صحافة دولية

إندبندنت: لماذا أصبح انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية واحدا؟

جيجيك: علينا رفض أي رابط بين المحرقة والتوترات الإسرائيلية الفلسطينية الحالية- جيتي
جيجيك: علينا رفض أي رابط بين المحرقة والتوترات الإسرائيلية الفلسطينية الحالية- جيتي

نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك، يقول فيه إن الهجوم الدائر ضد حزب العمال، باتهام بعض كبار شخصياته بمعاداة السامية ليس منحازا جدا فقط، بل إنه على المدى الطويل سيشوش على الخطر الحقيقي لمعاداة السامية.

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "تم تجسيد هذا بشكل جيد في رسم كاريكاتوري تم نشره في تموز/ يوليو 2008 في الصحيفة (داي بريسي) اليومية في فيينا، حيث أظهر رجلين مليئين يشبهان النازيين يجلسان على طاولة، ويحمل أحدهما صحيفة في يده ويقول معلقا: (انظر كيف يساء استخدام معاداة السامية المبررة تماما للنقد الرخيص لإسرائيل)".

ويعلق جيجيك قائلا إن "هذه النكتة تقلب الحجة المستخدمة ضد منتقدي السياسات الدولة الإسرائيلية، التي يجب مثلها مثل الدول الأخرى كلها أن يتم الحكم عليها ونقدها، لكن بعض المنتقدين لإسرائيل يستخدمون الانتقاد المبرر للسياسات الإسرائيلية لأهداف تنطوي على معاداة السامية، وعندما يرفض الأصوليون المسيحيون المؤيدون للسياسة الإسرائيلية النقد اليساري للسياسات الإسرائيلية، أو ليس هذا المسار قريبا جدا من الكاريكاتور في (داي بريس)؟".

ويجد الكاتب أن "ما يعنيه ذلك هو أنه عند مقاربة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فإنه يجب على الشخص أن يلتزم بمعايير قاسية وباردة معلقا الإحساس الملح بمحاولة (فهم) الوضع: أي أن على الشخص أن يقاوم دون شروط أي إغراء لمحاولة (فهم) معاداة السامية العربية (في المجالات التي نواجهها) كرد فعل (طبيعي) لمعاناة الفلسطينيين الحزينة، أو محاولة (فهم) الإجراءات الإسرائيلية كرد فعل (طبيعي) بناء على خلفية ذاكرة المحرقة".

 

ويقول جيجيك: "يجب علينا تفسير الأفعال معا، ويجب علينا أن نستأصلها من نسيجها التاريخي، فيجب عدم الحكم على ما تقوم به قوات الدفاع الإسرائيلية في الضفة الغربية اليوم على خلفية المحرقة، كما أنه يجب عدم الحكم على (حقيقة أن العرب يحتفون بهتلر)، أو أن هناك اعتداءات على المعابد اليهودية في فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية، بأنها أفعال غير مقبولة، لكن يمكن فهمها بناء على ما يفعله الإسرائيليون في الضفة الغربية". 

 

ويرى الكاتب أنه "عندما يتم شجب أي احتجاج ضد أنشطة قوات الدفاع الإسرائيلية في الضفة الغربية على أنه تعبير عن معاداة السامية يجعله ضمنيا على الأقل فعلا مشابها للمدافعين عن المحرقة، أي أنه عندما تذكر المحرقة دائما لإلغاء أي انتقاد للجيش الإسرائيلي أو السياسة الإسرائيلية فإنه ليس كافيا الإصرار فقط على الفرق بين معاداة السامية وبين انتقاد إجراء معين تقوم به الدولة الإسرائيلية، لكن يجب الذهاب إلى خطوة أبعد والقول بأن الدولة الإسرائيلية هي في الواقع، في هذه الحالة، من يدنس ذاكرة ضحايا المحرقة، ويستغل تلك الذاكرة بلا رحمة لاستخدامها أداة لشرعنة الإجراءات السياسية الحالية".

 

ويبين جيجيك أن "ما يعنيه هذا هو أن علينا أن نرفض أي مفهوم لأي رابط سياسي أو منطقي بين المحرقة والتوترات الإسرائيلية الفلسطينية الحالية، فهاتان ظاهرتان مختلفتان تماما: إحداهما جزء من التاريخ الأوروبي لمقاومة اليمين لديناميكية التحديث، أما الأخرى فهي تعد أحد آخر فصول تاريخ الاستعمار".  

 

ويفيد الكاتب بانه "من ناحية أخرى، فإن المهمة الصعبة بالنسبة للفلسطينيين هي فهم أن عدوهم الحقيقي هو ليس اليهود، لكن الأنظمة العربية التي تتلاعب في معاناتهم؛ لمنع هذا الانتقال بالضبط -حدوث الراديكالية في وسطهم".

 

ويلفت جيجيك إلى أن "تنامي معاداة السامية هو جزء من الوضع في أوروبا، في مالمو في السويد هناك أقلية مسلمة عدوانية تضايق اليهود لدرجة أنهم يخشون المشي في الشارع بلباسهم التقليدي، يجب شجب مثل هذه الظاهرة دون شك، ويجب اعتبار النضال ضد معاداة السامية وضد الإسلاموفوبيا وجهين للنضال ذاته، وضرورة النضال المشترك هذا يكمن في النتائج البليغة التي تنتج عن المعاناة الشديدة، ففي إحدى الفقرات لروث كلاغر، الناجية من المحرقة، تصف فيها الحديث مع بعض طلاب دراسات الدكتوراه في ألمانيا، حيث سألها أحدهم عن أحد الناجين من المحرقة في القدس يتعامل مع العرب هناك باحتقار، فكيف يمكن له ذلك؟ فتجيبه بأن المعسكرات النازية لم تكن جامعات للتعليم فماذا تتوقع ممن عاش عذاباتها.. هل تتوقع أن يحصل منها الشخص على التنفيس والتطهير لنفسه كما لو ذهب إلى المسرح؟.. لقد كانت تلك السجون والمعتقلات أسوأ مؤسسات يمكن أن يتخيلها الشخص". 

ويقول الكاتب: "باختصار، فإن الرعب الكبير في (أوشفيتز) لا يجعله مكانا يحرر الجميع من الناجين منه إلى موضوعات حساسة أخلاقيا، وخلصهم من مصالحهم الأنوية الضيقة"

 

ويخلص جيجيك إلى القول إن "الدرس الذي يتم استخلاصه مؤسف للغاية، فعلينا التخلي عن فكرة وجود شيء يحررنا في التجربة المتطرفة، ويجعلنا قادرين على التخلص من الفوضى، وفتح أعيننا على الحقيقة الكاملة للوضع، أو كما قال آرثر كوستلر، الذي ارتد عن الشيوعية، بإيجاز: (إذا كانت السلطة تفسد، فإن العكس صحيح، فالاضطهاد يفسد الضحية، وإن كان بطريقة رقيقة وتراجيدية)".

التعليقات (0)

خبر عاجل