قضايا وآراء

الأزمة الأردنية الخانقة وصراع الحلول

محمد العودات
1300x600
1300x600
يعيش الأردن أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى انفجار الشارع في هبة رمضان صيف هذا العام؛ انفجار استطاع أن يسقط حكومة الدكتور هاني الملقي ويأتي بالدكتور عمر الرزاز على رأس الحكومة الجديدة، إلا أن نار الانفجار الشعبي ينفخ حاليا تحت الرماد، ويتوقع للشعب أن يعود مرة أخرى إلى الشارع؛ وتضرب الاحتجاجات بموجة سخط عارمة.

معالم الأزمة الاقتصادية الأردنية

يعيش الأردن أزمة اقتصادية خانقة مستمرة منذ حرب الخليج الأولى، ولا زالت تتفاقم، إلى أن شكل سقوط النظام العراقي السابق منعطفا جديدا في معالم تلك الأزمة، بعد أن حُرم الأردن من المنحة النفطية التي كان يقدمها النظام العراقي في وقتها إلى الحكومة الأردنية.

في ذات الوقت، ظهر مع العهد الملكي الجديد طبقة من الساسة الذين مزجوا ما بين العمل الاستثماري والعمل السياسي، فجاء برنامج الخصخصة والتحول الاقتصادي، والذي بيعت بموجبه كثير من المؤسسات الأردنية بأثمان زهيدة، وتم حرمان الخزينة الأردنية من الموارد المالية التي كانت تضخها تلك المؤسسات في ميزانية الدولة.

قامت الحكومات الأردنية المتعاقبة بتوسيع الإنفاق الحكومي، ترافق ذلك مع ظهور طبقة من الفساد المنظم، والتي تشير التقديرات الاقتصادية إلى أنها كلفت الأردن أكثر من 15 مليار دولار أمريكي خلال السنوات العشر الأخيرة؛ كان آخرها ما عُرف بقضية الدخان، والتي تتحدث الأوساط الإعلامية بأن هناك شخصيات أردنية رسمية متورطة فيها، فيما تشير التقديرات الأولية إلى أنها كلفت الخزينة الأردنية أكثر من ربع مليار دولار أمريكي.. فساد اتخذ صفة الشبكية الاجتماعية والنفعية، فساد محصن بالنصوص الدستورية والقوانين التي جعلت من الصعوبة الوصول إليه، وأصبح محميا بطبقة من نفوذ رجال الأعمال الذين تسللوا إلى المناصب السياسية والسيادية.

كان للحكومات المتعاقبة (والتي بلغت أكثر من خمسة عشر حكومة في العهد الجديد) وسوء إدارتها اللازمة الاقتصادية الأردنية؛ الأثر البالغ في الهدر المالي الكبير، هدر عمّق من جراح الدولة وجعل وضعها الاقتصادي بالغ الحساسية.

جدلية الخروج من الأزمة

في المقابل، يذهب الجانب الرسمي إلى توصيف الحالة بإنها أزمة اقتصادية، وأن الحل يكون بتلمس الحلول الاقتصادية المتاحة وفقا للظرف الإقليمي. وتقوم نظرته على تحسين بيئة الاستثمار وجلب رأس المال الأجنبي، وفتح المنافذ لتصدير الكفاءات الأردنية إلى الخليج العربي. ويرى في المساعدات الخارجية والضرائب رافدا جيدا لخزينة الدولة يمكن أن يعتمد عليه لحين انقشاع الأزمة التي تضرب الإقليم منذ الربيع العربي، والتي دفعت باللاجئين إلى الأردن من معظم بلدان الثورات، وخصوصا اللاجئين السوريين.

وترى النخب الأردنية المعارضة أن الأزمة هي أزمة إدارة حكم وليس نقصا في الموارد، وأن الدولة يمكن أن تستغني عن المساعدات والمنح الخارجية والسياسات الضريبية الجائرة إذا ما كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لذلك، وأن الأزمة الاقتصادية الأردنية هي عرض لمرض الرجعية السياسية وليست المرض، وأن المرض الحقيقي هو التخلف السياسي، وأنه إذا ما تم معالجة المرض فسيزول العرض. كما أن النخب ترى أن البدء بإصلاح سياسي يكون بحكومة منتخبة بصيغة الملكية الدستورية، وأن تهيئة المناخ للحريات العامة من شانه أن يطلق الطاقات المقيدة، ويأتي بقيادات إلى سدة القرار تستخرج كل مقدرات الدولة وتوقف ثقب الفساد الأسود الذي يلتهم الثروات الأردنية، وتشجع بيئة الاستثمار، إذ إن رأس المال الأجنبي كالطيور المهاجرة؛ لا يجذبها إلا بريق المياه الهادئة والاستقرار الحقيقي على الأرض.

لمن الغلبة؟

من الواضح أن الحاشية الملتفة حول صاحب القرار في الأردن لا ترى أن الوقت مناسب للقيام بتحول سياسي جذري، وتبحث في البدائل عن أي تحول سياسي مفصلي؛ من خلال مجلس نيابي تقوم فيه القبيلة مكان الحزب، وتقوم فيه الكتل النيابة داخل المجلس مكان التحالفات الحزبية، وتقوم فيه الحكومات المعينة مكان الحكومات المنتخبة، معتمدة على سياسة سرعة تدوير المناصب وتقليبها، والمحاصصة الجغرافية والديمغرافية عند كل بوادر انفجار شعبي محتمل.

لكن من رصد احتجاجات الصيف لا يجد أنها احتجاجات جياع أو صرخة على الرغيف؛ بقدر ما هي احتجاجات على النهج في إدارة الدولة، لذلك كان الشعار الأهم في تلك الاحتجاجات "تغيير النهج لا تبديل الوجوه".

جولة على المقالات في الصحافة الأردنية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ستكوّن الانطباع بأن هناك توافقا كبيرا بين النخب والشعب على أنه قد آن الأوان للتحول السياسي في الأردن، وأن سياسة الهروب للأمام من مواجهة الاستحقاقات الإصلاحية لن تحل المشكلة، وأن الزمن لا يعالج الأزمات إذا لم يكن هناك دواء يتجرعه المريض ويصبر على علقم الشفاء.

مهما حاولت الحاشية التي تلتف حول صانع القرار تأجيل تلك التحولات السياسية (التي تنتقل بالأردن إلى مصاف الدول الديمقراطية) للحفاظ على مصالحها ومكتسباتها ونفوذها، إلا أن الزمن ووعي الشعب ودافعية الحاجة للإبقاء على كيان الدولة الأردنية المهدد من محيطه؛ سوف يدفع الأردن الرسمي للذهاب إلى الإصلاح السياسي كمتطلب أساسي للبدء بالإصلاح الاقتصادي الخانق.
التعليقات (1)
حمزه غرايبه
الثلاثاء، 23-10-2018 09:37 م
مقال جميل و بجب على النخب المسكونة ب الهم الوطني أن لا تمل من تكرار المطالبة بالعلاج لإغلاق ثقب السفينة .