قضايا وآراء

"الرياض 2".. عبثية التسويات وإخضاع الشعب السوري بحجة الواقعية

خليل المقداد
1300x600
1300x600

تخيلوا أن خالد المحاميد الذي بشرنا بهزيمة الثورة وإنتصار الأسد، هو المرشح التوافقي وأكثر المرشحين حظوظاً لرئاسة الهيئة العليا للمفاوضات؟ ولكم أن تتخيلوا أن شخصاً آخر مثل أحمد الجربا حليف صالح مسلم، هو أيضاً أحد المرشحين الثلاثة لرئاسة الهيئة؟ أما الثالث فهو نصر الحريري، كلا الرجلين (المحاميد والجربا) يتمتعان بتاريخ أسود مشبوه، ويخضعان لـ محمد دحلان، ولهما علاقات متشعبة مع عدة أطراف إستخباراتية على رأسها مخابرات الأسد وروسيا وإيران والإمارات ومصر وغيرها.

لقد كان من المتوقع أن يتم إستبعاد نصر الحريري ورياض حجاب عن رئاسة الهيئة، فالأول متهم بعلاقات مع قطر والإخوان، بينما الثاني أبدى عدم رغبته الإستمرار في رحلة المفاوضات العبثية، معللاً ذلك بظروف صحية وشخصية.وقد فعل خيرا بتقديم استقالته من رئاسة الهيئة وحفظ ماء وجهه، فلا مكان له بوجود التيار الدحلاني السوري.

نظرة سريعة على التحضيرات الجارية لإستضافة المؤتمر، ستكشف لنا عن المآلات المتوقعة له، فصحيح أن المؤتمر سينعقد يومي 22 و23 الشهر الجاري في العاصمة السعودية الرياض، إلا أن اليد العليا والكلمة الفصل في التحضير ودعوة الممثلين، تركت للإمارات ممثلة بدحلان الفلسطيني ووكيله خالد المحاميد السوري.

نحن اليوم أمام مرحلة صعود رجال دحلان وما يمثلونه من توجه صهيوني، سيحول سورية التاريخ والعراقة، وشعبها العظيم المكافح، لمجرد تابع لحاكم أبو ظبي محمد بن زايد، ومجموعة من أنظمة المنطقة الوظيفية العفنة، وسيبقي على منظومة الإجرام الحاكمة في سورية، مع فارق أنه سيتم توسيعها بضخ المزيد من الدماء الفاسدة فيها، فالصاعدون الجدد في معظمهم هم من المتسلقين على تضحيات الشعب السوري والمتاجرين بها، الباحثين عن المال والمنصب والشهرة، وسيكملون ما بدأته عصابة الأسد، من عمليات نهب وسلب وبيع لمقدرات الوطن.
 
يكفي أن نعلم أن عدد المدعوين من المستقلين سيكون بحدود 70 مدعواً من أصل 150 شخص يتوقع حضورهم، تركت مهمة إختيارهم لخالد المحاميد، وبالتالي فمن المؤكد أن يردوا له الجميل، بشرعنة بقاء الأسد من خلال التماهي مع التوجه المرحلي العام، لكل من الإمارات وروسيا ومصر والأردن، وهي دول تعمل على حماية منظومة الحكم الأسدي، حتى السعودية باتت منخرطة كلياً في عملية تطويع المعارضة، وإجبارها على القبول ببقاء الأسد.


لطالما صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وفي مناسبات كثيرة، أن الأسد سيرحل طوعاً أو كرهاً، لكنه اليوم يطالب المعارضة بأن تكون واقعية، وأن تقبل بالتفاهمات الإقليمية والدولية، ضارباً بعرض الحائط تضحيات الشعب السوري، ودماء أكثر من مليون شهيد وقتيل، ومئات آلاف المعوقين، وحرمات منتهكة، عدا عن الدمار والخراب، وملايين المهجرين.

