قضايا وآراء

الفصل بين الدعوي والسياسي.. ما حقيقته؟

عطية عدلان
1300x600
1300x600
هل نحن نواجه معضلة عندما نتحدث عن الفصل بين الدعوي والسياسي؟ وهل المسألة معقدة في أصلها إلى الحدّ الذي يجعل الخلق يحارون ويمارون كأنهم يعالجون قضية ميتافيزيقية لا شاهد عليها من الواقع ولا برهان؟ أعتقد أنَّ الأمر ليس على هذا النحو البتة، وأتصور أنّ المشكلة نشأت من التلبيس والتدليس الذي يُمَارَس بصورة جماعية؛ من أجل تمرير المشروع الكبير الخطير الذي يمثل ردَّة كاملة عن أحد - بل عن أكبر - الثوابت المحورية للحركة الإسلامية المعاصرة، والذي ظلت الحركة مستمسكة به معتصمة بمتنه منذ ولادتها في أوائل القرن المنصرم إلى وقتنا هذا.

وفك الاشتباك وفض الارتباك يكون بالإجابة على هذا السؤال الذي يمثل المدخل الوحيد الآمن إلى الحقيقة: ماذا تقصدون بالفصل هذا؟ أهو فصل إداريّ من قبيل توزيع التخصصات والأدوار؟ أم هو فصل بين المجالين وتمييز بين الفضائين؛ يجعل المسار السياسي والحزبيّ بمنأى عن رؤية الحركة الإسلامية في التغيير وفي التمكين للإسلام وفي إقامة المجتمع المسلم، وبمعزل عن حزمة الأهداف والاستراتيجيات والقيم والمبادئ التي قامت عليها، والتي تكونت ونمت مرتبطة بعقيدة الأمة وشريعتها؟ فإن كان الأول، فلا إشكال من حيث الأصل يستدعي هذه الضجة الكبرى، وإن كان الثاني، فهي علمنة صريحة وفجة لا تواريها ضجة مهما كبرت واتسع نطاقها.

إنَّ الفصل الإداريّ بين العمل السياسيّ والعمل الدعويّ قضية بديهية لا يخالف فيها عاقل، ولا تحتاج أكثر من إجراءات داخلية تحت سقف الحركة، ولا تستدعي إقامة ندوات ولا مؤتمرات ولا ذهاب ولا إياب، وقد كانت موجودة في الصدر الأول في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة بدون تكلف ولا ضجيج. فباستثناء الأفذاذ الكبار أمثال الخلفاء الأربعة، لم يكن هناك خلط قط بين التخصصات المختلفة ولا بين المواهب المتعددة، فلم يكون أبو هريرة وجابر ومعاذ وزيد وأمثالهم من العلماء يمارسون السياسة ولا قيادة الجيوش، ولم يكن خالد وشرحبيل وعمرو وأمثالهم يقحمون أنفسهم في ميدان العلم رواية أو دراية، بل إنَّ التخصصات داخل مجال العلم والدعوة كانت قائمة. فالنبيّ صلى الله عليه وسلم فرّق بين الراوية والفقيه، وألزم الراوية المحدث أن يبلغ ما سمع دون تدخل فيه بتأويل؛ لأنه سيصل إلى من يبرع في فقهه وفهم مراميه، فقال: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ".. "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ".. وذهب في التخصصية إلى مدى أبعد فقال: "... وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ...".

وحتى في الواقع المعاصر، ميزت الحركة الإسلامية في كثير من الأحوال بين التخصصين تمييزا إدارياً بدرجة جيدة يمكن البناء عليها، فالسياسيون أمثال الرئيس محمد مرسي ووزراؤه وأغلب البرلمانيين والحزبيين؛ لم يقحموا أنفسهم في المجال الشرعي أو الدعوي، والشرعيون من الأزهريين وغيرهم لم يكن لهم نشاط سياسيّ إلا في القليل النادر. فالمسألة في هذه الحدود بسيطة ولا تحتاج إلى إقامة الدنيا في مشارق بلاد العرب والعجم ومغاربها، فمن أراد أن يصنع هذا لن يمنعه أحد ولن يجادله أحد، ولن يضطر إلى عقد الندوات وإثارة المساجلات، لكن الحقيقة فيما يبدو خلاف ذلك.

وليس صحيحا أنَّ السياسة نجاسة ينبغي أن يتطهر منها ثوب الفقيه ويترفع عنها رداء الداعية والواعظ، ولو كانت السياسة في نظر الإسلام رجساً لوجب على كل مكلف في الأمة اجتنابها، فليس في التكليف فرق بين داعية ومدعو، ولو كانت دنساً لكان محمد وصحبه أول المجانبين لها المباعدين لحماها، وإنَّما السياسة ترويض للأوضاع بما يجعلها أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وهو منطلق شرعيّ من صميم الدين الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وقد كان يمارسها الأنبياء ومن بعدهم الخلفاء، ففي الحديث المتفق عليه: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ"، أمَّا الرجس والنجس والدنس فهو ما يمارس باسم السياسة من أقوام لا خلاق لهم، ولا صلاح للعالم إلا بإقصائهم أو تقليص دورهم وتحجيم شرهم.

وليس صحيحاً كذلك أنَّ السياسة كلها متغيرات بإطلاق، فليست كلها متغيرات، وليس المتغير فيها متغيراً بإطلاق، وإنّما السياسة في نظر الشريعة ميدان فيه ثوابت ومحكمات ومبادئ راسية، وفيه إلى جانب ذلك متغيرات، فمن قبيل الثوابت الوفاء بالعقود والعهود إلى الحدّ الذي لا يسمح للدولة المسلمة أن تتذرع بهاجس الغدر من الطرف الآخر لتبادر إلى الغدر به: "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ" (الأنفال: 58)، "وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النحل: 94).

والمتغيرات في ميدان السياسة، وإن كانت هي الأغلب ليست متغيرات بالمعنى المطلق، وإنما هي متغيرات في مساحات المصالح المشروعة أو المصالح القريبة منها، وهي ما تسمى بالمرسلة، أو في دوائر الرخصة التي تبيح في حال الاضطرار ما لا يباح في حال الاختيار، وكلها مساحات تحت سلطان الشريعة على وجه العموم، وإن لم يرد نص في كل مفردة منها. وليس مرخصاً للسياسيّ أن يطل برأسه خارج هذه المساحات، ولو ظنّ أنَّه بذلك ينصر الإسلام أو يخدم المجتمع المسلم؛ لأنّ الدولة في الإسلام دولة "مبدئية" أو دولة مبادئ قبل كل شيء.

أمَّا القياس على التجربة التركية فهو قياس مع الفارق؛ لأنَّه مما يجوز في حال الاضطرار والاقتهار وانسداد الأفق أن تنهض مجموعة من المسلمين لتأسيس حزب في دولة علمانية، فيسعى إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه من المصالح المشروعة ودفع ما يمكن دفعه من المفاسد الممنوعة، ويمهد السبيل لحريات حقيقية يراهن عليها أهل الحق، وذلك دون أن يؤصل عمله هذا بضرورة الفصل بين الدعوي والسياسي، ودون أن يزور في أحكام الشريعة وثوابت الدين، ودون أن يصادر على العمل الإسلامي.. فهذا جائز لمن فعله بشروط، منها أن يفعل هذا مستصحباً حال الضرورة والإكراه، ومستأنساً ومسترشداً بقواعد السياسة الشرعية العامة المبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد، وأن تقدر الضرورة بقدرها، فلا يتوسع في التصريحات التي تكرس للباطل وتوطن للمخالفات الشرعية.

