قضايا وآراء

المقروصون في غزة

مخلص برزق
1300x600
1300x600

برغم البشاعة اللامتناهية في وسائل عديمي الإنسانية من بني صهيون في قتل البشر الذين يقطنون غزة، إلا أن العزاء في ذلك قول نبيّنا صلى الله عليه وسلّم: "الشهيدُ لَا يَجدُ مَسَّ القتلِ إلَّا كما يَجِدُ أحدُكم القَرصَةَ يُقْرَصُها" صحيح الجامع.


أولئك الذين رابطوا على أرض غزة دهراً طويلاً فكانوا شوكة على الدوام في حلق الغزاة المحتلين وأذنابهم من المنافقين والمرجفين..


الذين صبروا وصابروا، وما يزالون يتجرَّعون مرّ الصَّبر هم وأطفالهم ونساؤهم وشيوخهم. إنَّهم كفٌّ يواجه المخرز، وحدهم إلا من إيمانهم بربِّهم وتوكّلهم عليه.. يصبرون على تبعات الجهاد وتكاليفه الباهظة، محتسبين ذلك عند الله تعالى رغم كل الأصوات المُخذِّلة من حولهم، وهم يرقبون نصر الله الذي يرونه قريباً يُشعُّ سناه من بين دخان الإطارات المشتعلة والغازات السامة المسيلة للدّموع على حدود غزة الشرقية.


تتعالى طبول الحرب من حولهم، ويزداد التضييق معيشياً واقتصادياً بإغلاق المعابر وعدم تزحزح سلطة عباس عن موقفها إزاء ما تسميه بالعقوبات على غزة، والعمل على إفشال كافة جهود المصالحة المبذولة في القاهرة، مع تصاعد لهجة التّهديد والوعيد إلى مستوى كشف فيه مسؤولٌ في الرّئاسة الفلسطينية بأن "السلطة حذّرت حركة حماس من تشديد العقوبات، ووقف جميع أشكال التمويل عن قطاع غزة، إن لم تمكِّنها الحركة من السَّيطرة على القطاع، حتى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري"، وفق ما أورده موقع "i24" الصهيوني. 


ومن قبل ذلك ما جرى من تقليصٍ لميزانية وكالة الأونروا، وتسريح أكثر من ألف عاملٍ فيها، وقطع المخصصات المالية عنها من قبل أمريكا. وتزامُن ذلك مع الإعلان عن قانون يهوديّة الدّولة الذي من شأنه أن يؤرِّخ لحقبةٍ جديدةٍ من الاستعلاء الصهيوني والغطرسة العنصريّة التي قد تدفع أصحابه إلى حسم ملفاتٍ كثيرةٍ مؤجلةٍ كملف القدس وغزة باستخدام القوّة المفرطة، في ظلّ رعايةٍ أميركية وفَّرتها إدارة الرئيس الأميركي ترامب الذي يبدو أنه يسوق الكيان الصهيوني سوقاً بقراراته المستفزّة نحو صِدامٍ كبير دون حسابٍ للعواقب المترتّبة على ذلك. وفي وقتٍ هدَّد فيه رئيس وزراء العدو "النتن ياهو" قطاع غزّة محذِّراً بأنه "أبلغ مجلس الوزراء من أنه إذا لم تتحسن الأوضاع في قطاع غزة، فإن "إسرائيل" تستعد للقيام بعملية عسكرية ضد القطاع".


قد تبدو الأجواء مهيأة لدى قادة الكيان لارتكاب حماقة جديدة تجاه قطاع غزة المحاصر، في ظل سقوط عواصم عربية وتَشظّي المواقف السياسية في كل اتجاهٍ لما كان يطلق عليه اسم الوطن العربي، وانشغال الشعوب بأزماتها الطّاحنة والحروب البينيّة القائمة، إلا أن كلّ الرّهانات على انكسار إرادة أهل غزة وخضوعهم واستسلامهم باءت بالفشل، وبدل أن ترتفع الأصوات بإيقاف مسيرات العودة الكبرى، تنادى النشطاء لتطويرها وتوسيع دائرتها لتشمل صوراً وأساليب جديدة باستحداث المسيرات البحرية من ميناء غزة تجاه شاطئ "زكيم" شمال القطاع، ومسيرات الإرباك الليلي.


كل ذلك أعطى رسائل بأنَّ النَّفس طويل، وأنَّ الجعبة ملأى بسهام العزيمة والإصرار على مواصلة طريق ذات الشوكة، وأنَّ التّنافس على أشدّه بين أطفال غزة أمثال ناصر مصبح وفارس السرساوي (12 عاماً) و الشهيد المُسن إبراهيم العروقي (78 عاماً).


على أنّ ذلك لا يقلل من مسؤولية الأمّة لمؤازرة من جعلوا أنفسهم خط الدفاع الأول عنها في وجه استعلاء بني إسرائيل وفسادهم وإفسادهم. أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا رأس الحربة لتخليص المسجد الأقصى من براثن المحتلين.


هناك من يجلس على مقاعد المتفرجين يذرف الدمع على الجرحى والمصابين وقوافل الشهداء (المقروصين) في غزة، وهناك من يلوِّح مهللاً لصمودهم وثباتهم مع مطالبتهم بالمزيد المزيد، والبعض يشيح بوجهه عنهم غير مكترثٍ بما يحدث لهم، فالأمر لا يعنيه، فهو لا يتعلق ببلده وعشيرته، وآخرون يسلقونهم بألسنةٍ حِداد في كل المحافل، أشحَّةً على الخير، لايتورعون عن وَصْمهم بالإرهاب والتَّندّر عليهم بأنهم باعوا أرضهم وديارهم وعليه فهم يستحقّون كلّ ما يحدث لهم.


وقليلٌ من قليلٍ مَن يحمِلُ همّهم، ويتحرّك لأجلهم، دعماً إعلامياً وسياسياً ومادياً، وحراكاً غاضباً في الضفة المحتلة ضد سياسات سلطة محمود عباس وحكومته الإجرامية المتناغمة والمنسقة سلفاً مع العدو الصهيوني لخنق غزة وتركيعها.


قليلٌ مَن ينقل حجم المعاناة التي تعصف بغزّة وأهلها، والتي يلخِّص جانباً منها حدثٌ عابرٌ لم تتناقله وكالات الأنباء، أو شاشات الفضائيات، أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي، ذلك أن مخبزاً في غزة أعلن عن حاجته لعامل واحدٍ عبر صفحته، فتقدّم لهذه الوظيفة البسيطة ثلاثة آلاف شخص خلال 24 ساعة فقط من بينهم عشرات الشباب من حملة الشهادات الجامعية!


قصص غزة الموجعة كثيرة جداً، رغم أنها تأتينا ممزوجة بعبق الجراح الرّاعفة، مضمّخةً بدماء الشهداء الزكيّة، محفوفةً بأرواحهم الصاعدة في سماء المعراج، معطّرةً بتسبيحات الصابرين المحتسبين العاضِّين على جراحهم ومعاناتهم.. فهل منّا من يحرّك ساكناً لأجلهم ويشرك غيره في همّهم، ويسهم في شرف الغزو معهم؟ فمَن جَهَّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومَن خَلَفَ غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا.. فكيف والغزوُ في غزَّة لردِّ الغزاة الغاصبين وتطهير المسجد الأقصى من دنس المحتلين وإعادة القدس وفلسطين للمسلمين.


0
التعليقات (0)