مذكرات عاكف

صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (5)

محمد مهدي عاكف - جيتي
محمد مهدي عاكف - جيتي

هل قتلنا الخازندار والنقراشي؟

لقد سيقت تهم كثيرة لا أساس لها من الصحة؛ ضد شباب النظام الخاص، كقتل بطرس غالي، وأحمد ماهر، وأمين عثمان. ومع ذلك فشباب الإخوان بشر يشعرون بالأسى، ويحيون بما يحيا به وطنهم، ولذا كانت لديهم حماسة شديدة، خاصة ضد المستعمر وأعوانه.

لكن هذه التهم باطلة، ولم يقم بها أحد من شباب الإخوان أو الإخوان. فبطرس غالي قتل قبل نشأة الإخوان بعشرات السنين، فكيف يقتله شباب الإخوان؟ فهو قد قتل عام 1910م، وجماعة الإخوان نشأت عام 1928م. وأما مقتل أحمد ماهر باشا، فقد قبض على المتهم، وهو من الحزب الوطني الجديد، وقد دافع عنه الأستاذ فتحي رضوان، حتى إنه حينما قبض على الأستاذ البنا، تم الإفرج عنه فورا لعدم ثبوت أية أدلة على الإخوان.

أما أمين عثمان، فاتهام الإخوان بقتله ضرب من السفه؛ لأن قارئ التاريخ، أو المستمع إلى خطب السادات، يعلم تمام اليقين كم كان السادات يتباهي بأنه شارك في قتل أمين عثمان ضمن مجموعة حسين توفيق.

أما قتل الخازندار والنقراشي فهى تصرفات فردية، لا تحسب على الجماعة، ومبادئها، وأهدافها، كما لا تحسب على التنظيم الخاص كله. فمن الظلم أن نعمم تصرفات حصلت من شباب في ظروف ضاغطة على جماعة كاملة انتشرت في ربوع مصر والعالم.

كان أحمد الخازندار رئيسا لمحكمة استئناف الإسكندرية عام 1946م حينما ألقى القبض على بعض شباب حزب مصر الفتاة؛ بعدما ألقوا بقنابل على النادي الإنجليزي بالإسكندرية في عيد الكريسماس. وعلى الرغم من عدم وجود إصابات، إلا أنهم قدموا للمحاكمة أمام الخازندار، وصدر الحكم ضد الشباب الوطنى بأقصى عقوبة. ونظر الخازندار بك أيضا في قضية أخرى شهيرة؛ اتهم فيها المقاول حسن قناوى بقتل سبعة من الصغار بعد ممارسة الشذوذ الجنسي معهم. وكانت من القضايا التي أثارت الرأي العام. وصدر الحكم ضد قناوى بالحبس سبع سنوات، فكان حكما محيرا، بل مثيرا للشك في نفوسنا نحن الشباب: إن كان قناوى بريئا فكيف يحكم عليه، وإذا كان مذنبا فكيف يقتصر الحكم على سبع سنوات في إزهاق سبعة أنفس لدوافع غير كريمة؟!

في عام 1947م، حاول الإخوان في عيد الميلاد أن يبثوا الرعب في قلوب الجنود والضباط البريطانيين الذين كانوا يعيثون في الأرض فسادا، فاتفق النظام الخاص أن يقوم أفراده بإلقاء قنابل على النادي الإنجليزي بالقاهرة، ولكن قام مجهول بإلقاء القنابل على النادي، وفر هاربا قبل أن ينفذ أفراد النظام الخاص خطتهم، وقام البوليس بتمشيط المكان، وقبض على الأخوين محمود نفيس حمدي وحسين عبد السميع أثناء سيرهما في شارع عبد الخالق ثروت، وعثر في جيب أحدهما على قنبلة، فألقي القبض عليهما، وقدما للمحاكمة أمام أحمد الخازندار - الذي كان قد نقل من الإسكندرية إلى القاهرة - وكان المحامي الذي دافع عن الأخوين هو الأستاذ فتحي رضوان (رئيس الحزب الوطني الجديد)، الذي عمد بدوره إلى نفي الاتهام، مفترضا أنه إن ثبت، فهذا بدافع وطني ضد جنود المحتل. غير أن الخازندار رفض هذا الكلام، وقال: لا تقل "جنود محتلون، لكنهم جنود حلفاء بموجب معاهدة 1936م".

وصدرت الأحكام، حيث حكم على حسين عبد السميع بالحبس ثلاث سنوات، وعلى عبد المنعم عبد العال بالسجن خمس سنوات في القضية الثانية، فكانت صدمة للجميع بهذا الحكم الجائر، وهذا ما دفع السندي لأن يتخذ قرارا فرديا بقتل الخازندار، دون الرجوع لمجلس القيادة أو مجلس شورى النظام أو المرشد العام، وهو ما جعل المرشد العام يطلب التحقيق معه في هذه التصرفات التي تتنافى مع مبادئ الجماعة، ومنهجها، وخطها المتوازن في الفهم الصحيح للإسلام.

أنا والنظام الخاص وفلسطين

كان كثيرا ما يقوم النظام الخاص بأعمال تدريب لأفراده في الجبال والصحراء، ليصنع منهم رجالا مجاهدين، قادرين على مواجهة المستعمر البريطاني. وكنا نتعلم الطبوغرافيا، وسواقة السيارات، والسباحة، واستخدام جميع أنواع الأسلحة، وجميع حركات الدفاع عن النفس (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، وهذا ساعد كثيرا من متطوعي الإخوان في حرب فلسطين على عمل المناورات العسكرية، وتكبيد الصهاينة الهزائم المتتالية، كما أنها ساعدت شباب الإخوان في حرب القنال.

كانت القضية الفلسطينية محل تقدير واهتمام من الأستاذ البنا والإخوان المسلمين، فلم يبرز فقط دورهم في حرب فلسطين، لكن كان دورهم منذ نشأة الإخوان المسلمين؛ فقد كان الأستاذ البنا يتحدث عنها فيقول: "فلسطين تحتل من نفوسنا موضعا روحيا وقدسيا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفي كل ذلك ما ينعش النفوس، ويغذى الأرواح".

بدأ الإمام البنا اهتمامه بالقضية منذ عام 1931م، عندما أرسل رسالة إلى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني؛ يثني على جهوده ومواقفه العظيمة تجاه القضية الفلسطينية، كما حث أعضاء المؤتمر الإسلامي الأول على العمل بجد لقضية فلسطين.

واستطاعت اللجنة العربية العليا لفلسطين أن تسجل المآسي التي يتعرض لها شعب فلسطين على يد الإنجليز، وكونت منها مادة خصبة لكتيب أسمته: "النار والدمار في فلسطين الشهيدة"، وأرسلت هذه المادة إلى الإخوان المسلمين، حيث طُبع هذا الكتيب ليلا، وفي سرية تامة في مطبعة الإخوان المسلمين، كما أصدر الإخوان عددا خاصا من المجلة بمناسبة أسبوع فلسطين.

ولقد عمد الإخوان المسلمون إلى تصعيد المواجهة السياسية والاقتصادية مع يهود مصر المؤيدين للصهاينة، حيث اتسم موقفهم إزاء الصراع العربي الصهيوني في فلسطين بعدم الوضوح.

عملياتنا ضد اليهود

حينما أعلن الإنجليز الانسحاب من فلسطين سعى الأستاذ البنا، ومحمد أمين الحسيني، وعبد الرحمن عزام، أمين جامعة الدول العربية لتكوين كتائب متطوعين من الإخوان، وقد شارك بعضنا في هذه الكتائب، كما ساهمنا في تدريب البعض بمعاونة كثير من ضباط الجيش الشرفاء.

كان دور معظم شباب النظام الخاص هو جمع الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وتنظيفها، وإرسالها للجنة العليا لنصرة فلسطين التي ترسلها بدورها إلى المجاهدين.

وقد أنشأ الأستاذ البنا بالتعاون مع أمين الحسيني، وجامعة الدول العربية، معسكرات التدريب، رغم أن النقراشي باشا كان متعنتا في هذا الأمر كثيرا. وتحركت للإخوان كتيبتان، الأولى كان على رأسها المجاهدون محمد فرغلي، وكامل الشريف، ويوسف طلعت، والثانية اتجهت إلى قطنا في سوريا، وانضوت تحت قيادة الدكتور مصطفى السباعي، وكان دوري في مجال تدريب المتطوعين، وإعداد المعسكرات.

لم يكن جهادنا ضد اليهود في فلسطين فقط، بل كان داخل مصر أيضا، ممثلا في مؤسساتهم الاقتصادية. فقد كان اليهود مسيطرين على الاقتصاد المصري، فكانت هناك شركة "الإعلانات الشرقية"، "إركو"، "شاملا"، و"شيكوريل"، وكلهم يهود يساندون الصهاينة في بغيهم على فلسطين، وقد تم نسف شيكوريل، وإركو، وشركة الإعلانات الشرقية.

وفي 16 تموز/ يوليو، ألقت طائرة إسرائيلية - حلقت في سماء القاهرة - قنابلها على أحد الأحياء الفقيرة - حي البراموني - قرب قصر عابدين، فهدمت منازل كثيرة، وقتلت عددا من السكان. وكان الرد الحاسم على هذا الإجرام في 19 تموز/ يوليو؛ بنسف محلي شيكوريل وأوريكو، خاصة أنه تأكد لنا أن هذه المحلات ستار لجمع التبرعات لمساعدة الصهاينة في فلسطين.

 

اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (4)
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (3)

التعليقات (0)