مقالات مختارة

الأردن يدفع ثمن أزمة "الأونروا"

محمد عايش
1300x600
1300x600

إذا صحَّت التسريبات الإعلامية عن خطة أمريكية لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين واختصار المعترف به منهم إلى نصف مليون لاجئ بدلا من 5.5 مليون حاليا، فهذا معناه أن الأردن سوف يكون في موقف صعب، وربما يكون أحد أكبر الخاسرين من هذه الخطة، أو هو الخاسر الأكبر على الإطلاق بعد السلطة الفلسطينية بطبيعة الحال. 

ثمة إشارات تُرجح صحة هذه التسريبات، وتؤكد وجود هذه الرؤية الأمريكية، أولاها خفض التمويل المخصص من واشنطن لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) وهو ما يعني أن الأمريكيين بدؤوا بالفعل يتعاملون مع "أونروا" على أساس أنه لا يوجد هذا العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين وعلى أساس إجبارها لتقليص أعداد المستفيدين من خدماتها والمسجلين لديها، أما الإشارة الثانية على وجود "خطة أمريكية مرعبة" فهو النشاط الدبلوماسي الاستثنائي للأردن خلال الأيام الماضية، حيث أمضى وزير الخارجية أيمن الصفدي عطلة عيد الأضحى في مباحثات مع نظيره الأمريكي مايك بامبيو، وهي المحادثات التي أفسدت على الوزير الأردني عطلة العيد وحرمته من قضائها مع عائلته دون أن تثمر بأي شيء على الإطلاق.

 

أزمة مزدوجة تواجه الأردن: سياسية واقتصادية

 

أما الدليل الثالث على وجود الخطة الأمريكية وصحة التسريبات بشأنها فهو القرار الأمريكي بتعليق مساعدات مالية بقيمة 200 مليون دولار، وهو ما يؤكد أيضا أن البيت الأبيض يقوم بالضغط المالي على الأطراف المعنية من أجل تحقيق الأهداف السياسية التي يريدها، وأنه يريد اختصار القضية الفلسطينية عبر تصغير مؤسساتها وتقليص الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، بما يجعل تمرير أي خطة في المستقبل أمرا سهلا. 

وأمام هذا المشهد، فإن الأردن يقف أمام أزمة مزدوجة: اقتصادية وسياسية، وهي أزمة عميقة يمكن أن تكون أكبر تهديد منذ أكثر من أربع عقود يواجه النظام والدولة والهوية والاقتصاد في آن واحد.

من الناحية الاقتصادية، فإن وكالة "أونروا" تشكل إمبراطورية اقتصادية مهمة داخل الأردن، فهي أحد أعمدة الدورة الاقتصادية في البلاد وأحد مصادر العملة الصعبة، والأهم من ذلك أنها ترفع جزءا كبيرا من الأعباء عن الحكومة في البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين على مستوى العالم، ولذلك كله فإن تقليص نشاط "أونروا" أو تقليص الدعم المالي لها أو اختصار أعداد اللاجئين المعترف بهم من قبل المنظمة الأممية والعالم، كل هذا سيعني بالضرورة أن هناك ملايين من البشر سيتم تحويل عبء تقديم الخدمات لهم من "أونروا" إلى الحكومة الأردنية.

وبلغة الأرقام، فإنه يوجد في الأردن 2.1 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين بشكل رسمي لدى "أونروا" ويتلقون خدماتها، وخاصة في المجال الصحي والتعليمي، ويشكل هؤلاء ما نسبته 21% من سكان الأردن الذين يبلغ تعدادهم 10 ملايين نسمة، بحسب أحدث الأرقام الصادرة عن الحكومة الأردنية.

 

تقليص خدمات الأونروا يعني أن الأردن سيتحمل أعباء جديدة كانت تتولاها المنظمة الأممية

 

يتركز النشاط الرئيس لوكالة "أونروا" أيضا في الأردن، حيث لديها 171 مدرسة تضم أكثر من 121 ألف طالب، كما لدى الوكالة 25 مركز صحي تقدم خدماتها لأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سنويا، والى جانب هذا كله فيوجد في الأردن حاليا 10 مخيمات للاجئين تديرها وتنفق عليها "أونروا" ويسكنها 18% من سكان الأردن، أي أن أغلب اللاجئين لا زالوا يعيشون في المخيمات التابعة لوكالة "أونروا". 

