة ضرورية، سياسية ومعنوية، تمهد لمراجعات سياسية لملف الإخوان في مصر، بعد تهدئة الظرف الإقليمي، فقد ثبت أن تصنيف الجماعات والكيانات على أنها إرهابية هو مجرد "أداة ضغط سياسي" لا أكثر، لهدف محدد ولفترة محدودة، وأنا شخصيا ليس لدي أدنى شك في أن النظام عما قريب سيجد صيغة ما للتعايش مع الإخوان واللعب معهم من جديد أو مع جناح مهم منهم على الأقل، وسينسى النظام وإعلامه قصة الإرهاب الإخواني كما نسوا حدوتة إرهاب حماس، ولن يكون مفاجئا لي أبدا أن أسمع عن سباق بين رموز الإعلام الرسمي والموالي الذين ينادون اليوم بذبح الإخوان "الإرهابيين"، صحفا وفضائيات، للفوز بانفراد أول حوار مع مرشد الإخوان، مع الحرص على التقاط الصور الباسمة معه، وجميع الأحكام القضائية التي صدرت والتي ستصدر سيتم محوها بشرطة قلم.

إنها السياسة، التي لا تعرف العواطف التي يغرق فيها قطاع من العوام والدهماء، ولا يدوم فيها كره، كما لا يدوم فيها ود، وإنما تدوم فيها المصالح. وحيثما كانت المصلحة، وجدت النظام وخدمه وحاشيته الإعلامية والسياسية.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل