قضايا وآراء

المصالحة.. هل ترمم الدور المصري في المنطقة؟

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600

شهد الدور المصري بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي في المنطقة تراجعا ملحوظا مقارنة بالأدوار التي كانت تمارسها القاهرة في الفترات السابقة على صعيد الإقليم، وعلى الأخص تأثيرها في المحيط الجغرافي إضافة إلى ملف الصراع العربي الإسرائيلي. فبعد ترتيب وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل عام 2014 انغمس حكم العسكر في مشاكله الداخلية الاقتصادية والسياسية، وأصبح يستجدي المساعدات من الدول التي ساعدته على الانقلاب، فيما لم يمارس أي دور وازن على صعيد المنطقة، في الوقت الذي أمسكت فيه السعودية بملفات اليمن وسوريا والعراق، فيما اقتسمت الإمارات ملف اليمن مع السعودية، إضافة إلى نفوذها المتنامي في ليبيا، ومحاولتها الدخول إلى ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

واكتفى السيسي بالشهادات التي نالها من الإسرائيليين على دوره في مواجهة الإسلام السياسي، ذلك في وقت تواجه فيه قوات النظام حرب عصابات شرسة في سيناء ما أدى لمقتل المئات منها على يد التنظيمات المتشددة التي عجز عن مواجهتها والتصدي لها، فيما لم يتمكن من تأمين حدوده الغربية مع ليبيا.

ومضى حكم العسكر في التحالف مع إسرائيل وتعزيز التطبيع معها ومناشدة الإسرائيليين بالتوجه نحو السلام، فيما لم يتمكن من حماية أمن مصر القومي في أفريقيا حيث تجرأت أثيوبيا عليه في موضوع سد النهضة.

وانطلاقا من ذلك، أراد النظام أن يلعب في ساحته التي يعرفها وهي الساحة الفلسطينية ليعيد الاعتبار للدور المصري ويغطي على فشله داخليا ويتأهل لدور أكبر في المنطقة.

هل تغير دور مصر

 
لم يغادر النظام موقعه من حيث التحالف مع الإسرائيليين ومحاولة تحجيم دور المقاومة الفلسطينية والسعي نحو احتوائها وتدجينها لتأهيل نفسه في المنطقة. فالنظام هو النظام الذي نعرفه، وهو الذي سعى لضرب المقاومة وإغراق أنفاقها بالماء مستكملا بذلك الدور الإسرائيلي في معركة العصف المأكول، وهو النظام الذي حاصر ويحاصر غزة أملا منه بإسقاط حكم حماس أو إثارة الناس ضدها.

وهو حين يسعى لترتيب المصالحة، فلن يكون محايدا وسينحاز مع فتح ضد حماس، وقد يلجأ قريبا إلى مطالبة الحركة بتسليم سلاحها للسلطة في إطار ما يسمى تمكين الحكومة الفلسطينية التي ستبسط حكمها على قطاع غزة بعد أن تخلت حماس عن اللجنة الإدارية التي كانت تديره في ظل استنكاف حكومة محمود عباس عن القيام بدورها في ترتيبات المصالحة السابقة والتي انتهت إلى فشل. 

وتشير مقدمات المصالحة الحالية لانحياز نظام السيسي لفتح لأن المحادثات التي جرت في القاهرة ركزت على تمكين حكومة عباس وسيطرتها على المعابر، دون أن تلتزم بإعادة 50 ألف موظف إلى أعمالهم، ولم يكن هناك جدية في ترتيب الانتخابات في الداخل والشتات وغيرها من الملفات العالقة.

 

ويأتي التحرك المصري منسجما مع مخطط السلام الإقليمي الذي طرحه نتنياهو وحكومته، إذ إن الدفع بالفلسطينيين للمصالحة  سيمهد الطريق لحكومة عباس لخوض مفاوضات التسوية مع إسرائيل ويعطي الضوء الأخضر للدول العربية لتطبيع العلاقات مع العدو حتى قبل أن يتم إنجاز تسوية فلسطينية معه.

 

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عبر عن دعمه لمخطط السلام الإقليمي الذي يفصل بين تطبيع العلاقات مع الدول العربية والتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 

وفي هذا السياق تأتي تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان التي قال فيها إن "الحل الإقليمي هو الصيغة الوحيدة التي توفر حلاً مقبولاً لإسرائيل".

 

ومن المعالم الأساسية للسلام في المنطقة حل المشكلة الديمغرافية في فلسطين، والتي تتراوح بين إلحاق جزء من سيناء بغزة وترتيب حل إقليمي أوسع من خلال الكونفدرالية مع الأردن.

