أفكَار

مشاريع "أسلمة" الدولة الوطنية هل باءت بالفشل؟

المشاريع التي تبنت شعار "أسلمة" الدولة الوطنية بتطبيق الشريعة عبر مؤسساتها وأطرها القائمة لم تستطع إنجاز مشروعها
المشاريع التي تبنت شعار "أسلمة" الدولة الوطنية بتطبيق الشريعة عبر مؤسساتها وأطرها القائمة لم تستطع إنجاز مشروعها

أقامت حركات إسلامية واسعة الانتشار منهجيتها في التغيير استنادا إلى مبدأ الإصلاح التدريجي، الذي يبدأ بالفرد، مرورا بالأسرة والمدرسة والمجتمع، وانتهاء بإقامة الدولة الإسلامية المنشودة.


ووفقا لرؤية حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، أكبر تلك الحركات العاملة في الساحة، فإن "الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد" إلى درجة تأكيد البنا أن "الحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع".  


لكن تلك المشاريع التي تبنت شعار "أسلمة" الدولة الوطنية، بإقامة الدين وتطبيق الشريعة عبر مؤسساتها وأطرها القائمة، لم تستطع إنجاز مشروعها لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، وحينما قدر لبعض تلك الحركات أن تتسلم مقاليد السلطة في بعض الدولة العربية في السنوات الأخيرة، تراجع حضور المشاريع ولم تكن على رأس أولوياتها بحسب مراقبين. 


من جانبه رأى الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية، عمرو عبد المنعم أن "تبني الحركات الإسلامية لفكرة "أسلمة" الدولة أوقعها في مقتل، وهو ما جعلها لاحقا تصطدم بكل مشاريع الدولة الوطنية".


وأضاف لـ"عربي21": "لقد انطلقت كتابات الإسلاميين منذ أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، ومن جاء بعدهم من أنها وضعت الدولة الوطنية في خانة، ووضعت نفسها في خانة أخرى، لأنها تنطلق من توصيف المجتمعات والدول بأوصاف تخرجها عن إسلاميتها، كنعتها بالجاهلية والطاغوت وما إلى ذلك من أوصاف مشابهة". 


وأشار عبد المنعم إلى أن "أول خطأ وقعت فيه تلك الحركات أنها عبرت عن نفسها بمفهوم المخالفة، فهم المسلمون وغيرهم جاهليون، ما أورثها حالة من الاستعلاء على أبناء مجتمعاتهم، فاستعلى الواحد منهم على أبيه وأمه وأخيه وأقاربه، وبالتالي أنتج في أوساطهم حالة من الغرور والتعالي".


ولفت الباحث المصري إلى أنه "لم يجد لدى الإسلاميين تصورات لكيفية التعامل مع الدولة الوطنية العلمانية، وغالب الأطروحات تتمثل في رفض العلمانية رفضا مطلقا، مع أن الذين فارقوا الدولة الوطنية منهم وهاجروا إلى الدول الأوروبية العلمانية، تعايشوا معها تماما وتكيفوا مع قوانينها" متسائلا: "لماذا لم يفعلوا الشيء ذاته مع دولهم الوطنية"؟


بدوره أرجع الناشط الإسلامي الكويتي، العضو في حزب التحرير، أسامة الثويني أسباب فشل مشاريع "أسلمة" الدولة الوطنية، إلى "كون الإسلام اعتبر الوطنية إحدى الدعاوى الجاهلية النتنة ودعا إلى نبذها، لأنها صيغة للربط المجتمعي التي تؤسس لفرقة المسلمين، فهذا كويتي، وذاك مصري، وهذا تونسي" على حد قوله. 


وأردف قائلا لـ"عربي21": "لا يمكن للإسلام بأي حال من الأحوال أن يتصالح مع أوضاع شاذة كهذه، كما أن الوطنية منتج استعماري بامتياز.. وهي تكاد أن تكون "دينا" جديدا، يعيد تعريف الولاء والبراء، الذي لا يكون فيه الحب والبغض لله وفي الله، بل في الوطن، بمفهومه الوطني الخاص للتاريخ والحرب و"الشهادة" والراية واللغة". 


ورأى الثويني أن "محاولة أسلمة أفكار كهذه دونها خرط القتاد، وهي بلا شك ستبوء بالفشل"، مشيرا إلى أن "الواجب يحتم على المسلمين نبذ الدولة الوطنية لا أسلمتها، والعودة من جديد لإحياء رابطة الإسلام لإقامة المجتمع على أساس العقيدة الإسلامية، في ظل خلافة لم يعرف المسلمون غيرها طوال تاريخهم التليد".


