مقالات مختارة

مخاطر الإفتاء.. خارج الزمان!

سليم قلالة
1300x600
1300x600

في الوقت الذي اعتقد المسلمون في ثمانينيات القرن الماضي وأفتى كبار علمائهم أنهم بـ"جهادهم" ضد الشيوعية في أفغانستان بالمال والأنفس، سيحققون نصرا إلى جانب أسيادهم الأمريكيين، حدث عكس ما اعتقدوه، إذ بمجرد سقوط الحقبة الشيوعية تحولوا بدلها إلى العدو الأول الذي ينبغي تقسيمه وتشتيته ومنعه من النهضة.

ولم تمض سوى سنوات قليلة حتى بلور الغرب رؤيته الجديدة للعالم، حيث كتب "فوكوياما" أن التاريخ انتهى والديمقراطية انتصرت ولا مكان لبديل آخر غيرها، وكتب "هتنغتن" وقبله "برنارد لويس" أن الصراع القادم سيكون صراعا حضاريا، وأن الإسلام "المتطرف" أي غير الموالي للأمريكيين سيكون هو العدو الأول للغرب. وشُرع في تنفيذ هذه الرؤية عبر مخططات تقسيم واضحة هدفها أن تتحول هذه الأمة إلى طوائف متناحرة من طنجا إلى جاكرتا وألا تتمكن من بناء دائرة حضارية متماسكة يمكنها مواجهة الغرب…

وتم تكريس التقسيم الكبير الأول داخل الأمة بين السنة والشيعة إلى درجة أن أصبحت الدعوة إلى جهاد الرافضة أولى من تحرير القدس، وبدا وكأن هذه الغاية قد حققت أهدافها بعد الذي حدث ويحدث في العراق وسورية واليمن…

وما كادت هذه الحقبة أن تنتهي حتى شُرِع الآن في تنفيذ الجزء الثاني من المخطط: ينبغي التفرقة بين أهل السنة أنفسهم وإشعال نار الفتنة بينهم، إلى سلفية ومرجئة وخوارج وجهمية وصوفية ومعتزلة وأشاعرة وإخوان مسلمين… إلخ، وكانت البداية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في مصر ضمن الجماعات الإرهابية، وسينتهي الأمر في آخر المطاف، مرحلة بعد مرحلة إلى إدخال الجميع ضمن هذا التصنيف "الإرهابي" بما في ذلك أولئك الذين يعتبرون أنفسهم بعيدين عن السياسة من أهل السنة والجماعة. جميعنا سنصنف إن عاجلا أو آجلا ضمن الجماعات الإرهابية ما دمنا لم نعبر فعلا عن ولائنا التام للغرب ولم نُصبح جزءا منه.

بمعنى إجمالي، أنه علينا، ونحن نناقش مسائل لها علاقة بالعقيدة الصحيحة أو المذهب الصحيح أو الفرقة الناجية أن لا نفصل مثل هذه النقاشات عن الوضع السياسي الدولي، وعن علم السياسة وعلم العلاقات الدولية.

وعلى الذين يخوضون في مثل هذه المسائل مثل أساتذة العلوم الشرعية أن يُدركوا الأبعاد السياسية لفتاويهم، وهل تخدم بتوقيت صدورها البناء الحضاري للأمة أو تُساهم في هدم هذا البناء. وبالقدر الذي يستندون فيه إلى الدليل الشرعي للإقناع بوجهة نظرهم، عليهم أيضا القبول برأي أساتذة آخرين وباحثين في مجالات السياسة والاستراتيجية والأمن، ذلك أننا لا يمكن أن نفتي خارج الزمان والمكان وخارج فهم معادلات الصراع القائم اليوم، لأننا إذا فعلنا يمكن أن ننتقل من الجهاد ضد الروس الشيوعيين إلى الجهاد ضد الشيعة ثم بعدها ضد ما بقي من فرق المسلمين الضالين بعد أن أخرجناهم من أهل السنة والجماعة بداية بالإخوان المسلمين كما يجري الآن في مصر، وانتهاء بالمتصوفة المسالمين، لنكتشف في آخر المطاف أن "جهادنا" لم يكن سوى حرب ضد أنفسنا، سلاحها تقسيم الأمة، وأداتها الفتاوى خارج الزمان والمكان…

الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
اينشتاين
السبت، 31-03-2018 10:51 م
البناء الحضاري عنوان سمعنا عنه ثمانينيات القرن العشرين ، أليس كذلك الأستاذ سليم ؟ وقرأنا لكاتبكم فيلسوف الحضارة مالك بن نبي منظوره لدور المسلم ورسالته في نهاية القرن العشرين ، لم يلتفت الكثير من المسلمين لهذا المنظور الرائد على طريق البحث عن المسلم المتحضر الذي تختاجه معادلة الحياة من أجل التفوق الحضاري ، بدل ذلك سقطنا في مستنقع ورثة الملك العضود الذين اغتصبوا أبا عن جد الحكم الراشد ، هل حان الوقت لوعي بديل ؟

خبر عاجل