ملفات وتقارير

مسلمو الهند.. ثاني أقلية وفسيفساء دينية من دون تمثيل سياسي

قال بأن هناك شبه تحالف بين الحزب الهندوسي المتطرف الحاكم في الهند والمتصوفة (عربي21)
قال بأن هناك شبه تحالف بين الحزب الهندوسي المتطرف الحاكم في الهند والمتصوفة (عربي21)

على الرغم من أن الهند تعتبر الدولة الثانية في العالم من حيث عدد المسلمين فيها بعد أندونيسيا، حيث تضم نحو مائتي مليون مسلم بنسبة 20% من سكان الهند، إلا أن أكثر من نصفهم يعيش تحت خط الفقر.

ومع أن الإسلام يعتبر ثاني أكبر ديانة في الهند، فإن المسلمين لا يمتلكون حزبا قويا مؤثرا في الحياة السياسية الهندية، ولا جماعات ضغط قادرة على التأثير في الواقع، وإن كان المسلمون تمكنوا من التأسيس لعدد من الجامعات والمؤسسات الثقافية والتربوية المنافسة في المجال التعليمي والديني.

في هذا الحوار، الذي أجرته "عربي21" مع رئيس الجامعة الإسلامية عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية في الهند الدكتور عبد السلام أحمد، تسليط للضوء على واقع المسلمين في الهند، وأهم الجماعات الناشطة فيها:  

س ـ لنبدأ بواقع المسلمين في الهند، كيف هو حال المسلمين في الهند؟

ـ يُعتبر المسلمون في الهند ثاني أكبر تجمع إسلامي في العالم بعد أندونيسيا، حيث يبلغ عددهم نحو 200 مليون نسمة، ويشكلون ما يقارب 20% من نسبة السكان في الهند. الحمد لله أوضاعهم من الناحية الدينية جيدة، على خلاف ظروفهم الإقتصادية التي يواجهون فيها بعض المشاكل، في الإقتصاد والتعليم وغيرها من المجالات الحياتية.

س ـ هل لنسبة المسلمين العددية ما يوازيها على مستوى التمثيل السياسي؟

ـ المسلمون على الرغم من أنهم يمثلون الأقلية الأولى بعد الهندوس، إلا أنهم في نهاية المطاف يتم التعامل معهم كأقلية، وأصواتهم ضئيلة كما أن مشاركتهم في الأحزاب السياسية ضعيفة. وكما هو معلوم فإن الأحزاب السياسية يهتمون بالعدد. فأغلبية الأحزاب هم من غير المسلمين وهم يهتمون بقضاياهم أكثر مما يهتمون بقضايا المسلمين.

س ـ هل للمسلمين أحزاب سياسية ناطقة باسمهم؟

ـ نعم للمسلمين في الهند أحزاب سياسية، وخصوصا عندنا في كيرلا، هناك رابطة المسلمين، وكذلك في حيدر أباد في ولاية تلنغانا هناك حزب للمسلمين، وأحزاب في مناطق أخرى، ولكن هذه الأحزاب كلها ليست قوية إلا في كيرلا، فإن رابطة المسلمين حزب قوي، وهم متحالفون مع حزب المؤتمر الوطني، وهناك في بعض الأوقات مسلمون يشاركون في الائتلاف الحكومي في كيرلا، لكن ليس هناك حزب قوي، يمثل المسلمين لعموم الهند.

وقبل نحو عامين أسست الجماعة الإسلامية حزبا سياسيا تحت اسم حزب الرفاه، وهو حزب حديث يطمح لتمثيل المسلمين في الحياة السياسية.

س ـ طيب، ماذا عن الجماعة الإسلامية في الهند؟

ـ الجماعة الإسلامية تعتبر واحدة من التيارات العاملة للإسلام في الهند، أسسها أبو الأعلى المودودي في عام 1941، وهي تمثل الإسلام الشمولي، وفي وقت التأسيس كان الإمام المودودي يركز على قضية المصطلحات الأربعة، وكتابه يشرح هذه الأصول والمبادئ الإسلامية وكان يركز على الجانب السياسي للإسلام، الذي كان مهملا يومها في أوساط المسلمين، وكان يتحدث عن الخلافة والسياسة في الإسلام كثيرا.