وبرؤية مغايرة، أشار الأكاديمي الشرعي السوري، المتخصص في الفقه الاجتماعي، إبراهيم السلقيني إلى أن "الدولة الوطنية تصلح لتطبيق الشريعة، لأن الوطنية أحد المفاهيم السياسية الإسلامية، والإسلام أول من نظمها ضمن نطاق قانوني من خلال ميثاق المدينة، ولم يتركها كمفاهيم عائمة كما كانت من قبل".


وقال لـ"عربي21": "إن الإسلام يقبل الوطنية، وهو يحوي جملة من التشريعات والقوانين والمفاهيم الصالحة للتطبيق في الحياة السياسية، ومنها مفهوم الوطنية، فالإسلام أعم وأشمل من الوطنية، والوطنية جزء من مكوناته". 


من جهته رأى الباحث الفلسطيني، أسامة الأشقر أن "الحركات الإسلامية ذات التوجهات السياسية تعاني من غياب طبقة المفكرين المحترفين في الفكر الاجتماعي السياسي، وليس الأمر قاصرا عليها، بل إن المنطقة العربية كلها تعاني من هذا الواقع، لكن المنظومة الحاكمة تعوّض غياب هؤلاء من خلال منظومة السلطة والنفوذ، فيما تفتقر الحركات الإسلامية إلى ذلك في العموم". 


وأضاف: "ونتيجة لغياب هذه الطبقة، فإن تطبيقات أسلمة الدولة تفتقر إلى منظومة المفاهيم التي تحكمها، فليس هناك اتفاق على القيم السياسية العليا التي ستحكم المجتمعات وتنظم حياتها، وبالتالي تخضع معظم هذه المشاركات والمحاولات لمنطق التجريب المحاط بالظروف الخاصة، والتكتيكات السريعة، والظل القصير". 


ولفت الباحث الأشقر في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "ثمة إشكالية أعقد من هذه، ألا وهي غياب صيغة قياسية لتشخيص واقع المجتمع والدولة والحكم عليها، والخضوع لمنطق الانفعالات والنوازع والتجارب الشخصية، والانطباعات التشكيلية الأولية، مما يتسبب في أوصاف خاطئة للعلاجات المفترضة أو اقتراح الحلول". 


ووصف الأشقر "الدعوة إلى تطبيق الشريعة من خلال الدولة الوطنية بأنها لا تعدو كذلك أن تكون فكرة غير مدروسة أو محسوبة، وستكون بمنزلة تجربة أخرى تعتمد على مفاعيل الواقع المتاح والفرص القائمة فيه، مما يجعل ذلك مغامرة أخرى ستؤدي إلى مزيد من الإقصاء السياسي للحركات الإسلامية". 


وختم حديثه بالقول: "ويمكن النظر إليها بجدية إذا صدرت عن دراسة متخصصة واعية تقوم بها منظومة تفكير جماعي، تتوفر لديها معطيات كافية للتشخيص، ثم الحكم على ما تم تشخيصه ثم وصف العلاج الناجع".