ومن التلبيس والتدليس أن يقال إنّ الحزب يختلف في هذا عن الدولة، وإن الحزبي يختلف عن السياسي؛ لأنَّ الحزب حزب سياسيّ، يمارس السياسة من أجل إقامة الحكم في الدولة وفق رؤيته ومنهجيته ومبادئه، وبغير هذا لا يسمى حزبا سياسيا من الأصل، ومنه كذلك استبدال كلمة فصل بكلمة تمييز، فهو تلاعب بالألفاظ وحسب. والحقيقة أن التمييز بين الدعوي والسياسي أو الحزبي هو في جوهره ومضمونه ومآله فصل بين الدين والدولة، وهذا ما لا يمكن أن يقبله فكر ينسب نفسه للإسلام.

وأخيرا، فليس هناك شك في صلاح نيات القوم وحسن مقاصدهم، لكن يبقى أن النية وحدها لا يقوم به مشروع، ولا يناط بها تغيير، والأمة بحاجة إلى رؤية واضحة منبثقة من عقيدتها وشريعتها، وإلى مشروع واضح يفرق بين حال الرخصة وحال العزيمة، ويعبر بالأمة عبر مراحل بارزة الخطوط إلى حيث رسمت لنفسها مهتدية بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
التعليقات (5)
محمد آل شرقي
الأحد، 23-12-2018 05:52 م
الكرام بموقع عربي 21 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أود الإستفادة من موقعكم المتميز الذي يحتفي بالكلمة الحرة ويضعها في موضعها في نشر بعض المقالات . لدى مقالات عديدة في موضوعات مختلفة ، يغلب على كتاباتي الرؤية الإسلامية . الاسم : محمد ال شرقي البريد الالكتروني: mohamed.alshaarqi@gmail .com حاولت التواصل معكم عبر بوابة ( تواصل معنا) ولكن رسالتي لم تقبل ، وقد أرسلت المقالة التي تتألف من جزئين كتعليق على مقالة الدكتور عطية عدلان . وانا أطمع أن يتم المقالة في باب المقالات . مع كل الشكروالتقدير . محمد آل شرقي أرجو التواصل معي لبيان طريقة التواصل معكم وشروطكم لنشر المقالات .
محمد آل شرقي
الأحد، 23-12-2018 04:58 م
الديني والسياسي ... وحدة مسار أم صراع أضداد ( 2 ) ؟ محمد آل شرقي ـ لابأس من النظر والتدقيق في فكرة الفصل بين الدعوي والسياسي في نطاق عمل الفصائل الإسلامية ومن ثم الجدل حولها طالما أن المسألة تتعلق بطبيعة العمل السياسي وطبيعة الواقع الموضوعي الذي يشكل ميدان النشاط والحركة وفي النهاية تترك آثارها على شكل المسار الذي التزمت به الحركة منذ النشأة . هذه المسألة يمكن البحث فيها في ضوء التجارب والخبرات التي تجمعت لدى الاتجاه الذي يركز إلى حد بعيد على مراجعة وتقييم تجربة العمل الإسلامي الميداني من حيث الأصول والقواعد التي تستند إليها ، ومن حيث إنعكاس كل ذلك على بنية العمل وجريانه في الواقع ، من أجل إكتشاف مواضع الأقدام وتحقيق المزيد من الفاعلية وسلامة الموقف والمسار. التقدم في هذا المسار في ظل الأوضاع السائدة في الواقع الملتبس مشكوك فيه إلى حد بعيد ، وهذا يتطلب الحرص والاحتراز هنا حتى لا يكون هذا التحول مجرد استجابة لضغوط خارجية تهدف إلى حرف العمل الإسلامي عن مساره ، ولا بأس في ظل الشروط والمقدمات الموضوعية التي يمكن أن يكون لها إرتباط بهذه المسألة من النظر فيه بشكل متعمق و طرحه للنقاش بشكل واسع بحيث يتم الإستفادة من كل من لديه رؤية يعتد بها أعتقد أن الأمر سيكون مفيدا إذا طرحنا المسألة للحوار بين أهل الدار أولا من أجل الوصول للمزيد من المعرفة والمزيد من الكشف عن الجوانب الخفية في هذه المسألة ، فممارسة النشاط السياسي بالنسبة للإسلاميين يشكل دائما معضلة شديدة التعقيد ، وأى رؤية جديدة في هذا المسار يجب أن يتم دراستها من كل الزوايا قبل اتخاذ أى موقف عملي بشكل متعجل ، والسؤال المهم هنا هو كيف نتأكد أن هذه الخطوة يمكن أن تكون دعما للرصيد الإيجابي للعمل الإسلامي ؟ وكيف ستساهم هذه الخطوة الجديدة في تقليل المخاطر المحدقة بالعمل ، وهل يمكن لهذا التغيير أن يكبل الحركة بالمزيد من القيود والصعوبات والتعقيدات الغير متوقعة التي يمكن أن تباعد بينها وبين أهدافها . وإذا كانت هناك ثمة حاجة للمراجعة، فإن أول ما يجب أن يتم إعادة النظر فيه هو السياق العام للفضاء السياسي بكل مكوناته وتعقيداته وفاعلياته ، ثم النظر والتدقيق في طبيعة الحراك الملائم للوضع السياسي على الأرض ، من هنا تتأكد مشروعية إعادة النظر حول الجدوى الحقيقية لممارسة العمل السياسي في ظل ظروف عدم التأكد الذي يعتبر النمط السائد في الواقع السياسي الذي تعد الحركة الإسلامية جزءا منه ، فإذا ثبت بالدليل والبرهان الواقعي عدم جدوى ممارسة النشاط السياسي في ظل هذه الظروف والأوضاع فإن على الحركة الإسلامية أن تعيد النظر في مجمل المسألة لتخرج باجتهادات جديدة تمكنها من الاستمرار في العمل بنمط جديد يؤدي يحقق الأهداف ولو في مدى زمني أطول . السؤال المحوري هنا هو، ما الهدف من طرح مسألة الفصل بين العمل الدعوي والسياسي ؟ في الوقت الذي تتعرض فيه الحركة الإسلامية بكل فصائلها للتضييق والحصار بين قوسين مغلقين ، والفصيل الذي يحاول أن يركز على ممارسة العمل السياسي على استحياء وبشيء من الإحترافية يتلقى الصدمة بعد الصدمة بشكل متكرر كى يتم إخراجها من الميدان تماما ، أين المجال السياسي الذي يراد من الحركة الإسلامية أن تغير من ميكانزماتها وجهودها الدعوية لتلتحق به ، فالحركة الإسلامية في الحقيقة مستبعدة تماما من ممارسة العمل السياسي بالشكل الذي يجب أن يتم سواء تم الفصل بين المسار الدعوي والمسار السياسي أو لم يتم . الحقيقة أن ممارسة النشاط السياسي في بلادنا من قبل أى فصيل سوف يتعرض لوضع العراقيل أمامه ومن ثم محاصرته وإفشاله ، فالبيئة السياسية تحت الوصاية والسيطرة التامة من قبل القوى المتنفذة ، ويتم العمل على التحكم فيها بصورة شاملة من أجل قطع الطريق أمام أى إحتمال يؤدي للتغيير عبر النشاط السياسي ،من هنا أعتقد أن الدعوة بصوت عال نحو عملية الفصل بين الديني والدعوي هو شكل من أشكال التشويش من أجل إرباك مسعى أى فصيل يحاول المشاركة في العمل السياسي ، وهذا التوجه يستهدف في النهاية فرض نوع من التكيف الجبري على الفاعلين السياسيين مع الأوضاع القائمة وعدم التفكير في ممارسة أى نوع من المزاحمة السياسية من قبل قوى المعارضة . لا إشكالية في الفصل بين الحزب السياسي المنبثق من الكيان الأم الذي يتبنى المرجعية الإسلامية بكل شمولها وامتداداتها ، إذا تم ذلك على أساس وظيفي ، بمعنى أن يتفرغ هذا الفريق لممارسة العمل السياسي ضمن الشروط الموضوعية الفنية والمعيارية المطلوبة للعمل ، و دون أن يعني ذلك التخلي عن المرجعية ، والحقيقة أن التخلي عن المرجعية يشكل معضلة سوف تؤدي في النهاية إلى فصل العمل الإسلامي في المجال السياسي عن الجذور والمنابع التي يستمد منهما طابعه المتميز، وإذا حدث هذا سوف يؤدي في النهاية التناقض مع الإتجاه العام الذي يستند على المرجعية الإسلامية والاتجاه الفرعي الذي يراد منه العمل بدون الإلتزام بالمرجعية الأم . على الجميع أن يعي أن الحزب ذو المرجعية الإسلامية يتشكل ويتأسس على خلفية المرجعية الإسلامية. ويعمل على طرح برنامجه السياسي الذي لا يمكن أن يتعارض مع أصول ومقتضيات المرجعية الإسلامية فهو حزب إيديولوجي بالدرجة الاولى ولا يستطيع أن يكون إلا كذلك .
