قضايا وآراء

العلاقة الوثيقة بين ثورة يناير.. ونصر أكتوبر

طارق الزمر
1300x600
1300x600
في ذكرى انتصار أكتوبر الذي أعاد الثقة لشعبنا في نفسه، ووضع الكيان الصهيوني في حرج بالغ أمام كل داعميه ومناصريه والخاضعين لأبواق دعاية الجيش الذي لا يقهر، يجب أن نذكر أن الشعب هو الذي حقق الانتصار، وأن إرادته كانت فوق إرادة حاكميه.

ولهذا يخطئ من يظن أن إرادة الشعوب تتجزأ، وأن الشعب الذي يتطلع للاستقلال وللحرية والكرامة يمكنه أن يقبل بالاستعباد والمهانة. ومن هنا، فإني أرى أن الشعب الذي أجبر حكومته على الإعداد للحرب عشية الهزيمة النكراء في 5 حزيران/ يونيو 1967م؛ لم يكن يتصور عاقل أن يقبل بالركوع أمام أي حكم يهين كرامته ويعتدي على حريته، ومن هنا يجب أن نلتقط الخيط الموصول بين أكتوبر ويناير.

فالحقيقة التي تغفلها السلطات الحاكمة وأبواقها التي طالما أهانت الشعب واستمرأت إهماله وإهانته؛ أن الشعب هو صاحب القرار في خوض حرب أكتوبر، وأن شجاعة المقاتل المصري الأسطورية هي التي هزمت آلة الحرب الإسرائيلية الجبارة. وهذا طبعا على خلاف ما دأبت إشاعته تلك السلطات وأبواقها، حيث الخلاف الكبير بين من هو صاحب قرار إزالة آثار العدوان.. هل هو عبد الناصر.. أم السادات؟ وفي زحمة ذلك الجدل العقيم، يُهال التراب على الشعب صاحب القرار، بل وصاحب النصر والذي لولاه ما تحقق شيء من هذا.

فالشعب هو الذي خرج رافضا الهزيمة منذ اللحظات الأولى ومطالبا بالثأر، وهو أيضا الذي خرج متظاهرا ساخرا من المحاكمات الهزلية لقادة الهزيمة، والتي قابلها النظام بالقمع. والشعب هو الذي ظل ساخطا على جيشه طوال السنوات الست لما ألحقه من عار بالعسكرية المصرية قبل أن يلحقها بالشعب. وهكذا ظل ضباط الجيش يتعرضون للسخرية في الشوارع والطرقات، حتى أن الأوامر قد صدرت إليهم بإطفاء بريق الرتب العسكرية حتى لا تستفز الشعب، ثم كان العديد من الضباط يؤثرون السلامة فلا يغادرون وحداتهم بالزي العسكري!

وليذكر من عاش الجامعات المصرية في بداية السبعينيات، وكيف أن كل مظاهراتها ومؤتمراتها ومجلات حوائطها كانت تندد بالهزيمة وتطالب بالثأر، وكيف سرت النكات المستهزئة بمن سيطروا على كل شيء في بر مصر، وتعالوا وتكبروا على أهلها، ثم هم يُهزمون هذه الهزيمة النكراء أمام أشد أعدائها. ولهذا، لم يبعد كثيرا من فسر تلك الهزيمة بأنها هزيمة للسلطة وليست للشعب، وأنها عقاب لها على تكبرها واستعلائها على شعبها وإمعانها في تقييد حريته والحط من كرامته.

ولأن حرية الشعب وكرامته هي جوهر علاقته بحكامه، فإن نفس الشعب هو الذي خرج في 18 و19 يناير 1977م رافضا من ذات السلطة أن تعتدي على الحد الأدنى من عيشه الكريم، وهو ما جعل السلطة التي كانت تظن أنها استعبدت الشعب بذلك النصر؛ تفاجأ بهذه اللطمة التي أفقدتها رشدها في وقت غرورها وغطرستها، وهو ما اضطرها لأن تكشف عن مكنون صدرها، فإذا بالقرار الغشيم بنزول الجيش للشوارع، وإذا بالدبابات تقتحم المدن الكبرى وتلاحق الشباب في الميادين والطرقات.

صحيح أن قادة الجيش يومها كانوا يتمتعون بقدر أكبر من الذكاء جعلهم يحتاطون من استخدام الجيش في مواجهة الشعب، خاصة بعد حرب أكتوبر التي وقف فيها الشعب مساندا جيشه بصورة أبهرت العالم، وكانت سببا في التئام جروح الغطرسة والتعالي التي كانت سائدة بين الجيش والشعب، خاصة في الستينيات، وهو ما جعل بعض كبار ضباط الجيش يومها يطلبون من السلطة تعهدا بعدم استخدام الجيش مرة أخرى في مواجهة الشعب، واشترطوا ألا ينزلوا الشارع قبل إعلان الحكومة تراجعها عن قراراتها الاقتصادية، في ذات الوقت الذي أصدروا فيه تعليماتهم للضباط والجنود بعدم إطلاق طلقة واحدة من سلاح الجيش في وجه الشعب، وعدم الإساءة لأي مواطن مهما كانت الظروف.

في هذه اللحظات كانت الجماهير تزحف صوب استراحة السادات في أسوان، وهي تهتف ضده، وهو ما اضطره للعودة مسرعا للقاهرة وفق خطة تأمين كبرى افترش فيها أرضية أحد الأتوبيسات هو وأسرته، حتى يبدو الأتوبيس فارغا، إلى أن وصل المطار واستقل طائرته للقاهرة.

وكما كان التطلع للكرامة والحرية هو السبب الرئيسي لانتصار أكتوبر، فإن ذات القيم هي التي جعلت الشعب ينتصر في يناير 2011م، يوم أن خرج رافضا حكم من أمعن في العدوان على كرامته واستلاب حريته. وهنا نلحظ الشبه الواضح بين روح المقاتل المصري الذي حمل روحه على كفه طالبا الشهادة أو الكرامة، وبين شباب التحرير وشعب التحرير الذي نزل الميادين حاملا أيضا روحه على كفه في مواجهة الجنرالات والمجنزرات التي كانت تتربص به في الميادين.

وهكذا يمكن أن تتبين العلاقة الوطيدة بين يناير وأكتوبر فكلاهما انتصار للحرية والكرامة، بل إنه إذا كانت أكتوبر قد محت عار ست سنوات، فإن يناير قد محت عار قرون طويلة من الاستبداد والاستعباد. وإذا كانت أكتوبر قد حررت جزءا عزيزا من أرض مصر، فإن يناير قد حررت كل مصر، بل حررت الماضي والحاضر كما حررت المستقبل الذي لا يمكن تصوره دون حرية أو كرامة.. دون روح وأهداف يناير.
التعليقات (0)