6
التعليقات (6)
هاجر
الثلاثاء، 14-08-2018 01:03 ص
حين اشرتم في المقال الى ان الحركات الاسلامية لم تستطع التعامل مع الدولة العلمانية و رفضتها تماما كان سببا في عدم نجاحها في تجربة الحكم في السنوات الاخيرة متناقض تماما مع الحقيقة و الواقع كون ان الحركات الاسلامية التى خاضت تجربة الحكم بعد الثورات كان الشرط الاساسي الذي أملي عليها ووافقت عليه هو تبنى الدولة العلمانية بحذافيرها و مفاهيمها و خطوة خطوة تحولت الى حركات مدنية و ذابت في قلب رحى االنظام العلماني الذي افترسها ليس لانها رفضتها بل لانها تراجعت و تنازلت و قبلت العلمانية كطريقة حكم و لم تبقي من الاسلام الا تلك الفكرة العاطفية التي تخاطب و تغازل بها قواعدها الشعبية . اذن كنتيجة المشكل ليس في حمل هاته الحركات للفكرة الاسلامية بل لعدم حملهم للطريقة الاسلامية التى جاء بها الرسول ص في بناء الحكم و اقامة الدولة .من جهة أخرى يلاحظ اقحام حزب التحرير في نفس التقييم و هو امر غير موضوعي لان أدبيات حزب التحرير مختلفة تماما ورؤيته للتغيير تعتمد منهجية عميقة و مدروسة و هو بعيد كل البعد عن مسالة التدرج في التغيير بل يرى ان التغيير لا يكون باصلاح الفرد لان المجتمع عنده ليس مجموعة افراد بل جملة من الافراد و العلاقات و المشاعر التى تربطهم بعضهم ببعض و بالتالي التغيير يجب ان يكون اكثر شمولية من مجرد التركيز على اخلاق و عبادات الفرد بل يرتقي الى تغيير جذري للنظام السياسي و القاعدة الفكرية التى تقوم عليها الدولة بنسف العلمانية فكريا و تبيان خوارها للناس و هو امر اصبح سهلا ملموسا و اكثر وضوحا للعامة في السنوات الاخيرة ثم باعاة الدولة الى مسارها الاصلي و هو الخلافة و ليس مجرد اسلمة لانظمة وطنية مفاهيمها الفاسدة مخالفة تماما للاسلام .
عفيفة الغالي
الإثنين، 13-08-2018 05:03 م
ان وضع كل الحركات الاسلامية في نفس الخانة أمر ليس مقبولا الان لأن بعد الثورات التي حدثت في السنوات الاخيرة أظهرت للعيان مشروع كل حركة و مدى قدرتها اما على استلام الحكم و تطبيق الشريعة بالتالي اسلمة الدولة كم سماها الكاتب او الثبات على المبدأ و عدم المداهنة و التوافق. و الراي العام بات يحمل وعيا كافيا للتمييز بين الحركات. اما مسألة الوطنية فهي من الجاهلية فالاسلام جمع المسلمين تحت راية واحدة لا تقسمهم حدود وهمية.
أيمن أبو قصي
الإثنين، 13-08-2018 04:53 م
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الكافرين وبعد : يتغافل الكثير من الكتاب فكرة أن المسلمين لهم طريقة حياة خاصة ولهم نموذج من العيش لا يشبه سواه ولا يمكن بحال أن يقارن بسواه ، وعندما يبدأ الكاتب بحثه بالنظر الى الواقع الذي يعيش فيه ثم ينطلق من هذه النظرة الى النظر في الحركات الاسلامية التي لم تتعايش مع هذا الواقع كما تعايش بعض افراد المسلمين مع واقع الحياة في بلاد الغرب .. فهو هنا قد جعل الواقع المعاش ( حاليا ) هم الحَكَم على ما سواه من وقائع وافكار واحوال وهذا خطأ فكري فظيع فالوطنية والقومية والعلمانية والشيوعية وغيرها من المصطلحات المماثلة تعبر عن فكر يخالف الاسلام في جملته وتفصيله فلو كان للاسلام وأحكامه الشرعية اعتبار عند كتابة بحث كهذا البحث ... لنوقش الأمر على أسس واضحة معينة تُعطي انطباعا بأن من كتبه يبحث عن الحق والحقيقة المتمثلة في ما أراده الله تعالى منا كبشر ومنا كمسلمين فكان الاصل أن يكون البحث بهذا الشكل مثلا : - ما هو الحكم الشرعي في تبني مفهوم الوطنية - ما هو الحكم الشرعي في تبني مفهوم الوقومية - ما هو الحكم الشرعي في تنبني العقيدة العلمانية - هل يقبل الله تعالى أن تتبنى بعض الحركات التي تطلق على نفسها صفة ( الإسلامة ) الفكر العلماني - هل يقبل الإسلام أن تكون إسلاميا ديمقراطيا أو قوميا او علمانيا أو شيوعيا وهكذا ---- فعلى الإخوة القراء والمتابعين أن ينظروا إلى الامر من ناحية الأساس الذي بُني عليه وقد بني هذا المقال على ( لا شيء ) إلا بعض من آثار حرب أعلنتها أمريكا وأوروبا على الفكر الإسلامي النهضوي وتسير مثل هذه المقالات في سياق شيطنة الفكر الإسلامي الملتزم والفكر الذي يطالب بعودة الإسلام متمثلا في دولة تحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن وسنة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خديجة - تونس
