سياسة دولية

لوبلوغ: ابن سلمان يبني "مملكة خوف".. ما موقف أمريكا؟

قال الباحث في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن قتل خاشقجي ذكّر الأمريكان بأن أمريكا بقيت متحالفة مع زعماء عرب يقومون بقمع وسجن وقتل المعارضين- جيتي
قال الباحث في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن قتل خاشقجي ذكّر الأمريكان بأن أمريكا بقيت متحالفة مع زعماء عرب يقومون بقمع وسجن وقتل المعارضين- جيتي

نشر موقع "لوبلوغ" مقالا لكبير الباحثين غير المقيمين في المركز العربي في واشنطن دانيال برومبيرغ حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودلالاته على السياسات الأمريكية في المنطقة، وعلى العلاقة الأمريكية السعودية.

وقال الباحث في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن قتل خاشقجي ذكّر الأمريكان بأن أمريكا بقيت متحالفة مع زعماء عرب يقومون بقمع وسجن وقتل المعارضين لمجرد التعبير عن آرائهم السياسية.

وكانت جريمة قتل خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول غاية في البشاعة. وقد دعمت واشنطن أنظمة تستخدم العنف القاتل على مستوى أوسع. فرئيس مصر الحالي المشير عبد الفتاح السيسي سيطر على السلطة في تموز/ يوليو 20134 في انقلاب عسكري أنهى فترة قصيرة من التجربة الديمقراطية. وبعد ذلك بأقل من شهر قامت قوات الأمن المصرية بقتل ما يزيد عن 800 متظاهر في ميدان رابعة. ثم أقدمت حكومة السيسي على سجن عشرات آلاف المصريين بتهم مزيفة. ومع ذلك لم يقم وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري بالاحتجاج، بل إنه مدحه وحلفاءه "لإعادة الديمقراطية". فمن ناحية أخلاقية هل كان تصريح كيري هذا أسوأ من تصريح الرئيس دونالد ترامب بأن مقتل خاشقجي كان ربما على أيدي "مارقين"؟، وهي الرواية التي تلقفتها القيادة السعودية التي أقدمت على إعفاء المتورطين المفترضين من مناصبهم وسجنت المتعاونين وغير ذلك مما يراه العالم أنه محاولة للتغطية على تصرفات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وبالطبع، فعندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية؛ كان دائما من الصعب تقييم السياسة الأمريكية تجاه المستبدين الأصدقاء لأمريكا من نواحي أخلاقية فقط. فبالنسبة لأمريكا وبالتأكيد كثير من الحلفاء في أوروبا الغربية يبقى موضوع التحالفات والمباديء موضوع صعب. وفي الواقع كما يظهر من الحالة المصرية والسعودية يقدم الزعماء الأمريكان من كلا الحزبين الأمن والمصالح الاقتصادية على الاعتبارات الأخلاقية. وإن كان حكام مصر والسعودية والإمارات والبحرين مصدومين بسبب المصير المؤلم لخاشقجي، فربما لأنه يعري البشاعة التي ينطوي عليها الاستبداد في الدول التي يفتخر حكامها بعلاقات وثيقة مع واشنطن.

ولكن التوجه الذي يثير القلق حول القوى الحالية المحلية والإقليمية والعالمية التي تجمعت للحفاظ على ما يمكن تسميته عملية إعادة هيكلة وبث الحياة وتحويل الاستبداد، وأحد جوانب هذه العملية هو صعود مستبدين متعطشين للسلطة ومصممين على فعل ما هو أكثر من فرض حكمهم، فما يسعون إليه هو منع وإن لزم تدمير أي عادات وتقاليد ومؤسسات ورثوها (في العادة في حالة سيئة) من زعماء سابقين.

من الواضح أن هذه ليست مؤسسات محلية. ولكن وبدرجات مختلفة سمحت لإدارة الصراعات الاجتماعية والسياسية وتلك المتعلقة بالهوية بطرق لا تناسب فقط تلك الأنظمة، ولكنها كسبت نوعا من الدعم أو استسلام على الأقل من زعامات المجموعات الاجتماعية والسياسية المناوئة. أما في دول "الاستبداد الملبرل" مثل المغرب ومصر والأردن والكويت ولفترة اليمن، فارتكزت الأنظمة على  ما يسمى "صفقة الحكم" حيث تتم حماية المجموعات كلها بما فيها الاسلامية والعلمانية. وقامت الأنظمة باستخدام تلك القوى ضد بعضها بطرق وسعت من نطاق مناورتها. وبالمقابل، منحت قيادات المعارضة حيزا لطرح فكرها وأجندتها، ما دام ذلك لا يتحدى سلطات الحكم. ومع أن هذه الأنظمة تتمتع بأجهزة أمن قوية لحمايتها، إلا أن هذه الأنظمة بدت بالنسبة للصحفيين والكتاب والأكاديميين أفضل من "جمهوريات الخوف" القمعية، التي ظهرت تحت حكم حافظ الأسد والآن ابنه بشار الأسد في سوريا ومعمر القذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق.

 

والمفارقة هي أن الربيع العربي عام 2011، فيما عدا تونس، فشل في التقدم بالديمقراطية، والأسوأ من ذلك هو أن تلك الثورات هيأت الساحة لقيام الزعماء العرب؛ إما بتقوية نظم الاستبداد القائمة (الإمارات والبحرين) أو بناء أنظمة أكثر مركزية وأكثر قمعا. ومثال على ذلك جهود السيسي لإلغاء عقود من "الاستبداد الملبرل" باستبداد كامل بقيادة المؤسسة العسكرية، وليس الأمر مجرد عملية تحديث للنظام الاستبدادي، ولكنه إعادة تعريف لطبيعة دور الدولة والنظام، ناهيك عن قواعد اللعبة السياسية.

وإعادة هيكلة الاستبداد في السعودية يصطدم أيضا بالآليات المتميزة والقواعد الضمنية التي ميزت سياسة البلد لفترة طويلة. وكما أشار ستيفان لاكرويكس، فإن نظام السعودية السياسي ارتكز على ديناميكية (نظرية جماعات المصالح الجديدة)، وهو نظام يقوم على توازنات حاول من خلاله الأمراء المتنافسون الوصول إلى نوع من التوافق بين أنفسهم ومع قيادة مؤسسات الدولة المختلفة مثل مؤسسة رجال الدين وبيروقراطية الدولة. وقام محمد بن سلمان (م ب س) بقلب هذا النظام رأسا على عقب وانتهك القواعد الأساسية وتجاوز الخطوط الحمر. وكان وضع الأمراء المنافسين تحت الإقامة الجبرية في فندق ريتز كارلتون الفخم في تشرين ثاني/ نوفمبر 2017 في قضايا فساد مجرد بداية. ثم ما تبع ذلك من اعتقالات للمفكرين والناشطات في مجال حقوق المرأة، وكله يشير إلى أن ولي العهد لا يملك خطة لخلق "صفقة حكم" جديدة، بل على العكس فإن مقتل خاشقجي يشير إلى أن (م ب س) قد يكون بصدد خلق "مملكة خوف"، من النوع التي كانت ستحظى باعتراف بل تأييد صدام حسين.

كما أن البيت الأبيض في عهد ترامب يبرر بسهولة العلاقة مع مستبدين مثل (م ب س)، ليس فقط بحجة الواقعية السياسية، بل إن رسالته خلال خطاب ترامب في الجمعية العمومية خلت من أي إشارة إلى حقوق الإنسان، حيث قال إن سياسة كل بلد تعكس مزيجا من "الوطنية" و"العادات" رافعا بذلك الراية المجازية للنسبية الأخلاقية.