محمد آل شرقي ـ . أرجو نشر المقالة على أن اتابع أرسال المتوفر الدى من المقالات بعد موفقتكم الكريمة
الأربعاء، 19-12-2018 09:42 ص
الديني والسياسي ... وحدة مسار أم صراع أضداد ( 1 )؟ محمد آل شرقي ـ فكرة الفصل بين الديني والسياسي بالشكل الذي يحلم به بعض المناوئين مسألة غير واردة بالمرة في فضاء الثقافة الإسلامية ، فكيف يمكن تحقيق الفصل العضوي بين الأصل والفرع ، وبين القاعدة العامة وما ينضوي تحتها من فرعيات ، هذا غير معقول وغير مقبول ، فالدين في الرؤية الإسلامية أصل ، بينما كل الأعمال والأنشطة التي نمارسها في عداد الفرع ، ويمكن القول كلمة واحدة بعدم شرعية وعدم جدوى الفصل بين الديني والسياسي بالمعنى الذي يتبادر للذهن بمجرد ورود كلمة الفصل ، وعلى قاعدة أن يصبح فضاء النشاط السياسي معزول عن الفضاء الديني ومغاير له والحقيقة أن مسألة الفصل بين الديني والسياسي ليست فكرة إسلامية ناتجة عن بحث ودراسة ونظر حول الحاجة المنهجية للذهاب نحو استحداث نوع من الفصل المبرر الذي تدعو الحاجة إليه لأسباب موضوعية من أجل تحقيق أهداف تتعلق بالعمل والنشاط الإسلامي نفسه ولحتميات تتعلق بالحاجة والضرورة . فكرة الفصل التقطتها بعض التيارات المناوئة وعملت على تضخيمها و طرحها بشكل متكررمن أجل إحداث حالة من الارتباك والتشويش في الوسط الإسلامي ، خاصة بين البسطاء الذين ليس لديهم المعرفة الكافية بما يخطط لهم في الواقع لضرب وتحجيم الحراك الإسلامي ، وأيضا لإحداث نوع من التأثير على مستوى الحراك والنشاط والدفع به نحو مسالك غامضة ، وفي الحقيقة تلك محاولات ماكرة لإرباك المسلمين ووضعهم في زاوية الدفاع عن النفس و حشرهم في زاوية ضيقة وفرض نوع من التشويش على الفكرة الإسلامية وحصر الإسلاميين في دائرة النشاط السياسي الضيق المفصول عن الجذور بعيدا عن شروط ومحددات الشريعة الإسلامية في ممارسة أى نشاط عام الفصل بين الدين ومناشط الحياة هو أساس وجذر الفكرة أو الأيديولوجية العلمانية ، وبطبيعة الحال سيكون الفصل بين الديني والسياسي هدف علماني استراتيجي ثابت يعمل على تعزيز فكرة عزل الدين عن ميدان النشاط السياسي ، فدخول عنصر الدين على الساحة السياسية يربك حساباتهم ويقلل فرصتهم في تحقيق أى شئ يعتد به في الواقع السياسي ، ورغم أن العلمانيين يعملون تحت اللافتات