كتاب عربي 21

كيف نتجنب تحويل الإسلام إلى إيديولوجية؟

شهيد بولسين
1300x600
1300x600

يعد القرن العشرين ذروة الإيديولوجيات! فقد شهد ظهور الماركسية، والاشتراكية، والشيوعية، والنازية، والفاشية.. إلى آخر هذه القائمة الطويلة. وفي نفس الوقت، فقد شهد نفس هذا القرن انتقال العالم الإسلامي إلى المؤخرة مع تفكك وانهيار الإمبراطورية العثمانية.

بشكل أو بآخر، يمكنك أن تلحظ نوعا من التوازي الفكري بين ما حدث في العالم الإسلامي وما حدث في أوروبا؛ من حيث التحول عن الأنماط الدينية التقليدية للفكر والفهم إلى الإيديولوجيات المبنية على العقلانية، وهذا لأنهم فقدوا بشكل أساسي توازنهم الأخلاقي عندما تحولوا بعيدا عن الدين. وقد توقع فريديتش نيتشه هذا الأمر قبل حدوثه عندما قال: "لقد مات الإله.. ونحن الذين قتلناه.. فمن سيغسل هذه الدماء عن أيدينا؟".. ما كان يعنيه، بالطبع، هو أن الناس قد قتلوا إيمانهم بالله، وبالهياكل الدينية. وبينما هم في غمار هذا الأمر، إذا بهم ينقلبون إلى حالة من الفوضى.

بالنسبة لأوروبا، فقد جعلهم التحول عن الدين يتوجهون إلى الإيديولوجيات؛ حتى يكون لديهم ما يؤمنون به. أما بالنسبة للمسلمين، فقد جعلهم انهيار الإمبراطورية العثمانية يتوجهون نحو إعادة تهيئة أنفسهم حول مفهوم يمكن أن يستعيد قوتهم وإحساسهم بهويتهم، فظهر التطرف في الغرب وفي العالم الإسلامي على حد سواء؛ في شكل اعتقاد جذري بالإيديولوجيات. بالنسبة لأوروبا، فقد كان هذا التطرف قائما على العقلانية. أما بالنسبة للعالم الإسلامي، فقد كان لا يزال قائما على أساس ديني، وتأسس في صورة مفهوم الإسلاموية أو الإسلام السياسي.

وبما أن الإسلام دين وليس إيديولوجية، فإن تحويله إلى إيديولوجية لم يكن بالأمر السهل، لهذا فقد اضطروا لاقتراض عناصر من الإيديولوجيات الأخرى. وبينما كانت هناك اتجاهات متنوعة، تتفق بشكل عام مع اتجاه إيديولوجي أوروبي واحد أو أكثر، إلا أن الإسلاموية ركزت بشكل أساسي على بناء إيديولوجية تتمحور حول الدولة. والأمر ليس مفاجئا، عندما نعرف أن الحركة برمتها تطورت كرد فعل على انهيار الدولة العثمانية.

ومع تطور الإسلاموية، برزت في العالم العربي إيديولوجية أخرى، ألا وهي القومية أو القومية العربية؛ والتي كانت تختمر بالفعل قبل تفكك الإمبراطورية العثمانية، حتى أنها لعبت دورا في انهيارها. ثم ظهرت إيديولوجية البعثية، وانتشرت في العالم العربي، وكانت عبارة عن مزيج من الفاشية والاشتراكية، والعقائد الشمولية. وقد تأثرت الإسلاموية كثيرا بها، فأصبحت مماثلة لها سياسيا، مع اختلاف أن العنصر الديني كان مخلوطا بها.

فما هو نوع العنصر الديني المؤثر هنا؟ حسنا، من المنطقي أن يكون في تشكل "تفسيرات" تؤكد على رؤية صارمة لقواعد وأسس الدين، وهذا ما أظنه. ولا بد أن تكون تفسيرات تخلق ضرورة لإنفاذ هذه القواعد من قبل الدولة، ومن المتوقع أن يترجم هذا في صورة تحويل ما هو مجرد "توصيات" إلى "تشريعات إلزامية"، كذلك سيعني إنكار وجود أية آراء متباينة بشأن القضية الواحدة. بالإضافة لهذا، لا بد أن هذه التفسيرات ستشدد على هوية جماعية انقسامية مع طريقة لإثبات هوية الجماعة؛ من خلال الالتزام السطحي والظاهري بالقواعد المقررة.