ولكن بعد تقسيم الهند، غادر أبو الأعلى المودوي الهند، واستقر في باكستان وأسس الجماعة الإسلامية فيها. وأُعيد تشكيل الجماعة الإسلامية في الهند بإمارة الشيخ أبوالليث الإصلاحي الندوي رحمه الله، والآن توجد الجماعة الإسلامية في جميع الولايات الهندية، ولها دار نشر وأعمال دعوية وسياسية وثقافية واجتماعية ودعوية، ولها مؤسسات تعليمية من دارس وجامعات ومدارس.

س ـ هل الجماعة الإسلامية حزب سياسي مرخص قانونيا؟

ـ الجماعة الإسلامية ليست حزبا سياسيا، وإنما هي جماعة دينية، ولا تحتاج إلى اعتراف من طرف الحكومة الهندية، لأن أي مواطن هندي له الحق أن يؤسس حزبا أو جماعة بشرط عدم مخالفة القوانين المعمول بها، والجماعة الإسلامية تعتبر جماعة دينية، ولكن حزب الرفاه يعتبر حزبا وطنيا، وليس دينيا، لأن الأحزاب السياسية عندنا تتأسس وفق أسس دستورية مثل العلمانية والديمقراطية، وحزب الرفاه تأسس على هذه الأسس.

س ـ تحدثت عن تمثل للجماعة الإسلامية في مختلف المحافظات الهندية، بينما تتحدث تقارير عن انقسام وتشتت مسلمي الهند، لماذا الانقسام أولا، وهل هناك مسعى لتوحيد الصف الإسلامي في الهند؟

 ـ للأسف، الساحة الإسلامية في الهند ليست واحدة، فهناك جماعات وأحزاب مختلفة، والجماعة الكبرى في الهند، هي "جمعية علماء الهند"، التي تعتبر من أكبر الجماعات الإسلامية في الهند، وهي تشرف على دار العلوم وعدد من المؤسسات الإسلامية الكبرى التي ينتمي لها عدد كبير من مسلمي الهند، وأغلب العلماء المسلمين في الهند متخرجين من جامعة دار العلوم هذه.

وهناك أيضا الطريقة البرالوية والمتصوفة، وكذلك هنالك السلفية المعروفة في جميع أنحاء العالم، والتي تركز على العقيدة، هذا بالإضافة إلى الجماعة الإسلامية.

س ـ ما هو موقع الجماعة الإسلامية ضمن هذه الفسيفساء الإسلامية؟

ـ تعتبر الجماعة الإسلامية هي الثالثة من حيث تمثيل المسلمين بعد البرالويين وجمعية العلماء، إلا أن جماعتنا تتميز عن باقي الجماعات بأنشطتها المنظمة وبوجودها في كامل المحافظات الهندية، حيث لا تخلو ولاية هندية واحدة من عمل الجماعة الإسلامية، أما جمعية العلماء، فهي ليست ممثلة في كل الولايات على الرغم من كبرها.

س ـ ما هي المرجعية الدينية لجمعية العلماء الممثل الأكبر لمسلمي الهند؟

ـ مرجعية جمعية العلماء هي مؤسسة دار العلوم ومزيج من البرالوية والسلفية، في بعض القضايا تميل إلى السلفية وفي أخرى تميل إلى البرالوية، وهم محافظون ولا يقبلون بأي تغير، ولا تهتم كثيرا بواقع المسلمين، وهي تميل سياسيا إلى حزب المؤتمر الوطني.

س ـ هل يعني غياب الرؤية السياسية لدى هذه الجماعات أنه يمكن توظيفهم سياسيا سواء من قبل أحزاب هندوسية أو حزب المؤتمر الوطني؟

 ـ الحكومة الحالية يديرها الحزب الهندوسي المتطرف، هؤلاء لا علاقة لهم بالجماعات المسلمة، لكن الحزب الهندوسي المتطرف يحاول أن يتعامل مع البرالويين والصوفيين، حتى أن رئيس الوزراء الهندي شارك في مؤتمرهم، وقال بأنهم يريدون أن يؤيدوا الصوفية في الهند، لذلك كما لو أن هناك تحالفا بين الهندوسية المتطرفة والتصوف، وهم يشجعونه (التصوف).