التي يختارونها بكل حرية دون أن يتعرض لهم أحد ، في الوقت الذي يغضبون ويسخطون ويلعنون كل من يريد العمل تحت مظلة الإسلام وتحت أنظار الجميع وضمن الشروط المعمول بها في الدول الديمقراطية العريقة وضمن الفضاء الديمقراطي الذي يفتح الأبواب للجميع ، حتى يتمكن كل فصيل ممارسة نشاطه في إطار الرؤية الكلية التي يتبناها ، وبالرغم من العداء الأبدي على مستوى الإيديولوجية والرؤية و الخيارات والتوجه بين الإتجاه الإسلامي والعلماني ، إلا أن الإسلاميين أظهروا نوع من التفهم في التعامل والتعاطي مع العلمانيين في ميدان العمل السياسي ، ومع ذلك يحاول هؤلاء جر التيار الإسلامي والدفع بهم بعيدا عن ساحة التأثير، بالرغم من أن قواعد العمل وأعرافه المعلنة تعتبر الأقرب إليهم ، وبالرغم من أن الإسلاميين قد بلعوا الطعم السياسي بنكهة الديمقراطية الخالصة النقية من كل شبهة ، ورغم ذلك يتشكك العلمانيون في نواياهم ويتعملون معهم وكأنهم كائنات غريبة جاءت من كوكب آخر . المرجعية الدينية لدينا نحن المسلمون تشكل العمق الوجودي الذي لايمكن أن ننفصل عنه مطلقا لأى سبب وتحت أي ظرف أو مبرر ، وهي تشكل في الأخير الهوية الجامعة والمخزون الثقافي والمعرفي والسلوكي للأمة ، والجماعة المسلمة في كل وقت وفي كل مكان . والسياسة ميدان النشاط المتعلق بإدارة وتسيير الشأن العام وتهيئة الفضاء الذي يتيح للناس التفاعل الحر وممارسة العلاقات بين قوى وفعاليات المجتمع على كل المستويات لتحقيق المصالح الخاصة والمساهمة في دعم وتعزيز الاتجاه العام الذي يتشكل وفق رؤية الأكثرية ، وكما هو واضح وفق هذه الرؤية أن الإلتزام بالمرجعية الدينية هدف كلي ومصيري لا يمكن التخلي عنه مطلقا ، أما السياسة تعتبر نشاط فرعي ووسيلة لإدارة وتنظيم الشأن العام وفق شروط ومحددات دستورية وقانونية ، وتهدف في النهاية نحو بناء كيان كفء قادر على إدارة النشاط السياسي والمحافظة على العلاقات بين عناصر وفعاليات المجتمع على قاعدة العدالة وتكافؤ الفرص وتعزيز المصلحة العامة . يجب أن يكون واضحا بأنه من غير ممكن عمليا وواقعيا الفصل بين الديني والسياسي في مجتمع يدين غالبية سكانه بالإسلام ، وأى نوع أو مستوى او نمط من الفصل سوف يعانى حالة من حالات و الارتداد والنكوص وإذكاء حالة من التوتر والإنفعال الغاضب الذي لن يهدأ .
