أفكَار

بعد ضرب ربيع العرب.. هل تتحول القوى الإسلامية لأحزاب وطنية؟

هل يقبل الإسلاميون بكل الأطياف في أحزابهم؟ - جيتي
هل يقبل الإسلاميون بكل الأطياف في أحزابهم؟ - جيتي

تعرضت العديد من حركات "الإسلام السياسي" إلى ضربات موجعة، بعد إجهاض الربيع العربي، والتي أفضت إلى إفشال تجاربها تحت وقع سهام "الثورة المضادة، وقد فرضت عليها حالة من الحصار والتضييق في العديد من الدول العربية، فكيف استجابت لذلك التحدي المستهدف لوجودها وحضورها؟

وهل دفعها ذلك إلى التكيف مع الواقع الجديد بالتخفف من الثقل الأيدلوجي الديني، كالتخلي عما كانت تنادي به من إقامة دولة الخلافة، وتطبيق الشريعة، والالتزام بمبدأ الحاكمية، والاستعاضة عن ذلك كله بالتأسيس لأحزاب محلية بأجندات وطنية؟

تتنوع تحليلات الباحثين لتلك الحالة، ووفقا للباحث السوري محمد العمار فإن حالة التحول في صفوف بعض حركات "الإسلام السياسي" من الصرامة الأيدلوجية المعهودة إلى المرونة السياسية، ترجع إلى "انتقال تلك الحركات من المثال إلى الواقع بكل ضغوطه وإكراهاته، الذي فرض عليها ضرورة التكيف مع ذلك الواقع طبقا لكل حالة بشروطها المحلية الخاصة بها".

وأوضح العمار لـ"عربي21" أن غالب حركات الإسلام السياسي كانت تستمد منطلقاتها من المفاهيم الدينية المقررة بصرف النظر عن الواقع، وكانت تتلبس بحالة من التعالي الأيدلوجي على الواقع، نتج عنه عدم الاستجابة لتحدياته، والتكيف مع شروطه ومتطلباته".

وطبقا لعمار فإن حركات "الإسلام السياسي" المؤسسة للعمل الإسلامي الحديث، بالرغم من كل فضلها وجهودها التأسيسية وما أنجزته عبر مسيرتها الطويلة، إلا أنها وصلت إلى حالة من العقم، توجب عليها التصالح مع الواقع، والخروج من تلك الشرنقة الاستعلائية الضيقة".

 

العمار: على جميع حركات الإسلام السياسي إعادة النظر من جديد في طبيعة العلاقة بين الدين والدولة

ولفت العمار إلى أن حركات "الإسلام السياسي" مرتبطة في بنيتها الفكرية والسياسية ارتباطا وثيقا بالتجربة الإسلامية التاريخية، وهي تنزع إليها في غالب أفكارها وأعمالها، وهو ما يقيد حركتها ويغل حضورها، وما يتوجب عليها هو الإعلاء من شأن القيم الراشدة المستقاة من النموذج الراشدي دون التقيد بنموذج تاريخي بعينه.

وأشاد العمار بالتجربة التركية، التي انتقلت من رؤية أربكان إلى رؤية أردوغان، بتوسيع إطار العمل السياسي الوطني، ونقد التجربة السابقة ومراجعتها، التي ربما تكون ملهمة لبعض القيادات والرموز الإسلامية، وهو ما يفرض على جميع حركات الإسلام السياسي إعادة النظر من جديد في طبيعة العلاقة بين الدين والدولة، باتجاه تحرير الدولة من أي انحيازات أيدلوجية دينية كانت أو سواها.

من جهته قال مدير مركز دراسات الإسلام السياسي في العاصمة المصرية القاهرة، مصطفى حمزة "إن ظاهرة تحول الحركات الدينية إلى أحزاب سياسية، بعد ما عرف بثورات الربيع العربي، لم يكن تحولا عقائديا في الأساس، وإنما هو تحول سياسي".

وعلل حمزة ذلك بأن "غالبية تلك الحركات والجماعات ـ خاصة السلفية منها ـ لا تؤمن بالأسس الديمقراطية التي تقوم عليها الحياة السياسية المعاصرة، والتي تعتبر الأحزاب أحد أدواتها، وهو ما دفعهم للاصطدام بإشكاليات كبيرة، من بينها علاقة المرأة والمسيحيين بالحزب، وترشحهم للانتخابات البرلمانية على قوائمه، واعتبار عضويتهم للبرلمان من الولايات المحرمة شرعا".

وذكر حمزة لـ"عربي21" أن بعض تلك الأحزاب حاولت التحايل على القوانين الوطنية لبلادهم، كحزب النور في مصر مثلا، حينما قام بوضع المرأة في ذيل القوائم الانتخابية النسبية في أول انتخابات بعد 25 يناير 2011، قبل تعديل قانون الانتخابات بما يسمح بفوز القائمة كاملة، مع اشتراط ترشح المسيحيين والمرأة عليها".

 

حمزة: التخوف من الإقصاء الدائم، يجعل بعض الأحزاب الدينية تقبل بالحياة على هامش النظام السياسي

وأضاف: "وهو ما جعل مشايخه يفتون بحرمة ذلك، ولكنهم في الوقت نفسه أفتوا بجواز المشاركة وفق هذا القانون، وترشيح المسيحيين والمرأة على قوائمهم من باب أكل الميتة عند الضرورة للحفاظ على حياة الإنسان، مشبهين حياة الحزب بحياة الإنسان التي يجب الحفاظ عليها حتى لو كان السبيل إلى ذلك هو أكل الخنزير، وشرب الخمر".