أما حزب المؤتمر الوطني، منذ الاستعمار البريطاني، جمعية العلماء تتعامل معه، وعلماء جمعية العلماء كانوا يتعاملون مع حزب المؤتمر الوطني.

أما الجماعة الإسلامية فهي شيء آخر، فكل الأحزاب تعرف أن للجماعة سياستها، وأعضاء الجماعة لا يعملون ضمن الأحزاب الهندية، وكانوا يتحدثون في أربعينات القرن الماضي عن عن الخلافة، لكن أفكارهم تطورت وأصبحت ناضجة، وأسست الجماعة حزبها تحت اسم "حزب الرفاه".

س ـ ماذا عن مرجعية الجماعة الإسلامية الفكرية والدينية؟

ـ الجماعة الإسلامية تنتمي إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين، لأنها نشأت في ذات الظروف والملابسات. فقد بدأ مؤسس الجماعة الإسلامية أبو الأعلى المودودي العمل في شبه القارة الهندية في العشرينيات لما بدأ الإمام الحسن البنا نشاطه في مصر، وطرحوا ذات الأفكار عن الوحدة الإسلامية والخلافة والإسلام الشمولي على ذات المرتكزات والمبادئ بدون تنسيق مسبق بينهما.

س ـ تعيش جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي ظروفا صعبة للغاية، هل أثر ذلك عليكم في الهند؟

 ـ الجماعة الإسلامية منذ بدايتها، ليست لها علاقات رسمية بحركات إسلامية خارج الهند وتتعامل مع الحركات الإسلامية بحذر، لأن ذلك يؤثر على أنشطتها بالنظر إلى بعض الحساسيات المتصلة بباكستان وبنغلاديش، لهذا السبب تؤكد الجماعة الإسلامية على استقلاليتها وعدم تبعيتها لأي جهة خارجية، لهذا السبب لا تتأثر الجماعة الإسلامية بما تواجهه الحركات الإسلامية في العالم العربي. 


لكن بالتأكيد فإن أي تأخر أو تقدم للحركات الإسلامية في العالم العربي يؤثر على باقي مكونات الصف الإسلامي في الهند وغيرها، لأن كل الناس يعرفون أن الجماعة الإسلامية هي في نهاية المطاف امتداد للإخوان المسلمين.

س ـ ما هي نسبة المسلمين الشيعة في الهند؟

ـ ليست هناك جماعات شيعية في الهند، لأن نسبة الشيعة قياسا إلى عدد مسلمي الهند قليلة جدا، ولا يزيد عددهم عن نسبة 2% من عدد مسلمي الهند، وليس لهم تكتل أو حزب مستقل. ووجودهم لا يؤثر على حياة المسلمين، على الرغم من ممارستهم لبعض الأنشطة والفعاليات.

س ـ هل يوجد أي تنسيق بينكم وبين الجماعة الإسلامية في باكستان؟

 ـ للأسف ليس بيننا وبينهم أي تواصل  رسمي على الرغم من أن خلفيتنا الإسلامية واحدة. فنحن جماعة إسلامية هندية خالصة. ومعروف أن الحكومة الهندية تعتبر الجماعة الإسلامية في باكستان جماعة معادية للهند في بعض القضايا، لذلك نفضل تجنب المشاكل بمثل هذه العلاقات الرسمية. وبالمناسبة هذا هو موقف أبو الأعلى المودودي، الذي ترك الخيار للجماعة الهندية في تقرير مواقفها.

س ـ المسلمون يمثلون وفق تقديراتك نحو 20% من سكان الهند، ومع ذلك ظروفهم الاقتصادية صعبة، لماذ؟

 ـ من الناحية الإقتصادية يعيش 55% من مسلمي الهند تحت خط الفقر، وأوضاعهم متخلفة جدا لأنهم مهمشون، فأكثرهم من العمال في المجالات اليدوية البسيطة، ومن تمكن منهم من الارتقاء إلى مصاف الأغنياء فسيواجه بمشاكل من طرف الحزب الهندوسي المتطرف.

التعليقات (0)