 

جذب حماس

 
وفي هذا الإطار تأتي محاربة قطر ومن قبلها تركيا لإفقاد المقاومة حليفين رئيسيين كانا يساعدان حماس في الصمود ضد إسرائيل.  

 

ولا يبدو أن مصر تسير وحيدة في هذا الاتجاه، فقد تجنبت الدول المحاصرة لقطر إدراج حماس على لوائح الإرهاب ولم تطالب بطرد قيادات حماس في الدوحة، وذلك لمحاولة جذب الحركة بعيدا عن حضن قطر وتركيا، ومن ثم الاستفراد بها وعزلها، مع الاستمرار في محاولة عزل قطر وشل قدرتها على التأثير في ملفات كثيرة أهمها الصراع العربي الإسرائيلي.

 

وقد كانت أحد أهم أهداف حماس من تسليم قطاع غزة للسلطة هو التخلي عن عبء إدارته في ضوء الحصار الذي تشنه إسرائيل ومصر من جهة وحكومة عباس من جهة أخرى، وفي ظل تراجع الدعم الذي تتلقاه حماس من إيران وبعض الدول العربية والذي كان يؤهلها في السابق لإدارة شؤون القطاع، دون أن يؤثر ذلك على تمسك هذه الحركة بعدم التخلي عن سلاحها مهما كلف ذلك من ثمن.

 

وتراهن مصر على دفع حماس للاستمرار في خط المصالحة وتجاوز عقباتها المستقبلية دون وجود خارطة طريق للمصالحة، التي يعني فشلها تعقيد الأمور في غزة من جديد. 

 

ملفات معقدة

 

كما ينتظر المصالحة تعقيدات تتمثل في انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والانتخابات في الشتات الفلسطيني، وتتخوف مصر وتيار الثورات المضادة من نجاح حماس في هذه الانتخابات لأن ذلك سيضرب في الصميم مخططات هذه الدول لعزل هذه الحركة وإضعافها ما لم يتم اللجوء إلى التزوير فيها.

 

وهذه الأمور تشكل تحديا للدور المصري داخليا وخارجيا، بما يضع دول الثورات المضادة على المحك، وقد يضعف ذلك أي تحرك للتطبيع مع الكيان الصهيوني ضمن عملية السلام الإقليمي. 

 

وتنظر إسرائيل وبعض الدول العربية المتحالفة معها  إلى المصالحة التي ستفضي إلى الاعتراف بيهودية الدولة والاستجابة لمطالب الرباعية الدولية ونزع سلاحها، وهو نفس المطلب للسلطة الفلسطينية تحت مبرر سلطة واحدة وسلاح واحد.

 

وتعمل مصر لإنجاز مصالحة فلسطينية دون أن يتسبب ذلك بإغضاب إسرائيل ـ ولذلك فإنها تسير بخطوات مدروسة تهدف إلى جر حركة حماس إلى مربعها بحكم حاجة هذه الأخيرة لإنجاز هذا الملف.

وعندما تدخل الحكومة الفلسطينية إلى غزة وتبسط نفوذها سيأتي عاجلا أم آجلا ملف تسليم حماس لسلاحها وهو الأمر الذي ترفضه حماس ويصعب مفاوضات المصالحة.

 

مستقبل الدور المصري

 

يظهر الموقف المصري مرتهنا للموقف الأميركي والإسرائيلي فيما تضعف اعتبارات الأمن القومي لديه، وهذا يؤكد ضعف هذا الدور في عهد السيسي. وفي موضوع مفاوضات المصالحة يرجح أن القاهرة أخذت ضوء أخضر من واشنطن وتل أبيب ولكن وفق ومطالب هذه الأخيرة، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن فرصة نجاح المصالحة ستتضاءل مع مضي الوقت وقد تؤدي إلى تسميم الأجواء الفلسطينية من جديد وفشل للدور المصري.

 

وما لم تستند المصالحة إلى دور عربي تقوده مصر، فإن الجهود المصرية ستضيع وتتضاءل فرصتها في النجاح لأن الإسرائيليين يمسكون بخيوط اللعبة ويتشددون في شروطهم إلى درجة فرض الاستسلام على الفلسطينيين.

 

ويعول الإسرائيليون على التفتت العربي ودخول بعض العرب في تحالفات معهم في مواجهة (خطر) إيران، ولذلك فإن فرصة صياغة دور عربي موحد تكاد تكون منعدمة، فيما يستمر العدو في قضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وتوسيع رقعة الاستيطان ومخططات تهويد القدس بدون أن يواجه حتى بانتقاد أميركي. 

التعليقات (0)