الإثنين، 13-08-2018 04:29 م
إن المسلمين اليوم في حاجة إلى إرادة قوية وعزيمة صادقة لتجاوز الأزمات التي يعيشونها والسير صعداً نحو مستقبل مشرق إن شاء الله. وعندما نتأمل واقعهم المزري نجد أنه قد بدأ ظهوره مع سقوط دولة الخلافة فقد حدثت في هذا العقد تطورات بالغة الأهمية وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور المبدأ الرأسمالي البشع بشكل أوضح في العالم، وانتشار فكرة "الإرهاب" لتشويه الإسلام الخطر القادم الذي يهدد العالم، والترويج لنظرية نهاية التاريخ، والتطورات العلمية الجديدة مما يدعو إلى الإحباط واليأس والشعور بالتخلف أما التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، وانتشار ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي على نطاق واسع، رغم أنها تعد ظاهرة عالمية ويرتبط بذلك كله أيضاً الفهم الخاطئ للإسلام، والتفسيرات المغلوطة لأحكامه، وخطر تضليل بعض الحركات الإسلامية المعتدلة عن مبدأ الإسلام الذين هم أشد ضرراً على الإسلام من خصومه... ولكن عندما تكون قيادة ركب الحياة بأيدي الذين يؤمنون بالله ربًّا خالقًا له الأمر والخلق، وأنَّ محمَّدًا? رسولًا، وأنه لا مظام بعد نظام الإسلام، ولا شريعة قادرة على احتواء الدنيا إلا شريعة الإسلام فإن هؤلاء الرجال هم القادرون على تحمل المشاق والمتاعب من أجل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة وراحة الإنسانية، وإسعاد الحزين ونصرة المظلوم وردع الظالم وإغناء الفقير، عند ذلك نتذكر قول الله سبحانه «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض». وتنزل الخيرات من السموات وتعم الأرض البركات ويسعد المسلمون، ويَعتبر المخالفون.
عثمان بخاش
الإثنين، 13-08-2018 03:19 م
لا ينكر من له أدنى معرفة بالفكر السياسي المعاصر أن مفهوم "الدولة الوطنية"، بل وفكرة "الوطن" هما من نتاج الحضارة الغربية التي قامت على مبدأ فصل الدين عن الحياة، و جعلت السيادة العليا في المجتمع للبشر، فيما عبر عنه جان جاك روسو بأن "القانون هو التعبير عن الارادة العامة للشعب". و تقوم الدولة الوطنية على قاعدة "السيادة للشعب"، على ما في هذه القاعدة من تناقضات و أباطيل ف"الشعب" لا يمارس هذه السيادة المزعومة وإنما يوكل ممارستها إلى حفنة من المشرعين والحكام والقضاة الذين يصيغون المعالجات بسن تشريعات وقوانين تخدم مصالح واضعيها دون أي مقياس للحق والعدل. وهذا ما يتناقض جملة وتفصيلا مع الشريعة الاسلامية التي تجعل السيادة للشرع وليس للبشر، فالمشرع هو الله ، ودور المجتهدين استخراج الأحكام التفصيلية من الأدلة التي جاء بها الوحي الرباني المنزه عن أهواء البشر. ف"حقوق الإنسان" المزعومة التي رفع رايتها الغرب العلماني تحرم أشياء على هذا الجانب من "الحدود الوطنية" وتبيحها على الجانب الآخر، مع حصر الحقوق والواجبات على "المواطنين"، أما من ليس بمواطن فلا عليه أن يموت غرقا في البحر، كما يشهد على ذلك البحر المتوسط بإدانة دامغة لحقوق الانسان المكذوبة. أما الإسلام فيجعل من المجتمع الإنساني "عائلة واحدة" تحتكم الى الشريعة الربانية دون تمييز بين أحمر وأسود من الناس إلا بالتقوى. والعجب العجاب أن بعض المنضبعين بالفكر الغربي يصر على التشبث ب"الدولة الوطنية" ويرى استحالة "الدولة الاسلامية الجامعة" مع نبذ الشعوب الاوروبية للدولة الوطنية وسعيها للاندماج في "الدولة الاوروبية الجامعة"، بعد أن سبق للولايات الأمريكية ان اجتمعت رغم تعدد اعراقها في دولة واحدة جامعة، فلم "استحالة " الدولة الاسلامية الجامعة، وهي الحقيقة الساطعة التي ملأت جوانب التاريخ عبر قرون مديدة، ولا يحول دون وحدة المسلمين، كما سنشاهدها غدا في شعائر الحج الأكبر وشاهدنا الأمس في صوم رمضان المبارك، إلا أؤلئك الحكام الساهرين على حماية الأوضاع الشاذة التي فرضها الغرب المستعمر؟ د.عثمان بخاش [email protected]