هذا هو التفسير الديني الوحيد القابل للاستمرار، والذي يمكن استخدامه لدعم إيديولوجية تركز على الدولة، وإلى حد ما، هذا هو بالضبط ما حدث مع الوهابية في المملكة العربية السعودية عندما تأسست الدولة الحديثة.

أود أن أقول إن هذا بالطبع لا يقلل بأي حال من الأحوال من مركزية وأهمية الشريعة الإسلامية. ولكن في حقيقة الأمر، فإن القرآن، كما أوضح بعض من أبرز علماء الإسلام، يحتوي فقط على حوالي 500 آية جاءت بتشريعات صريحة، وبمعان واضحة لا تقبل التأويل، فهي واضحة الأحكام. ويتعلق معظمها بأعمال العبادة، وليس بالحكم أو بالنظام الجنائي وما إلى ذلك. وهذا من أصل 6000 آية في القرآن. بالتالي، فإن الأحكام الصريحة الفعلية في القرآن قليلة نسبيا. ونفس النسبة موجود في الأحاديث، فالغالبية الساحقة من الأحاديث لا تحتوي على تشريعات صريحة. ولكن ما حدث هو أن الخط الفاصل بين ما هو أحكام صريحة وما هو أحكام تفسيرية مستمدة من آيات قابلة للتأويل وأحاديث؛ أصبح مطموسا. أي أن الخط الفاصل بين القانون نفسه والفقه أصبح غير واضح، مما يعني أن الخط الفاصل بين الوحي والرأي أصبح غير واضح أيضا.

علاوة على ذلك، فقد تناقصت منهجيات استنباط الأحكام الفقهية، بعد أن بدأنا في اتخاذ نهج مجزأ مع الفقه، فنحن نبسط تبسيطا مفرطا، ونتجاهل الفروق الدقيقة، ولا ننظر في العوامل الظرفية، والعوامل البيئية والتاريخية، وهلم جرا. ومن الضروري طبعا أن نفعل كل هذا عندما ننشئ إيديولوجية، فعلينا أن نبسط الأمور ونحد من التعقيدات، كما علينا أن ننشئ منظورا أبيض وأسود لكي نطرد أكبر عدد ممكن من الآراء البديلة.

لهذا، فلدينا فكرة اليوم مفادها أنه بما أن الأجيال الأولى من الإسلام هي الأفضل، فعلينا أن نفعل ما فعلوه، وعلينا أن نقلد أفعالهم، بدلا من أن نقول إن علينا أن ننخرط في نفس العمليات الفكرية التي انخرطوا هم فيها لتحديد؛ ما ينبغي علينا فعله! طبعا نحن لا نقول هذا لأن هذه العمليات معقدة، ولأنها قد تؤدي إلى ظهور آراء متعددة بشأن ما ينبغي علينا أن نفعله، ولأن هذا النهج لن يحقق بالأحادية والتماسك اللذين تقتضيهما الإيديولوجية.

يجب أن تكون الإيديولوجية قادرة على إظهار نفسها في شكل نظام ما؛ فمعها يجب أن تكون قادرا على وضع علامات (×) بجوار قائمة من العناصر، وبمجرد أن تضع هذه العلامة على جميع العناصر، ستكون قد أسست مدينة فاضلة (يوتوبيا).

ولكن النقطة هي أنه ليس هناك شيء يعرف باسم "النظام الإسلامي"، فهذا المصطلح لا يظهر في مجمل القرآن أو الحديث. لكن، كما تعلمون، فإن الماركسيين لديهم نظام، والشيوعيين لديهم نظام، والفاشيين لديهم نظام، والبعثيين لديهم نظام، لذلك فيجب أن يكون لدينا نحن أيضا نظام.. هذا إن كنا نريد أن نصبح إيديولوجية.

ولكن القرآن والسنة ليسا أنظمة.. القرآن والسنة جاءا "هدى للناس"، فقط لأن الإسلام دين وليس إيديولوجيا. لذلك، فعندما نقزم الإسلام ليصبح إيديولوجية، سنجعله مختلا وسنحوله إلى شيء من صنع الإنسان، بدلا من أي يكون هديا سماويا. فنحن نحب دائما أن نقول إن الإسلام يقدم وصفة ناجحة للمجتمع المثالي؛ كما يقول الشعار الإسلامي "الإسلام هو الحل". ولكن هذا ليس ما يقوله الكتاب، وهذا ليس ما قاله النبي. إذا كان الإسلام قد قال حقا إنه يوفر حلا سحريا لكل مشكلة إنسانية حدثت في أي وقت مضى وسيأتي، وإذاقال إنه يضع مخططا لمجتمع المدينة الفاضلة؛ فهذا سيصبح دليلا مؤكدا على أنه لم يأت من الخالق.

