حول العالم

دويتشه فيله: لماذا لا يمكننا الاستغناء عن الكذب؟

الإنسان يختلق الحجج من أجل التهرب من مقابلة بعض الأشخاص الذين لا يرغب في رؤيتهم- جيتي
الإنسان يختلق الحجج من أجل التهرب من مقابلة بعض الأشخاص الذين لا يرغب في رؤيتهم- جيتي

نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني تقريرا، تناول فيه الأسباب الكامنة وراء كذبنا بشكل دائم. وأكدت دراسة أن 60 بالمئة من الألمان يكذبون بصفة يومية، وذلك بصفة مباشرة، من خلال مجاملة من الطرف الآخر على نحو مبالغ فيه.
 
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في حال كانت أسطورة "بينوكيو" المعروفة تنطبق على الواقع، لامتلك أغلب البشر أنوفا طويلة. وفي الأثناء، يعد الكذب أمرا نسبيا، حيث يمكن للشخص أن يكذب 200 مرة في اليوم الواحد، مع العلم أن هذا الرقم قريب للواقع بشكل كبير.
 
وأوضح الموقع أن الإنسان يختلق الحجج؛ من أجل التهرب من مقابلة بعض الأشخاص الذين لا يرغب في رؤيتهم، كما قد يبالغ في الثناء على ملابس أو قصة شعر شخص آخر، على الرغم من هيئته المثيرة للاشمئزاز. فضلا عن ذلك، قد يلجأ الإنسان إلى مغالطة الآخرين من خلال إظهار نفسه بشكل أفضل في سيرته الذاتية. في الحقيقة، هناك قائمة لا تنتهي من هذه الممارسات التي يعمد خلالها الفرد إلى الكذب.
 
وأكد الموقع أن الكذب جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يلجأ الكثير منا لهذه العادة؛ من أجل تلميع صورته، أو تجنب النقاشات المطولة والأسئلة المزعجة، وقد يكذب البشر لأسباب اجتماعية. ووفقا لدراسة أجريت السنة الماضية، أكد 49 بالمئة من الألمان أنهم يكذبون من أجل تشجيع الطرف الثاني، بينما أقر 37 بالمئة منهم بأنهم يكذبون حتى لا يتسببوا في أذية مشاعر الآخرين.
 
ونقل الموقع على لسان أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة هايدلبرغ، كلاوس فيدلر، أن "أحد أهم أسباب الحياد عن الصدق يتمثل في اعتماد المجاملة واللباقة في الحديث. وفي هذه الحالة، لا يعدّ الكذب شيئا بغيضا، وإنما له دوافع اجتماعية". وبالتالي، يصبح الكذب بمثابة وسيلة تمكننا من التعايش مع بعضنا البعض، ومن دونها تصبح حياتنا مستحيلة.
 
ومن المثير للاهتمام أن الأطفال يشرعون في الكذب في سن مبكرة، ولكن يمكن فضح كذبهم بسهولة. في المقابل، يدرك البالغون جيدا كيفية تعزيز مصداقيتهم في الحديث من خلال الكذب، وما هي التدابير المضادة التي يجب اتخاذها في حال انكشف أمرهم. وفي هذا الصدد، يعدّ الكذب في إطار بعض الوظائف التي تحتاج من صاحبها بيع منتج ما مسألة حياة أو موت، حيث لا بد أن يتظاهر بشكل متواصل وبعدم قول الحقيقة كاملة.
 
وأفاد الموقع بأنه بالنسبة لبعض الأشخاص يمثل الكذب مرضا، ويحدد نوع الكذب وتواتره في مثل هذه الحالات بشكل مختلف. وفي هذا الشأن، صرح عالم النفس النمساوي، فيرنر شتانغل، بأن الكذب في مثل هذه الحالة يحيل إلى اضطراب نفسي كبير. وبناء على ذلك، وحين يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم في موقف غير مناسب، يلجؤون إلى إخبار من حولهم بحقائق غير كاملة، أي يلجؤون إلى قول "كذبة بيضاء".
 
وأكد شتانغل أنه ما فتئ منذ 20 سنة يدعو الجميع إلى تجنب الكذب، في حين أنه أصبح مؤخرا من أكثر المتعصبين لقول الحقيقة. وأضاف شتانغل أنه لم يكذب على زوجته مطلقا إلى الآن، حيث كان يخبرها الحقيقة حتى لو كانت مؤلمة.
 
وأشار الموقع إلى أنه يجب أن نكون صريحين مع أنفسنا فيما يتعلق بقيامنا بالكذب على من حولنا بشكل متواصل. وفي هذا الصدد، أكد كلاوس فيدلر أنه يجب أن نكون انتقائيين إلى أبعد درجة في قول الحقائق إذا أردنا أن نكون صادقين. وفي السياق ذاته، لا تعد سياسة الانتقائية في قول الحقيقة حكرا على مسألة التعامل مع الآخرين، حيث أفاد فيرنر شتانغل بأن الكذب على النفس يجعلنا نتقبل الحياة بشكل أفضل.
 
وأبرز الموقع أنه، وحتى نعزز ثقتنا في أنفسنا وننظر إلى الحياة بشكل إيجابي، يجب ألّا نكون صريحين مع أنفسنا طوال الوقت. ففي الواقع، لا يحبذ الكثير منا الإنصات إلى الصوت الصادق المنبثق من داخله الذي يلومه بشأن مسألة ما أو يخبره أنه غير سعيد فيما يتعلق بأمر ما في حياته.
 
وفي الختام، شدد الموقع على أن الكذب منتشر في مختلف الثقافات حول العالم. فعلى سبيل المثال، يهتم المجتمع الآسيوي كثيرا باللباقة والنفاق؛ من أجل إظهار المزيد من الاحترام تجاه الآخرين.

 

وعلى العموم، يتجلى الكذب في صور مختلفة، بداية من الكذب في المشاعر وحتى الكذب في المعاملات التجارية، فضلا عن الكذب في لغة الجسد. وحتى عندما يساورنا الشك بشأن أحدهم، يعدّ التبسم في وجهه بمثابة الكذب في وجهه.

 

التعليقات (0)