ووصف الباحث المصري حمزة طبيعة العقلية الحاكمة لتلك الأحزاب بأنها "التخوف من الإقصاء الدائم، ما يجعلها دائما تقبل بالحياة على هامش النظام السياسي، والدوران في فلكه، والترويج له، كما فعل حزب النور السلفي بالدعاية لعبد الفتاح السيسي في الانتخابات الماضية".

وخلص حمزة إلى القول بأن تلك الحركات وإن اختارت في مرحلة ما التحول إلى أحزاب سياسية للتكيف مع الواقع الجديد، إلا إن "الأيدلوجية في قاموسها تبقى أهم من الحزب ومهيمنة عليه، وهي الأساس الذي لا يقبل التفاوض، ولربما قبلت بحل الحزب، لكن تبقى الأيدلوجية والأفكار مقدسة تستمد قداستها من الإسلام الخاص بكل جماعة، وبالتالي فهي غير قابلة للحل".

وبحسب قراءة الكاتب والمحلل السياسي الأردني محمد أبو رمان لتأسيس حزبين سياسيين أردنيين جديدين (زمزم والشركة والإنقاذ) ساهمت في تأسيسهما قيادات إخوانية مرموقة، دون موافقة الجماعة على ذلك، فإن تلك الأحزاب "الما بعد إسلامية الجديدة" ـ على حد وصفه ـ تجتمع على أهمية المسألة الوطنية الإصلاحية، وتغليبها على هاجس الهوية الإسلامية والحفاظ عليها.

ووصف أبو رمان ذلك الهاجس "الذي حكم تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتمددها في العقود السابقة، أو ما يسمى الفكر الإحيائي الإسلامي (بتعبير رضوان السيد)" بالتراجع "ما يعني أيديولوجيا الانتقال إلى نسق فكري وثقافي وسياسي مختلف".

بدوره قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، خالد حسنين: "لم يكن هاجس بعض تلك الحركات الإسلامية، أو بعض قياداتها ورموزها التخفف من الثقل الأيدلوجي الديني كما يقال ويشاع، وإنما كانت الفكرة تقوم على كيف نصل إلى تغيير طريقة التفكير".

وشرح حسنين، العضو المؤسس لحزب "الشراكة والإنقاذ" الذي تم ترخيصه مؤخرا في الأردن، الرؤية التي انبثقت عنها فكرة تأسيس الحزب الجديد، بعيدا عن مرجعية جماعة الإخوان المسلمين، بأنها تتمثل في توسيع إطار العمل السياسي ليشمل كل مكونات الشعب بالاتفاق على "أجندات وطنية جامعة ذات صبغة سياسية".

 

حسنين: ما الذي يمنع الإسلامي من الالتقاء مع بقية الاتجاهات الفكرية الأخرى بصورة جدية وفي إطار حزبي مؤسساتي

وأشار حسنين في حديثه لـ"عربي21" إلى أننا ما زلنا تحت الصفر فيما يتعلق بموضوع الدولة، وأننا نعيش في مجتمعات هشة، ودول هشة كذلك، وكل اتجاه فكري يفرض تصوره المسبق دون أي خبرة عملية تعبر عن حالة وعي راشد في هذا الاتجاه.

وأضاف حسنين: "إنه وبعد حوارات معمقة ومطولة مع مختلف التيارات الفكرية، وصلنا إلى نتيجة مفادها اتفاقنا على ما يقارب 17 موضوعا جامعا مشتركا بشأن إصلاح الدولة، وإصلاح الشأن السياسي، وهو ما يمكن أن يشكل مشتركات جامعة لمختلف تلك التيارات لتأسيس إطار سياسي جديد يلتقي فيه الإسلامي مع القومي مع المواطن العادي".

وتساءل حسنين: "ما الذي يمنع الإسلامي من الالتقاء مع بقية الاتجاهات الفكرية الأخرى بصورة جدية، وفي إطار حزبي مؤسساتي، للعمل معا وسويا وبشراكة حقيقية من أجل تجذير تلك القيم الراشدة في الحياة السياسية التي ينادي بها الجميع، كالحرية وسيادة القانون والتعددية وما إلى ذلك؟".

ونفى حسنين أن يكون هو وبعض القيادات الإخوانية الأخرى المؤسسة للحزب الجديد، قد تخلوا عن إسلاميتهم، أو تخففوا من التزاماتهم الدينية، وأن كل ما في الأمر أنهم وصلوا إلى قناعات جديدة تقتضي توسيع أطر العمل السياسي ليتسع للجميع، وبرؤى جديدة تعلي من شأن القيم الراشدة، وفي الوقت نفسه تلتحم بهموم الوطن والمواطن بصورة مباشرة.

وانتهى حسنين إلى القول: "إن أعدادا من المواطنين العاديين يرغبون في العمل ضمن إطار وطني جامع، بعيدا عن التصينفات الفكرية والأيدلوجية المعروفة، فما المانع من توفير ذلك الإطار الجامع المتحرر من كل تلك القوالب الفكرية الحاكمة والموجهة للعمل السياسي؟"، على حد تساؤله.

التعليقات (1)
النقاش في الهواء لا على المصنع
الجمعة، 05-01-2018 07:49 م
تاجر مسلم وتاجر علماني،إذا تناقشا عن طريقة عيشهما فهما يتناقشان نظريا وستظهر أوهام وهذا ما طرحه المحللون بهذا التقرير،أما أذا بدأ يتفاهمان،على إفتتاح سوق شركة مصنع زواج إرث علاقة مع المحيط والبعيد،فهنا ستتحدد الرؤى والمشاكل،وما في مشكلة إلا لها حل.المشكلة أيضا بالعلماني العربي،ينادي بمساواة المرأة ولا يرضى بحرية جسد إبنته ولا يرضى أن يأكل المسفوح والخنزير وأخر إيامه يذهب للمسجد مستغفرا الله ذنوبه.