متفائل
الأربعاء، 12-12-2018 06:57 م
بدأ الكاتب حديثه ، فانطلق من الحركة الإسلامية ، و أرجع المشكلة إلى بدايات القرن العشرين ، وإن دل هذا فإنما يدل أن المشكلة ولدت من رحم الفكر الإسلامي ضمن ما سماه الحركة الإسلامية المعاصرة ، و حينما نركز جيدا في كلام الكاتب سوف نستخلص ما يفيد ، وإن لم يصرح بذلك مباشرة ربط ما رآه معضلة بحركة الإخوان المسلمين التي قاربت قبل غيرها المعترك السياسي ، بمعنى قاربت مساحة كانت إلى حد بعيد مقتصرة على اهتمامات الحكام ، وقد اتضحت الصورة أكثر بداية بأيام نشاط الضباط الأحرار داخل حدود مصر وعلاقاتهم بالإخوان المسلمين ، وما تبع ذلك من آثار ، كما أن الكاتب انتقل من الدعوي مباشرة إلى السياسة من دون أن يحدد طبيعة النشاط الدعوي عينا و كفاية ، و حتى بخصوص السياسة فإنه قفز بسرعة ملفتة من دون أن يكشف عن محاور و معالم السياسة التي يقصدها ، و حتى بالنسبة للأحاديث النبوية التي ذكرها ومنها : "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِع" " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيه" فلا علاقة لها بالموضوع أي العلاقة بين الدعوي والسياسي ، و قد ذكرها من دون تعليل . و كذلك ما استشهد به من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "... وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَل..." فإن إمكانية و جود هثل هؤلاء ضمن أعضاء مجلس الشورى أو النواب لا يتوقف على جودة قراءة أحدهم لكتاب الله أو علم الثاني بالفرائض أو علم الثالث بالحلال والحرام ، و إنما هي كفاءات يحتاجها المجتمع داخل و خارج مثل هذه المجالس . و الدليل على غموض السؤال عند الكاتب قوله : " وحتى في الواقع المعاصر، ميزت الحركة الإسلامية في كثير من الأحوال بين التخصصين تمييزا إدارياً بدرجة جيدة يمكن البناء عليها " . وكان الأحرى أن يأتينا بنموذج على مستوى دولة من الدول الإسلامية و يقيس عليه ، إن التجربة المتصلة بالرئيس محمد مرسي ولدت ميتة بسبب الجرم الذي ارتكبه الاستبداد ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال البناء عليها أو القياس على أساسها . وليعلم الكاتب أن المشكلة ليست في الشريعة الإسلامية ، بل هي مشكلة الفكر الإسلامي المتصل بالحركة الإسلامية المعاصرة .كما أنبه الكاتب أن أخطر العلمانيين هم بعض الإسلاميين من خاويي العقل والروح الذين أساءوا أكثر مما أحسنوا للمسلمين ، ولا أعمم . أما التجربة التركية فهي النموذج الذي فيه الكثير من العبر والمعاني الحية على مقاربة إدارة شؤون الناس وإصلاح أحوالهم ، وليس استثناء ، يمكن تجاوزه بمثل الجمل التي ساقها كاتبنا العزيز . و ليعلم الكاتب أنه ، لم يحدث أن اختلط الأمر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام بخصوص هذا السؤال ، ببساطة لأن الحاكم لم يكن ينظر للناس داخل حدود مجتمعهم وكيانهم السياسي ، إلى عامل الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو الانتماء ، الجميع سواء أمام الدستور ، ؟ والناس أحرار في اختيار من يحكمهم . وليس هناك شك في صلاح نية الكاتب و حسن مقصده ، لكن يبقى أن النية وحدها غير كافية لمقاربة مثل هذه المشكلة من غير سياق مناسب ولا زاد معرفي شاف، والأمة في أمس الحاجة إلى رؤية سننية كلية متوازنة .
مصري جدا
الأربعاء، 12-12-2018 03:05 ص
من الطبيعي اختلاف وجهات النظر والآراء في أي موضوع دنيا كان او دين ،،، لكن ليس هذا هو الموضوع ،،، هل كانت مشكلة الحركة الإسلامية وفي القلب منها الإخوان هي الدعوي والسياسي ،،، لا لم تكن هذه ،،، إنما كانت المشكلة هي حالة الجمود والتكلس التي وصلت لها الحركة الإسلامية وفي المقدمة الإخوان لاعتبارات وأسباب كثيرة ،،، وكان من تداعيات هذا الجمود وهذا التكلس سوء تقدير المواقف والتورط في حكم مصر في مرحلة عدم جاهزية الإخوان ،، بغياب المعلومات وقلة الكفاءات انكماش العلاقات ،،،، وعدم جاهزية الشعب الذي تعجل المطالب ولم يصبر لشهور رغم صبره 30 سنة على حسني مبارك ،،، وعدم جاهزية النخبة التي قتلت المسار الديمقراطي الوليد ،، هذا فضلا عن عدم جاهزية المناخ الإقليمي والدولي ،،، فلا تشغلونابالدعوي والسياسي فقد ماتت السياسية وتوقفت الدعوة ،،،