وفي حال أصرَّت الولايات المتحدة على تقليص تمويلها لوكالة "أونروا"، وأصرَّت على تجاهل أكثر من خمسة ملايين لاجئ والاعتراف بنصف مليون فقط، فهذا يعني بالضرورة أن الأردن سيكون أمام "كارثة اقتصادية"، حيث ستجد الحكومة نفسها أمام 121 ألف طالب بحاجة لمدارس ومليون ونصف المليون شخص بحاجة لرعاية طبية، فضلا عن عشرة مخيمات بحاجة لخدمات مختلفة، من بينها أكبر مخيم فلسطيني في العالم، وهو مخيم البقعة، الذي يشكل في الحقيقة مدينة سكنية متكاملة بالقرب من العاصمة عمَّان.. وهي خدمات كانت تقوم بها "أونروا" فتأتي بالأموال من الخارج إلى الأردن للقيام بذلك، أي أنها كانت أحد موارد الدعم للاقتصاد الأردني.

أما الأزمة السياسية التي تنتظر الأردن، فتتعلق بالوضع القانوني لمليوني لاجئ فلسطيني، وهم على الأغلب من بين الذين ستتجاهلهم الولايات المتحدة ولن تعترف بهم، كون الغالبية الساحقة منهم ولدوا في الأردن ويحملون الجنسية الأردنية، باستثناء نحو 140 ألفا فقط تعود أصولهم إلى قطاع غزة ويرفض الأردن منذ العام 1967 منحهم الجنسية. 

وفي حال سحبت واشنطن اعترافها بهؤلاء اللاجئين كـ"لاجئين" فهذا سوف يُعيد الجدل داخل الأردن حول "التوطين" و"الهوية"؛ وسوف يجعل النظام في الأردن في مواجهة وخلاف مع الولايات المتحدة التي هي حليفه التقليدي، وذلك بسبب أن الأردن يرفض فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين ويعتبر بأن مثل هذه الخطوة تشكل تهديدا للهوية الوطنية والخارطة الديمغرافية للبلاد. 

 

المساعدات الأمريكية تشكل ما بين 10% و13% من موازنة الأردن السنوية

وفي الوقت ذاته، فإن الرسالة التي تلقاها الأردن من واشنطن كانت واضحة، حيث في اليوم التالي للقاء أيمن الصفدي مع بامبيو قررت الولايات المتحدة تعليق مساعدات ب200 مليون دولار للسلطة، وهو ما يعني أن الاصطدام مع السياسة الأمريكية يؤدي إلى تعليق المساعدات المالية، وأن هذه المساعدات أداة ضغط أمريكية يتم استخدامها عند الحاجة. 

ومن المعروف طبعا أن المساعدات الأمريكية تشكل ما بين 10% و13% من موازنة الأردن السنوية، حيث من المقرر أن يكون الأردن قد حصل على 1.5 مليار دولار خلال العام الحالي كمساعدات مختلفة من واشنطن، بينما تبلغ الموازنة العامة للمملكة 12 مليار دولار في 2018. 

وخلاصة الكلام، أن الأردن أصبح اليوم في أعلى درجات القلق؛ نتيجة التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وأزمة الأونروا، والسياسة الأمريكية الجديدة التي تقوم على تنفيذ أجندة إسرائيلية بحتة، وتتجاهل الفلسطينيين بكل مكوناتهم، وهو على خلاف جذري وحقيقي مع واشنطن فيما يتعلق بقضيتي القدس واللاجئين، لكنه في الوقت ذاته لا يبدو قادرا على التصدي لهذه المشاريع الأمريكية الإسرائيلية، خاصة مع غياب الدعم العربي، بل ثمة دعم من بعض الدول العربية لهذه المشاريع التي تشكل تهديدا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا للأردن. 

 

* ترجمة خاصة لـ"عربي21"/ نقلا عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

التعليقات (1)
طارق
الجمعة، 31-08-2018 07:47 م
لقد قرأت المقال وهو تحليل موضوعي وواقعي...لكن كنت أود لو طرحت حلولا وخيارات يمكن للأردن إتباعها لمواجهة هذا السيناريو...

هجوم مبكّر!

30-Aug-18 09:11 AM