مقالات مختارة

فلسطين تهزم الصهيونية في عقر دارها بريطانيا

علي الصالح
1300x600
1300x600

رغم المحاولات الصهيوأمريكية المحمومة لطمس القضية الفلسطينية وتصفيتها، حقق الفلسطينيون بقضيتهم العادلة هذا الأسبوع انتصارا سياسيا ساحقا جديدا على إسرائيل واللوبي الصهيوني. هذه المرة في قلب بريطانيا حاضنة الحركة الصهيونية، وصاحبة وعد بلفور المشؤوم والأب غير الشرعي لإسرائيل، وأساس نكبة فلسطين وتشريد شعبها، في مخيمات تتنكر لهم الولايات المتحدة وإسرائيل فقط في هذا العالم.


وتحقق الانتصار بقرارات تاريخية لصالح فلسطين تشكل سابقة في السياسة البريطانية، اتخذها لأول مرة بهذا الوضوح حزب العمال البريطاني، في مؤتمره العام الذي اختتم أعماله يوم الأربعاء الماضي في مدينة ليفربول شمال إنكلترا، بزعامة جيريمي كوربين السياسي النزيه الذي فرضته القاعدة الشعبية للحزب على القمة. وهو يتعرض منذ اليوم الأول لتسلمه زعامة الحزب لحملات صهيونية يمينية منقطعة النظير، للإطاحة به والقضاء عليه سياسيا، لمواقفه المبدئية في قضايا محلية وخارجية. 


والحملة على كوربين تأخذ منحيين، المنحى الأول تقوده الحركة الصهيونية وأنصارها في بريطانيا والتهمة جاهزة، وهي التهمة القديمة الجديدة نفسها، معاداة السامية. فكوربين الذي تزداد فرص فوزه وحزبه في الانتخابات العامة سيكون رئيس الوزراء الأول من نوعه في المؤسسة الحاكمة في بريطانيا، طبعا إذا سمحت بذلك الأجهزة الأمنية والمؤسسة الحاكمة نفسها، حال فوزه. وهو أيضا زعيم خارج عن المألوف ويمثل للناخب البريطاني نمطا جديدا لم يعهده من قبل، نمطا مختلفا غير تقليدي للسياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي. 


المنحى الثاني يتعلق بقضايا داخلية/ خارجية مثل التسلح النووي، والإرهاب، ومعارضة الحروب الاستعمارية الجديدة، مثل العدوان على أفغانستان، والعدوان على العراق، والتدخل في سوريا وتخريبها والتدخل في ليبيا، وبيع السلاح للسعودية ودول التحالف في اليمن وغيرها. 


ومنذ فوزه بزعامة الحزب وهو يتعرض لمحاولات «اغتيال الشخصية»، فمرات يتهم بالشيوعية وأخرى بالعمالة لدول اشتراكية سابقا، وأخرى بالتشكيك بقدراته وطاقاته. ولم يعط متسعا من الوقت لممارسة مهامه، فبعد أشهر فقط من فوزه، أقحم في استفتاء الخروج من بريطانيا وبعدها بحوالي العام قيد إلى انتخابات عامة جاءت بنتائج غير متوقعة، أنصف فيها الشعب البريطاني كوربين، ورد الصاع صاعين لتريزا مي رئيسة الوزراء وزعيمة حزب المحافظين، بحرمانها من الغالبية الكلية في مجلس العموم، ما عزز من موقعه في حزبه، حتى أمام المتربصين به من بقايا أنصار توني بلير. 


وأرغمت هذه الانتصارات خصومه في الحزب لقبوله على مضض والاعتراف له ولسياساته بالفوز. 


وعندما فشلت المحاولات السابقة للإطاحة به التي عززت من شعبيته في قواعد الحزب، تجددت في الأشهر الأخيرة تهمة معاداة السامية، ليس له شخصيا فحسب، بل للحزب بمجمله لرفضه تبني تعريف الهيئة الدولية للهولوكوست وإصراره والعديد من قيادات وكوادر الحزب، على فصل انتقاد إسرائيل وسياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، عن التنكر للهولوكوست، فاتهم الحزب باستشراء العداء للسامية فيه لتسامحه مع مروجيها وعدم معالجتها بالحسم المطلوب، بل بالحماس الذي ترضى به الحركة الصهيونية ومن ورائها السفارة الإسرائيلية وحكومة بنيامين نتنياهو.

 

وظلت الحملة مستعرة أشهرا طويلة، رغم نفي كوربين وقيادة الحزب الواضح لهذه التهم جملة وتفصيلا، وتأكيده المرة تلو المرة أنه يرفض ليس فقط معاداة السامية، بل كل أشكال التمييز العنصري واللاسامية والإسلامافوبيا التي انتشرت مع ظهور الجماعات الإرهابية التي تعمل باسم الإسلام. ويتوقع لها أن تشتعل مجددا بعد هذا القرارات التاريخية. لكن هذه الضغوط والحملات بالتأكيد سترتد إلى نحورهم ولصالح فلسطين وأصدقائها في الحزب وعلى رأسهم كوربين.


