كتاب عربي 21

ما هي أهمية "خط الحرير الحديدي" بالنسبة الى تركيا؟

علي باكير
1300x600
1300x600
في أواخر الشهر الماضي، افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الجورجي جيورجي كفريكاشفيلي خطّاً حديدياً يربط تركيا بأذربيجان عبر جورجيا. يمتد الخط من شرق تركيا عند ولاية قارص مروراً بالعاصمة الجورجية تبليسي وصولا الى العاصمة الأذربية باكو.

تكمن أهميّة المشروع الاقتصادية بالنسبة الى تركيا في كونه يوفّر لها خياراً ثالثا بعيدا عن النفوذ الإيراني والروسي المباشر. اذ تعتمد انقرة تقليديا على ثلاثة ممرات لعبور البضائع التركية الى آسيا الوسطى عبر الشاحنات. الممر الأول (الشمالي) عبر روسيا إلى كازاخستان ومن ثم إلى قرغيزستان. والممر الثاني (الأوسط) عبر جورجيا ومنها إلى أذربيجان ومن ثم إلى كازاخستان وقرغيزستان وهو الممر المعني. والممر الثالث (الجنوبي) عبر إيران ومنها إلى دول آسيا الوسطى.

يستوعب الممر الجنوبي عبر إيران النصيب الأكبر من صادرات تركيا، لأنّه الأقصر بين الخطوط الأخرى. لكن هذا الخط يعاني من مشاكل لأنّ مدى فعاليته تعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة العلاقة السياسية بين ايران وتركيا في مكان معيّن وزمان معيّن، وبما أنّ ايران تعتبر منافسا سياسيا اقتصاديا لتركيا في آسيا الوسطى، فان الخط يعطيها القدرة على عرقلة الصادرات التركية الى أسواق تلك الدول حينما تشاء.

أمّا الخط الشمالي، فاستخدامه أقل بكثير من الخط الجنوب لأنّه يعتمد في مرحلة من المراحل على النقل عبر العبّارات المائية لمسافة معيّنة. لكنّ مشكلة الأساسية لهذا الخط أنّه يخضع لمزاج موسكو السياسي كما هو الحال بالنسبة إلى خط إيران، ولذلك فهو خطر من الناحية السياسية، ولا يمكن الاعتماد عليه من الناحية الاقتصادية في حال توترت العلاقة مع موسكو، بدليل انّ الأخيرة أوقفت الصادرات التركية عبر هذا الخط عندما ساءت العلاقة بين الطرفين إثر اسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية في نوفمبر من العام 2015.

يفضّل الجانب التركي لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، الممر الأوسط. فجورجيا وأذربيجان دولتان صديقتان لتركيا، ولا يوجد تنافس بين هذه الدول وتركيا، بل على العكس تحاول الدولتان الاستعانة بأنقرة لتحفيف ضغط موسكو وطهران على كل منهما، الاّ أنّ المشكلة في هذا الخط انّ استخدامه محدود جداً بسبب عدم توفّر البنية التحتيّة وارتفاع التكاليف.

أمّا وقد انتهت تركيا وأذربيجان وجورجيا من هذا المشروع، فلا شك انّ المعادلة ستختلف بالنسبة الى الجانب التركي. صحيح انّ علاقات أنقرة مع موسكو طهران جيّدة الى حدا ما الان من الناحية الاقتصادية، لكنّ هذا الخط الجورجي- الأذري سيكون بمثابة صمام امان للتعاملات الاقتصادية التركية مع وسط آسيا والشرق الأقصى لاحقا وكذلك من تلك المناطق عبر تركيا الى أوروبا.

هذا الخط الذي يمر من قارص الى تبليسي فموسكو سيتضمن عدّة خطوط موازية منها خط لنقل الطاقة (النفط والغاز) وآخر لنقل البضائع وكذلك الركاب. ووفقاً لما نقلته التقارير، يهدف الخط الى نقل مليون مسافر سنويا، بالإضافة إلى 6.5 مليون طن من البضائع. ويأمل القائمون عليه ان يؤدي الى نقل 50 ملون طن من البضائع سنويا من خلال ربط تركيا بكل من منطقة القوقاز وآسيا في الشرق بالدول الأوروبية في الغرب. 

أمّا على المدى البعيد، فتسعى تركيا الى إدماج هذا الممر الاوسط عبر جورجيا (القوقاز) وأذربيجان (آسيا الوسطى) بالمبادرة الصيني لخط الحرير، وتحديداً بالممر الأوسط لخط الحرير الذي يمر من شرق الصين إلى كازاخستان. من شأن هذا الخط أيضاً أن يخلّص تركيا من الكماشة الإيرانية والروسية، لأنه سيؤمن لها تواصلاً مباشرا مع سائر دول آسيا الوسطى وشرق آسيا. كما أنّ يساعد على نقل الغاز والنفط من آسيا الوسطى إلى تركيا، أو عبر تركيا، إلى أوروبا، وبذلك يخلّص دول كازاخستان وتركمانستان من الاعتماد الكلي السياسي والاقتصادي على روسيا. 

وإذا استطاع المشروع الصيني أن يعطي الأولوية للعامل الاقتصادي في حزام الدول التي يخترقها طريق الحرير، فستكون تركيا المستفيد الأكبر من الخطوط التجارية الثلاثة (الشمالي والأوسط والجنوبي) باتجاه شرق آسيا وبالاتجاه المقابل إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل