مقالات مختارة

من سفير لنا في الرياض إلى مدافع عن حملة التطهير السعودية

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600
يحظى مشروع تنصيب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في موقع رجل الشرق الأوسط القوي بتشكيلة مريبة من المؤيدين جلهم من الغربيين. 

ومن ضمن هؤلاء ممولون وضعوا نصب أعينهم مليارات أرامكو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وعائلة ترامب، وجنرالات سابقون، وجواسيس، ورجال نفط، ووسطاء علاقات عامة بلا ضمير ولا أخلاق، وكوكبة من الصحفيين الذين تم شراؤهم ويتقاضون الأموال على مواقفهم والذين يجدر بهم أن يخجلوا من أنفسهم. 

سردية إيجابية

إلا أن محمد بن سلمان ظل حتى الأسبوع الماضي بدون منظر، فلم يكن يحظى شخص مكافئ للروسي ميخائيل سوسلوف، المفكر الشهير الذي امتلك القدرة على تبرير جرائم النظام ووضع الأحداث ضمن سياق سردي إيجابي. 

أيها السيدات والسادة، هلا رحبتم مصفقين، من فضلكم، بوصول السير جون جينكنز، السفير البريطاني السابق في المملكة العربية السعودية

السير جينكنز، الذي كان يعتبر في يوم ما خبير الشؤون العربية الأول من بين أبناء جيله في وزارة الخارجية، برز هذا الأسبوع ليكون مدافعاً أول عن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ومبرراً لسلوكياته. 

في كلمة ألقاها هذا الأسبوع في "بوليسي إكستشينج"، مركز البحث والتفكير التابع للمحافظين الجدد، استعرض السير جون الأسباب التاريخية والفكرية والأهم من ذلك الأخلاقية التي تدعو إلى تأييد رؤية محمد بن سلمان لما ينبغي أن يكون عليه النظام الملكي السعودي. 

فحتى تلك اللحظة اعتمد محمد بن سلمان في تبرير نهجه على القوة الغاشمة والزنازين وأوكار التعذيب والأهم من ذلك كله دفاتر الشيكات السمينة. ثم جاء السير جينكنز ليرتقي بقضية ابن سلمان إلى مستوى أرفع، حيث الكلمات الطويلة والجمل المعقدة وقدر كبير من اللغة الأكاديمية التي يتخللها ذكر لأسماء بعض كبار الشخصيات، وجمهور مميز في وسط لندن. 

ولإعطاء الأمر نكهة خاصة، إليكم هذا المقتطف مما وورد في خطاب السير جون: 

"تخيلاتنا تتشكل بواسطة الحكم الإسلامي الشيعي الحميد في إيران والقبول الإسلامي السني بالتعددية السياسية، نقاب من الجهل الرولسي، ونسخة هابرماسية من الجدل السياسي غير المتحيز في الساحة الليبرالية الواسعة، ومنطقة ليست أكبر التحديات التي تواجهها هي الأيديولوجيات المستبدة وإنما كيانات الدولة الأمنية غير الليبرالية. ومع ذلك، تتطلب الديمقراطية الانتخابية الناجحة تطوير عادات عقلية ومسالك اجتماعية مستدامة، ثقافة من التمدن وإحساس مشترك بالماضي والمستقبل."

كله واضح؟ لا؟ لا تقلقوا. لا داعي للهلع. فقد قرأت خطاب السير جون حتى لا يضطر قراء موقع ميدل إيست آي لأن يفعلوا ذلك. 

أسقطوا من خطاب السير جون تلك الأسماء اللامعة واللغة الأكاديمية الغامضة المبهرة، وستجدون أن ما ورد فيه لا يتجاوز بعض المواقف البالية لا أكثر:

لا يمكن أن نثق بقدرة العرب على ممارسة الديمقراطية، والتي لا حاجة لها الآن. والأفضل لنا أن نتمسك بالعائلة الحاكمة السعودية لأنها تقف إلى جانبنا وستفعل ما نريد. 

تفكير استعماري

لا تصدقونني؟ إليكم ما قاله السير جون نفسه:

"ولكن الانتخابات هناك، ولأسباب بالغة التعقيد، تفرز باستمرار حكومات قبلية رجعية طائفية وغير مستقرة. ونتيجة لذلك، فإن من يعيشون نمطاً ليبرالياً من الحياة وحكام دول الخليج الثرية هم الذين لا يرغبون في الانتخابات، وهذه الدول هل التي أثبتت نجاحاً أكبر خلال الثلاثين عاماً الماضية من الناحية المادية، وواحدة منها على الأقل أصبحت نموذجاً أكثر جاذبية من أي دولة أو مجموعة من الدول في المنطقة بالنسبة لجيل الشباب من العرب. 

كما أنهم يتصرفون كرجال دولة داخل منظومة الدولة وفي الأغلب يقبلون نفس الأسس التي نتبناها فيما يتعلق بإدارة العلاقات الخارجية. في المقابل، أثبت الإسلاميون أنهم كارثة، حيث يخلطون ما بين الإجبار الفكري والإعالة الاجتماعية والقبول العقائدي." 

مرة أخرى، هيا بنا نترجم ما نطق به السير جون من خطابة أكاديمية شابها الكثير من الإطناب والإبهام وفسرها بلغة يفهما الناس. 

لا يوجد في أطروحته التي تبعث على السأم ما ليس مألوفاً، وكان يمكن أن تسمع هذا الكلام يصدر من فيه أي مسؤول استعماري بريطاني في فترة منتصف القرن العشرين. 

ما قصد قوله السير جون هو الآتي: لا يمكن أن تثق بالإنسان العربي العادي حتى تمنحه حق التصويت، لأنك لو أتحت له المجال ليشارك في الانتخابات فقد يؤيد الأشخاص الخطأ، وهذا ما لا يناسبنا إطلاقاً. 

ولا عجب إذن أن يكون توم توغندات هو الذي أدار الجلسة التي تحدث فيها جينكنز. وتوغندات هذا هو أحدث المحظيين لدى مؤسسة الحكم في المملكة المتحدة، وهو الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، وهناك من يتوقع أنه قد يصبح رئيساً للوزراء في المستقبل. 

لقد كان خطاب جينكنز هجوماً على إيران (الإسلاموية الشيعية) وعلى جماعة الإخوان المسلمين (الإسلاموية السني)، حيث أكد السير جون في معرض حديثه أن الدول القطرية مثل المملكة العربية السعودية والدول الحليفة لها في الخليج تقترب من الاشتراك مع الغرب في قيمه وأنها هي الأفضل لخدمة مصالحه. 

إغفال كبير

كانت لي تعاملات من حين لآخر مع السير جون جينكنز، وطالما وجدته خدوماً ولطيفاً. 

ولذا، أجد من الواجب علي أن أقدم له نصيحة ودية وقد بدأ مهنته الجديد كمفكر وخطيب مفوه يتحدث في المنتديات حول الإسلاموية والدولة القطرية وإيران والمملكة العربية السعودية والشرق الأوسط المعاصر، إلخ. 

يحسن بالسير جون أن يتذكر بأن الأمانة الفكرية أهم بكثير من الصياغات الأكاديمية الصحيحة. 

لقد أطلق السير جون دفاعه عن محمد بن سلمان في أسبوع مريع صدر فيه تحذير عن الأمم المتحدة بأن أحوالاً تشبه المجاعة باتت تسود في بعض أرجاء اليمن نتيجة للحصار الذي يفرضه التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية. 

ومع ذلك فقد أخفق السير جون في التطرق إلى الأوضاع الرهيبة في اليمن حيث قضى الألوف من المدنيين نحبهم غالباً على أيدي المنظومة التي تقودها السعودية وتحظى بتأييد السير جون. 

ليس خاضعاً للتأثير؟

لم يكن ذلك هو الإغفال الكبير الوحيد في خطاب السير جون. 

فهو لم يشر إطلاقاً إلى قيام محمد بن سلمان بسجن شخصيات بارزة في عائلته ولم يذكر التعذيب والضرب الذي تعرضوا له، ولم يتطرق إلى الطريقة التي أقدم من خلالها على تحطيم مراكز النفوذ البديلة في السعودية، فهذه كلها بلا شك قضايا ذات علاقة مباشرة بالموضوع. 

أتحول الآن إلى النصيحة الثانية التي أوجهها للسير جون. فأنا أعرفه بما يكفي لأن أجزم بأنه رجل يتمتع بنزاهة فكرية كاملة لا يتمتع بها آخرون. ولهذا السبب فإن من الأهمية بمكان أن يراه الناس متحرراً من أي مؤثرات. 

منذ أن ترك السير جون وزارة الخارجية البريطانية وهو يحتل منصباً رفيعاً في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز بحث وتفكير متخصص في الشرق الأوسط. 

يصف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية نفسه بأنه "منظمة غير حزبية، ومستقلة عن الحكومة وعن غيرها من الكيانات." ولكن، وكما أثبت في مقالة سابقة نشرها موقع ميدل إيست آي، لا يوجد أدنى شك في أن المعهد تربطه علاقات وثيقة بحكومة البحرين، والتي تشكل جزءاً أساسياً من دائرة النفوذ السعودي في منطقة الخليج. 

في الشهر القادم ينظم المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قمته الأمنية السنوية التي تسمى "حوار المنامة" في فندق ريتز كارلتون في العاصمة البحرينية، وهو الفندق الذي يستخدم فرعه في الرياض حالياً مقراً للاعتقال والاستجواب من قبل الحكومة السعودية. 

حينما طلب موقع ميدل إيست آي من مجموعة الماريوت الدولية التي تدير الفندق التعليق على التقارير التي تقول بأن التعذيب والضرب يمارس داخل الفندق، قال متحدث باسم المجموعة إن ريتز كارلتون وفندق كورتيارد المجاور له لا يشتغلان كفنادق بالمفهوم التقليدي في الوقت الحاضر."

أتصور أن السير جون بإمكانه الاعتماد على معاش التقاعد المحترم الذي يحصل عليه من وزارة الخارجية. 

إلا أن البعض – وليس أنا – سيشككون في نقاء ونزاهة أحكامه حينما يظهر أنه يعمل مديراً تنفيذياً لمنظمة لديها مثل تلك الارتباطات بحكومة البحرين. 

ولذلك، حرصت قبل نشر هذا المقال أن أضع هذه النقطة أمام السير جون الذي رد بصراحته التي أعهدها فيه: "أنا نفسي أشعر بالقلق إزاء الطريقة التي يمارس من خلالها ذلك النفوذ، وليس فقط من حيث ما يقوله من يعملون – بما فيهم أنا – في المنظمات التي تتلقى تمويلاً خارجياً (وبكل أمانة هذا ينطبق على الجميع تقريباً هذه الأيام)، ولكن أيضاً ما لا يقولونه. ولكن من جهة أخرى، ما كنت لأقول شيئاً لا أومن به. وحتى الآن لم اضطر للصمت حيال شيء رغبت في الحديث عنه."

سمعة بريطانيا

كما قال السير جون إنه سيبادر قريباً بقطع علاقاته بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وأنه الآن "شبه منفصل" عن المنظمة، وخاصة بعد أن قبل بشغل منصب في جامعة ييل في الولايات المتحدة الأمريكية. 

وعلى الرغم من أن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مازال يشير إليه في موقعه على الإنترنيت بأنه المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في المعهد، إلا أنه قال بأنه وافق على العمل معهم لمدة خمسة وأربعين يوماً هذا العام بصفة "مدير توافقي". وكتب يقول: "بنهاية هذا العام أنا وهم لن نكون شيئاً واحداً على الإطلاق."

شعرت بالارتياح لسماع ذلك. ولعل كثيرين يتساءلون لماذا تراجعت سمعة بريطانيا في مختلف أنحاء العالم العربي خلال العقود الأخيرة. 

أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك هو أن كثيراً من دبلوماسيينا السابقين كرسوا معرفتهم وما تعلموه وخبروه في خدمة المنظمات التجارية أو الحكومات الوطنية. وهذا فتح المجال لاتهامهم بأنهم أصبحوا مدافعين عن الحكومات بدلاً من أن يكونوا علماء وموضع ثقة جميع الأطراف. 

إذا ما أردت بريطانيا استعادة ثقة الناس بها في الشرق الأوسط فإنه يتوجب على خبرائنا في الشؤون العربية أن يكونوا – رجالاً ونساء – مستقلين ويصدحون بالحق في وجه السلطة. في هذه الأثناء يزداد مشروع ابن سلمان قوة على قوة، فدعونا نأمل وندعو أن يكون مشروعاً حميداً كما يزعم مناصروه. 

بيتر أوبورن

الجمعة 24 تشرين الثاني/ نوفمبر  2017


(عن صحيفة ميدل إيست أي البريطانية، مترجم خصيصا لـ"عربي21")



التعليقات (0)