لم ولن أخفي يوما أنني من المؤيدين المنحازين والمصوتين انتخابيا لحزب العمال بشكل عام، وازداد هذا الحماس مع صعود كوربين إلى قمة هرم الحزب. والأسباب عديدة يتقدمها شخصه الذي يرى فيه الناخب البريطاني العادي كما أنا، إنسانا غير ملوث أو مداهن أو منافق، إنسانا صادقا مع نفسه أولا وقبل الآخرين، يقول ويفعل وفق قناعاته وهذا طبعا غير معتاد أو متعارف عليه في السياسة بشكل عام، وفي السياسة البريطانية الرسمية بشكل خاص، التي لا يزال العرب وشعوب أخرى يدفعون ثمن غدرها وريائها على مدى مئات السنين.


وقد تأكدت مبدئية مواقفه من فلسطين، في ما قاله في خطابه الختامي في مؤتمر الحزب يوم الأربعاء الماضي. فقد انتقد وقوف العالم متفرجا على المأساة الفلسطينية، واعدا بإنهاء هذه المأساة واعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية في اللحظة التي يشكل العمال فيها الحكومة. كما أكد رفض الحزب لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولقانون يهودية الدولة الإسرائيلية، وقتل المئات من المدنيين برصاص الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة، وتوسيع الاستيطان واعتقال الأطفال. والأهم من مواقف كوربين، فالأشخاص كما نعرف زائلون، هي القرارات التاريخية غير المسبوقة التي اتخذها الحزب في مؤتمره في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والأجواء التي اتخذت فيها هذه القرارات. فقد كانت قاعة المؤتمر عبارة عن غابة من الأعلام الفلسطينية ترفرف في جميع أنحاء القاعة، وقدر عددها بنحو ألف علم، إلى حد أن وسائل الإعلام البريطانية المرئية، لم تستطع تجاهلها.


يشار هنا إلى أن مناقشة قضية فلسطين في المؤتمر العام السنوي جاءت بتأييد نحو188 ألف عضو من قواعد الحزب، وهذه بحد ذاتها سابقة. ومن المهم أيضا معرفة أن المؤتمرين أعطوا مناقشة القضية الفلسطينية الأولوية على القضايا المحلية الأكثر إلحاحا مثل، قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي الشغل الشاغل للشعب البريطاني مع اقتراب موعد الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وموضوع الخدمات الصحية. وهذه أيضا سابقة.

 

ومن مشاريع القرارات التي صادق عليه المؤتمر العام، إن لم يكن بالإجماع فعلى الأقل بالأكثرية الساحقة، الدعوة إلى تحقيق دولي مستقل في استخدام إسرائيل للقوة ضد المتظاهرين في غزة. كما يدعو إلى إنهاء فوري وغير مشروط للحصار المفروض على غزة، وإلى تجميد مبيعات السلاح لدولة الاحتلال إلى حين انتهاء التحقيق. واستنكر المؤتمر العام محاولات إعادة كتابة تاريخ الشعب الفلسطيني، وشطب ضحايا حرب عام 1948 الذين أخرجوا أو شردوا من ديارهم بسبب الحرب وتداعياتها.

 

ويدعم المؤتمر تطوير التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين، خاصة الشباب ومطالبة الحكومة البريطانية بزيادة مساهمتها في ميزانية الأونروا، بعد قرار الولايات المتحدة وقف دعم الوكالة، والبحث عن سبل دعم مدارس الأونروا ومراكز التدريب التابعة لها وموظفيها العاملين في الشرق الأوسط. والمساهمة في الاستقرار والأمان للاجئين الفلسطينيين. ودعت الأمينة العامة للحزب جيني فورمباي إلى عدم السماح بإسكات الصوت الفلسطيني، مؤكدة حق الأعضاء في الحديث عن الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون. وأعلن عن تشكيل جديد داخل الحزب تحت اسم labour & Palestine speaking up for Palestine. 


وفي نشاطه الأول أكد المتحدثون أن صوت فلسطين في الحزب لن يتم إسكاته عبر التهديد بالعداء للسامية. وهذه المجموعة سيكون لها دور كبير في الترويج لدعم الحقوق الفلسطينية، ولكن من دون الوقوع في شرك الاتهام بالعداء للسامية، وستقوم المجموعة بتزويد فروع الحزب ومستوياته المختلفة بالمعلومات وبالخطاب السياسي المناسب عند الحديث عن الموضوع الفلسطيني، لتفويت الفرصة على اللوبي الصهيوني وأنصاره في الحزب.


واختتم بالقول إن الاهتمام الذي استحوذت عليه القضية الفلسطينية على مدى أيام المؤتمر العام لحزب العمال البريطاني، هو حقا ثورة حقيقية ليست فقط على الصعيد السياسي البريطاني فحسب، بل على المستويين الأوروبي والدولي، ومن هنا أتوجه بالتحية والشكر لا لجيريمي كوربين وقيادة حزب العمال وكوادره فقط، بل إلى قاعدته التي فرضت على المؤتمر وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول أعماله، ما يؤكد أن التأييد في حزب العمال للقضية الفلسطينية العادلة، لن يزول بزوال الأشخاص، بل سيبقى ضاربا جذوره في قواعد الحزب. وسيكون الفشل كما المرات السابقة مصير الهجمة الصهيويمينية على كوربين وأنصار القضية الفلسطينية، وهم كثر في حزب العمال، الذين انتصروا لفلسطين وقضيتها. وهذا يستحق منا رد الجميل على الأقل بدعم الحزب وكوربين في الانتخابات البريطانية المقبلة.

 

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)