وكان ترامب واضحا عندما تحدث عن اعتقاده بأن مصالح أمريكا التجارية مع السعودية تقتضي ألا تواجه أمريكا السعودية بخصوص مقتل خاشقجي. وبعيدا عن المسألة الأخلاقية يجب علينا طرح السؤال عما إذا كان خلق أنظمة استبدادية قوية سيساعد على التقدم في الاصلاحات الطموحة لبرامج السوق التي يرفع رايتها السيسي و(م ب س) وغيرهم من المستبدين.

من زاوية هؤلاء الزعماء، الجواب بالتأكيد هو نعم. وربما يخشون (وقد يكونون محقين بذلك) بأن محاولة تحقيق تغيير اقتصادي عميق من خلال  الديمقراطية سيؤدي إلى معارضة لهذه التغييرات. ولم تتجسد تكلفة التصرف البلطجي على شكل انسحاب العديد من رواد الأعمال من مؤتمر "دافوس في الصحراء" في الرياض، أو التوقف عن الاستثمارات في المشاريع الطموحة. ولكن السؤال الأكبر سياسي يقول: هل يمكن أن تواجه جهود فرض نظام استبداد كامل ردة فعل معاكسة ومقاومة أو معارضة في مؤسسات الدول أو في الساحة المباشرة المحيطة بالأنظمة نفسها؟

إن هذا النوع من "التصدع" الذي يخشاه المستبدون العرب. فالانشقاق عن الأنظمة خطير بالضبط لأنه يشجع مقاومة شعبية أكبر. ولذلك قام صدام عام 1979 بعقد مؤتمر لحزب البعث قام خلاله بقراءة أسماء 60 ممن سماهم "الخونة". وتم اعدام ثلثهم بعد اقتيادهم خارج القاعة وتم تسجيل ذلك للجميع كي يرى. وكان ذلك ضامنا بألا يجرؤ أحد بعد ذلك على تحدي حكمه.

ولم يرد السيسي على الانشقاقات بنفس المستوى من العنف. ولكنه اختار سجن كل من سامي عنان وأحمد شفيق بسبب معارضتهما لسياساته، وينم تهاونه النسبي معهما عن معرفته بأن اتهام ركنين من أركان المؤسسة العسكرية والحزب الديمقراطي الحاكم بالخيانة ستكون نتائجه أسوأ.

ولكن (م ب س) على العكس من ذلك قرر أن يقطع دابر الانشقاق، فبالتاكيد أنه وجد انتقال جمال خاشقجي إلى خندق المعارضة بعد سنوات من العمل كمستشار لشخصيات أخرى في العائلة المالكة أمرا مثير جدا للحنق.

تحرك خاشقجي كان حقا شرعيا له، ولكن يبدو أنه أثار (م ب س) أو زبانيته، فأرادوا أن يجعلوه مثلا. ففي عصر الإعلام الاجتماعي العريض كان صدى مقتل خاشقجي أكبر بكثير وأوسع مما كان إعدام صدام لمعارضيه.

لا شك أن جريمة قتل خاشقجي تُعد تجاوزا للمعقول، فحتى ملك مستبد لا يتجاوز هذا الخط الأحمر. وفي السعودية ترى المؤسسة الدينية أنها في مركز العالم الاسلامي السني عدا أنها تعتبر ركيزة من ركائز شرعية الدولة. وبالتأكيد هناك بعض القيادات الدينية التي امتعضت جدا من مقتل خاشقجي، ويمكن أن يكون الملك نفسه وجد الأمر مروعا، ولكن وبعمر 82 عاما يبدو أنه مصر على إنقاذ (م ب س) أكثر من معاقبته. لذلك وفي وهحديثه مع الرئيس ترامب على الهاتف؛ أكد له أن السعودية لا تدري ماذا حصل "لمواطنها السعودي".

 

وبسبب الضجة الدولية التي حصلت وإطلاق أنقرة للمعلومات بشكل بطيء ومؤلم؛ استمر ترامب في التعبير عن تشككه في التفسيرات السعودية، ولكنه يحاول دائما الاقتراح بأنه يجب عدم تحميل المسؤولية لمحمد بن سلمان.

التعليقات (0)