أعرف أن ما أقوله سيبدو غريبا للمسلمين، فنحن مغرمون بتشبيه القرآن الكريم بأنه كتاب تعليمات للحياة. فنقول إن الله قد قدم لنا كتاب قواعد لكيفية العيش، وكيفية التعامل مع أي صعوبة وتحدي، وأن شمولية الإسلام هي التي تثبت أن له أصلا إلهيا؛ فمن في بإمكانه أن يأتي بمثل هذا النظام غير الله؟ ولكن الحقيقة هي أن خالقنا يعرف مدى تعقيدنا أفضل منا، ويعرف مدى تعقيد طبيعتنا، ومدى تغير ظروفنا وحالاتنا، وأن أي نوع من التعليمات سيتقادم حتما بعد فترة زمنية قصيرة جدا. وهذا هو السبب في أن ما نحصل عليه من القرآن والسنة هو التوجيه والهداية التي يمكن تكييفها بينما نتغير وتتغير ظروفنا. وهذا هو السبب في أن الإسلام لا يقدم قائمة من العناصر لنضع عليها علامة (×) حتى نحصل على مجتمع فاضل؛ لأن خالقنا يعرف طبيعة الدنيا التي خلقها وطبيعة المخلوقات التي تعيش فيها، وأنه لا يوجد شيء على هذه الأرض يمكن أن يكون مدينة فاضلة.

والدليل على الأصل الإلهي للإسلام؛ هو أنه لا يقدم صيغة ووصفة ونظاما لإنشاء مجتمع شاعري، فالإنسان وحده هو الذي قد يتصور أن مثل هذا المجتمع يمكن أن ينشأ. الإسلام يقدم الهداية والحكمة التي يمكن أن تتكيف مع الظروف، والتي يمكن أن تخبرنا عن طبيعتنا لتساعدنا على التنقل عبر الحياة؛ بطرق نأمل أن تجعل حياتنا أكثر نجاحا ونفوسنا أكثر رقيا. والأهم من ذلك (لأنه دين)، فهو يحسن علاقتنا مع الخالق ويهيئ لنا فوزا بالحياة الآخرة.

وعلى الرغم من أن الإسلاموية مغرقة في الخطاب الديني والإشارة إلى الله، إلا أنها تعمل كإيديولوجية وفاشية جديدة وعلمانية، فهي تقتصر حصريا على المسائل المادية وتفسيرات الأمور الدنيوية، وليس لها سوى حظ قليل جدا مع العبادات أو الروحانيات. لقد أصبح الله في عقول الإسلاميين مثل رمز بلاغي لدولة مفاهيمية، مثله مثل الصورة الأسطورية لجوزيف ستالين في روسيا السوفييتية. فالكل يريد إرضاءه وربط نفسه به؛ من خلال التعامل بجدية والتخصص في الإيديولوجية. لقد تحول الإسلاميون إلى نوع من رجال الدين، رغم أن الإسلام لم يكن له رجال دين، وليس من المفترض أن يكون له، فأصبحوا طبقة من الكهنة، يعتبرون أنفسهم محكمين يفرضون إيديولوجية؛ تهتم في المقام الأول بالسلطة والسيطرة. وأكرر مرة أخرى، هذا ما يحدث عندما يتم تحويل الدين إلى إيديولوجية: فأنت تنشئ فئة من الخبراء، والسلطات ليس لديها مؤهلات حقيقية خارج الموضع الذي صنعته لنفسها. وأفترض أن هذا يحدث مع أي إيديولوجية، حيث يكون لديك مجموعة من الفكريين المفسرين للإيديولوجية، ثم يتحولون إلى سلطات؛ ولكنهم في الحقيقة أشخاص لا يستطيعون أبدا الحصول على أي سلطة في أي سيناريو آخر.

التعليقات (3)
علي فالح حسن الدهامي
الثلاثاء، 27-07-2021 09:42 ص
لا اله الا الله
سفيان
الثلاثاء، 30-06-2020 11:57 ص
و لكن يا صديقي الإسلام هو اديولوجية شانا او ابينا ، ولا اعرف ماذا تقصد بنظام او مدينة الفاظلة و لكن نظام الحكم في الاسلام يكون بشورى و مبايعة و ليس وجود لتوارث و ياخذ شخص اكثر فضل و صلاح و حكمة في قيادة الودلة و مسؤولية على الرعية
مصطفى
الخميس، 23-11-2017 02:49 ص
الفكرة غير واضحة والمقال مكرر مرتين في نفس الصفحة