مقالات مختارة

في واشنطن.. الرهان دائما على المصالح وليس الأصدقاء!

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600
متى يتعلم العرب كيف يتعاملون مع السياسة الأمريكية بطريقة صحيحة، بدلا من الأوهام التي لا تستند إلى أساس؟!

مناسبة هذا السؤال هي اندهاش بعض الإخوة الخليجيين من الطريقة التي تتصرف بها دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، في قضية مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

الكاتب الصحفي عماد الدين أديب، كتب يوم الأحد الماضي في "الوطن"، مقالا عنوانه "في واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم"، وهو استخلاص صحيح. وسأحاول استكمال هذه الفكرة من زاوية مختلفة.

آلية صنع السياسة الأمريكية ثابتة تقريبا منذ عقود، والمحزن أن طريقة التفكير العربية الرسمية ثابتة أيضا منذ عقود.

صنع القرار في أمريكا يشبه عمارة ضخمة، من أدوار عدة متكاملة، كل دور فيها تشغله إدارة، هناك دور للبيت الأبيض، وآخر للخارجية، وثالث لأجهزة المخابرات، ورابع للكونغرس، وخامس لمركز البحث والفكر، وسادس للمجمع العسكري، وسابع لوسائل الإعلام والمجتمع المدني. القرار النهائي هو حاصل جمع كل هؤلاء.

قد تكون هناك جهة لها دور أكبر في قرار ما، لكن في النهاية هناك توازنات دقيقة، تمنع أن تتفرد جهة واحدة باتخاذ القرار على طول الخط، وإذا حاولت ذلك أو أصرت كما يريد ترامب مثلا هذه الأيام، تتنمر له بقية الجهات لتعيد التوازن مرة أخرى. الخبراء يقولون إنه لهذا السبب، فإن اتخاذ القرار أو العدول عنه شديد البطء ويشبه حركة الفيل.

العكس تماما في صناعة القرار في غالبية العواصم العربية. القرار في الغالب يتخذه بضعة أشخاص، وأحيانا شخص واحد، وحسب الحالة المزاجية المسيطرة عليه لحظة اتخاذ القرار. صناعة القرار في أمريكا تقوم في النهاية على مصلحة بلدهم أو مصلحة المسؤول المهنية، بالتالي فمن المنطقي أنها لا تقوم على أساس الصداقة أو المعرفة أو الاستلطاف.

العكس أيضا موجود في عواصم كثيرة في منطقتنا. المسؤول يجلس بجوار نظيره الأمريكي في جلسات المباحثات أو حتى الدردشة، ويسمع منه كلمات دبلوماسية بروتوكولية منمقة، هو يخرج بانطباع زائف بأن المسؤول الأمريكي أو حتى الأوروبي قد وقع في غرام وحكمة وعظمة فخامته. 

والأخطر أنه يبدأ في عمل حساباته على أساس أن له صديقا وحليفا كبيرا في هذه الإدارة. يزيد الأمر سوءا حينما يصدر الدبلوماسيون الأمريكيون انطباعات معينة لبعض الحكام العرب، في اتخاذ قرارات معينة، مثلما حدث حينما التقت السفيرة الأمريكية في العراق أبريل غلاسبي، مع صدام حسين عام 1990، وأوحت إليه بأن بلادها لا تعارض غزوه للكويت. 

وكلنا يعلم أن هذه النصيحة المفخخة كانت البداية لكل المصائب التي حلت بالعراق الشقيق، ثم سائر عموم المنطقة.

لكن العامل الأهم والفارق الكبير بين اتخاذ القرار الأمريكي ونظيره العربي، هو الديمقراطية والتعددية. 

المسؤول الأمريكي يعرف تماما أنه سيحاسب حسابا عسيرا، إذا اتخذ قرارا خاطئا، والمسؤول العربي يعرف أنه حر التصرف في اتخاذ ما يشاء من قرارات، حتى لو كان بعضها مأساويا.

السؤال هل نلوم المسؤولين الأمريكيين لأنهم يتخذون القرارات على أساس مصالح بلادهم العليا، ومصالح مناصبهم أيضا، أم نلوم أولئك الذين يتصرفون على أساس مزاجي بحت في قراراتهم؟!

الأمر المحزن هو أن غالبية المسؤولين العرب لا يريدون أن يتوقفوا عن ارتكاب الخطأ ذاته للمرة المليون، ويكررون مأساة سيزيف الإغريقي، وهو يحمل الصخرة صاعدا إلى أعلى التل، فتقع منه، وتتكرر لعنته الأبدية!

حينما تقع المأساة، فإن الذي يدفع الثمن هو الشعوب العربية، فما يهم الولايات المتحدة في المقام الأول هو مصالحها. هي توقع الصفقات مع أي مسؤول لكي تؤيد استمراره، باعتباره ليس منتخبا شعبيا.

وحينما يتعثر أو يتخذ قرارا كارثيا، فإنه مضطر لدفع أثمان باهظة اقتصادية وسياسية وعسكرية وربما استراتيجية من أجل كسب رضاء القوة العظمى، لتؤيد استمراره.

السؤال: كيف نخرج من هذا المأزق؟

الحل الوحيد أن يعتمد أي حاكم على شعبه أولا، وأن يوسع دائرة مستشاريه، ويضمن أكبر نسبة توافق داخل بلده. إذا حدث ذلك، فلن يكون سنده في هذه الحالة واشنطن أو لندن أو موسكو أو أي عاصمة كبرى أو صغرى. 

وقتها سيندر أن يتم اتخاذ قرار خاطئ، ناهيك عن قرار كارثي. وإلى أن يحدث ذلك، فسوف نظل ندور كعرب في الحلقة المفرغة.

(عن صحيفة الشروق المصرية)
التعليقات (0)