المضحك المبكي هو أن منصة مثل منصة موسكو الموالية لنظام الأسد، والتي يرئِسها قدري جميل وبطلة يوم "فض البكارة" رندة قسيس، قد لا يتجاوز عد أعضائها العشرة أشخاص، لكنها ستكون ممثلة بسبعة مقاعد، وأن من بين المدعوين أشخاص كالعقيد الفار العائد، عبد الجبار العكيدي، حيث كانت لهم اليد الطولى في عملية وقف المعارك في الساحل، والشرعنة لوحدات الحماية الكردية وتسليم المناطق للنظام، في حين أنه ستتم مكافأة أعضاء من المجلس الإسلامي السوري، الذين شرعنوا الاقتتال الفصائلي وحرضوا عليه وشاركوا به، من خلال دعوتهم لحضور المؤتمر والمشاركة في أعماله.

في نهاية المطاف فإن منصات تابعة لروسيا ونظام الأسد مثل القاهرة وموسكو، حصلت على حوالي 31 مقعدا، بينما حصل الإئتلاف على 23 مقعدا والمستقلون والنساء على 75 مقعداً، أما الفصائل المسلحة المهادنة منذ سنين، فحصلت على 21 مقعداً، أيضاً إختارهم خالد المحاميد ووكلائه في حوران وسورية وذلك في إنعكاس لطبيعة العلاقات والتحالفات الفصائلية والمناطقية.

سيجلس المؤتمرون ليستمعوا لعظة الرعاة، وسيسعى معارضو الأسد لحشد التأييد لموقفهم القاضي بتنحي الأسد قبل الدخول بأي تفاهمات، لكنهم سيكتشفون أنهم قد أصبحوا قلة قليلة رغم كثرة الحضور المحسوبين على الثورة والمعارضة، وسيضطر الجميع للتسليم بإرادة الراعي والقبول ببقاء الأسد، فقطع الأعناق أهون من قطع الأرزاق. (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) قرآن نزل في بني إسرائيل لكنه ينطبق على معظم المشاركين في مؤتمر الرياض!

 سينجح مؤتمر الرياض 2 في فرض هيئة مفاوضات جديدة رغم أنف المعارضين وستتبنى الرؤية السعودية – الإماراتية الواقعية والقاضية ببقاء الأسد، وسيذهب المشاركون لجنيف وأستانا وسوتشي حتى وإن بشكل شخصي كما درجت العادة، لكن سيبقى التساؤل الملح هو: ماذا بعد؟ هل ستنجح هذه المساعي العبثية المستمرة منذ بداية الثورة ومؤتمرات المماطلة والتسويف من جنيف على أستانا فسوتشي مرورا بفيينا وغيرها؟

يتحدثون عن الواقعية وكأن ما فعله نظام الأسد من قتل وتهجير وانتهاك حرمات وتدمير على مدى 7 سنين أمر واقعي، أو كأن الاحتلال الروسي الغربي الإيراني الميليشياوي لسورية أمر طبيعي، أو كأن دخول ميليشيات إيران الطائفية إلى الشام وإستباحتها بحجة حماية المراقد والثأر من أحفاد معاوية ويزيد، أمر فيه وجهة نظر. 

المتابع للمشهد يعلم أن الثورة السورية، قد باتت اليوم في أحلك أيامها سواداً وأكثر مراحلها شدة وقسوة، لأن ما يحدث لا هدف له سوى تركيع الشعب الثائر وإنهاء ثورته ومكافئة المجرم على كل ما إرتكبه من جرائم ليس بحق السوريين فقط لكن بحق الإنسانية جمعاء.

الثابت أن الباطل لا ينتصر وسيهزم ولو بعد حين، حتى وإن بدا أنه على وشك تحقيق الإنتصار، هو إنتصار مزيف يحاولون تكريسه كواقع، أداتهم إلى ذلك أنظمة عربية وقفت طوال الوقت إلى جانب النظام المجرم سراً، وقد آن أوان نزع القناع ومجاهرتها بدورها الحقيقي، في وأد ثورات العرب من أقصاها إلى أقصاها.

إسبارطة القوية لم تستطع إحتلال طروادة والسيطرة عليها، إلا بعد إدخالها حصاناً خشبياً بداخله بضعة جنود، لكننا في الحالة السورية سنجد أن لكل دولة حصاناً بداخله بضعة عملاء، يسهلون عملية إختراق الثورة من الداخل وتدميرها، وصولا لتيئيس الناس ودفعهم للعودة إلى حظيرة الجلاد والقبول بما يقدم لهم من فتات.     

0
التعليقات (0)