كتاب عربي 21

عن إستراتيجية ترامب الجديدة لمواجهة إيران

علي باكير
1300x600
1300x600
خلال الأعوام القليلة الماضية كان هناك الكثير من الأخذ والرد بخصوص المفاوضات الأمريكية مع إيران حول برنامجها النووي، وما أنّ تمّ التوقيع على الاتفاق حتى ازداد اللغط حول مضمون الاتفاق. فريق يؤيّد الاتفاق وآخر يعارضه. من وجهة نظري الشخصية ومن خلال عشرات المقالات والأوراق البحثيّة التي كتبتها خلال المفاوضات وبعد الاتفاق مباشرة، أرى بأنّ الاتفاق لم يكن جيّدا في ذاته إذ أنّه تضمن العديد من الثغرات الخطيرة كما أنه لا يمنع في نهاية المطاف إيران من الحصول على السلاح النووي، وإنما يضفي الشرعية على برنامجها النووي ويعطيها في النهاية برنامجا نوويا صناعيا متطورا.

أمّا بالنسبة إلى الأبعاد السياسية للاتفاق، فقد كان الاتفاق بمثابة كارثة حقيقية على المنطقة العربية. ففي الوقت الذي كان بالإمكان فيه أن يتم مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة مرّة واحدة وإلى الأبد، فضّل أوباما عقد صفقة معها أدّت إلى تمدّد غير مسبوق للنظام الإيراني في الشرق الأوسط منذ قرون. 

لقد سمح الاتفاق النووي لإيران بالحصول على مليارات الدولارات في وقت كانت فيه قاب قوسين أو أدنى من انهيار اقتصادي محتّم، كما تنازل الاتفاق بشكل غير مفهوم إلى إيران في مجال المساح لها بتطوير قدراتها الصاروخية البعيدة المدى وهو الأمر الذي تحتاجه في نهاية المطاف في أي برنامج نووي عسكري في حال كان هدفها تركيب رأس نووية.

بالأمس، وبعد التشاور مع أعضاء مجلس الأمن القومي، قرر ترامب الموافقة على إستراتيجية جديدة لإيران وهي حصيلة 9 أشهر تقريبا من المداولات والنقاشات مع الكونغرس والحلفاء. وقد تم الإعلان عن هذه الإستراتيجية بعد التصريحات المتتالية عن سحب الرئيس الثقة من الاتفاق النووي مع إيران.

تقوم الإستراتيجية الجديدة على ستة عناصر أساسية هي: تحييد نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار، وتنشيط التحالفات التقليدية والشراكات الإقليمية ضد إيران، وحرمان النظام الإيراني ولاسيما الحرس الثوري من تمويل النشاطات الشريرة لإيران، ومواجهة خطر الصواريخ البالستيّة، وحشد المجتمع الدولي لإدانة خرق الحرس الثوري لحقوق الإنسان والاعتقال على غير العادة لمواطنين أمريكيين، والأهم من ذلك منع النظام الإيراني من كل الطرق التي توصل إلى السلاح النووي. 

للحقيقة، ليس هناك شيء جديد في هذه العناوين العريضة، فقد سمعنا الكثير من هذا الكلام خلال عهد الإدارات السابقة. المفارقة أنه ما كان من مثل هذه الاستراتيجيات إلا مساعدة إيران على تحقيق المزيد من المكاسب الإقليمية، ليس بسبب قدراتها الخارقة وإنما بسبب الأخطاء الفادحة للسياسات الأمريكية.

ثمة نقطة أخرى مثيرة للاهتمام وهي تشير إلى أنّ إدارة ترامب غير جدّية أو غير واقعيّة ربما بطرحها أعلاه، وهي النقطة المتعلقة بتنشيط التحالفات التقليدية والشراكات الإقليمية لمواجهة إيران ولتحقيق توازن في ميزان القوى في المنطقة. هذه النقطة بالتحديد دمّرها ترامب قبل أن يطرح إستراتيجيته الجديدة هذه لمواجهة إيران.

نظرة واحدة إلى علاقة إدارة ترامب مع الفاعلين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط تعطي القارئ فكرة أوضح عمّا نقوله هنا. علاقة أمريكا مع كل دول المنطقة باستثناء السعودية والإمارات رديئة للغاية. بسبب ترامب تحديدا، اندلعت الأزمة الخليجية مع قطر، وهي الأزمة التي أدت إلى اندفاع عدد كبير من اللاعبين الإقليميين (دول وفاعلين غي حكوميين) باتجاه إيران محققة لها مكاسب مجانية على طبق من ذهب.

لا يمكن لأي إستراتيجية أمريكية أن تنجح في مواجهة إيران بالاعتماد على دولتين فقط. وباستثناء المال، ليس لدى هذه الدول ما تقدّمه خاصّة أنّها لا تزال غير قادرة على حسم الحرب مع بعض قطّاع الطرق المسلحين على الحدود الجنوبية. الأخطر من ذلك أنّ الرياض تمر حاليا في مرحلة تحوّل حرجة للغاية على صعيد الحكم والمجتمع ومثل هذه المرحلة تحتاج إلى التركيز على الوضع الداخلي وليس الخارجي.

أمّا في الدائرة الأوسع، فمن الواضح أنه لا يوجد حتى هذه اللحظة من يتّفق مع الإدارة الأمريكية بشان إيران لا في الاتحاد الأوروبي ولا في روسيا والصين وهو ما يعني أنّ المهمّة ستكون صعبة للغاية أن لم نقل شبه مستحيلة وفق الطرق التقليدية المتّبعة.
0
التعليقات (0)