سياسة عربية

50 عاما.. هكذا أصبح "معرض الكتاب" مرآة لوضع مصر السياسي

الدورة الـ37 للمعرض في 2005 كانت المؤشر الأهم على وصول الحياة السياسية والاجتماعية في مصر إلى حالة احتقان حاد- جيتي
الدورة الـ37 للمعرض في 2005 كانت المؤشر الأهم على وصول الحياة السياسية والاجتماعية في مصر إلى حالة احتقان حاد- جيتي

عشية انطلاق دورته الخمسين، يستعد معرض القاهرة الدولي للكتاب للاحتفال بـ"اليوبيل الذهبي"، مخلفا وراءه نحو نصف قرن من محاولات التقرب من السلطة والشعب. 

والأربعاء، تنطلق الدورة الـ50 للمعرض، في فعاليات تتواصل حتى الخامس من فبراير/شباط المقبل. 

ووفق مراقبين، يعد المعرض، رغم التحولات الحادة في تاريخه الذي بدأ عام 1969، الحدث الثقافي الأبرز والأعرق في الشرق الأوسط، والفعالية الأكثر جماهيرية بمصر. 


ويعتبر أيضا منبرا لإظهار الدعم للسلطة، وشهد قرابة 4.5 مليون زائر في آخر دوراته المنعقدة مطلع 2018.

ومعرض هذا العام يقام لأول مرة في مقر جديد يبعد عن القاهرة بنحو 30 كم، بالتوازي مع لجوء أغلب تجار "سوق الأزبكية"، أبرز أسواق الكتب التاريخية في مصر، والشهير بأسعاره المخفضة، إلى إقامة مهرجان للكتاب وسط العاصمة.

وتعتبر إقامة معرض منفصل عن معرض القاهرة، سابقة من نوعها، ويسعى من خلالها تجار السوق المذكورة إلى الاستفادة من حجم الإقبال الكبير الذي شهده جناحهم بالمعرض الدولي. 


وبرر تجار سوق الأزبكية، في بيان سابق، لجوئهم تنظيم مهرجانهم، لأول مرة، بارتفاع أسعار الاشتراك في المعرض إلى 1200 جنيه مصري (ما يعادل نحو 67 دولارا)، أي بزيادة فاقت الـ10 بالمائة، مقارنة بالعام الماضي.

بينما تقول السلطات المصرية إن هناك تجارا من سوق الأزبكية مشاركون في المعرض رغم هذه الأزمة. 

 

اقرأ أيضا: هل أساء "لا تظلموا الملبن" لمعرض الكتاب والمرأة المصرية؟

استئناس المثقفين 

وفي عام 1969، أنشئ معرض القاهرة الدولي للكتاب، بقرار من وزير الثقافة حينها، ثروت عكاشة.

ولم يقتصر دور المعرض على عرض الكتب في فروع المعرفة المختلفة، من مصر والدول العربية والأجنبية المشاركة، بل تحول إلى مناسبة ثقافية كبرى يشترك فيها كبار رواد الفكر والأدب والفن عن طريق تنظيم ملتقى فكري وثقافي. 


ومنذ تأسيسه حتى عام 1983، أقيم المعرض بأرض المعارض الدولية بالجزيرة (مقر دار الأوبرا المصرية حاليًا وسط القاهرة)، قبل أن ينتقل، في 1984، إلى أرض المعارض الدولية بمدينة نصر (القاهرة). 

 

ومنذ انطلاق دورته الأولي حتى عام 1980، كان المعرض يمر هادئا ولا يتجاوز دوره كاحتفالية ثقافية، إلا أن الدورة الرابعة عشرة المقامة عام 1981، برئاسة الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور (1931-1981)، فجرت جدلا كبيرا. 


وقتها، استضاف المعرض إسرائيل بأمر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1918-1981)، وثار المثقفون واحتشد جمهور المعرض رفضا للتطبيع الثقافي، وتم اقتحام الجناح الخاص بإسرائيل وإحراق علمها. 


وتوقفت مشاركة إسرائيل 4 دورات قبل أن تعود مرة أخرى بجناح صغير عام 1985، واستمر حتى 1987 ليمنع تماما بقرار أمني في الدورات التالية. 


وتقربت السلطة أكثر بالثقافة للشعب، وافتتح الرئيس الأسبق، حسني مبارك، المعرض؛ حيث زاد نشاط الندوات والأنشطة الثقافية والمعارض الفنية بدءًا من عام 1986، حيث كانت تُعقد ندوة تستمر لساعتين عقب الافتتاح، ويحضرها مثقفو مصر. 


وشملت مناظرات المعرض كافة الاتجاهات السياسية بمصر من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين؛ فتحدث فيها ماركسيون ويساريون وناصريون ووفديون وإخوان. 


وحقق الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، جماهيرية كبيرة بين زوار المعرض؛ ما أثار مخاوف نظام مبارك من ما يرصده الكاتب من مظاهر "الهرولة" نحو التطبيع، و ظاهرة "المليارديرات" التي كانت جديدة في مصر في ذلك الوقت. 


وبناء على ذلك، اعتبر النظام أنه مستهدف بهذه التعليقات، ليمتنع إثر ذلك القائمون عن المعرض عن دعوة هيكل، ليتوقف الأخير عن حضور فعاليات التظاهرة سواء كزائر أو ضيف. 

 

دورة فارقة

وكانت الدورة السابعة والثلاثون للمعرض، والمنعقدة عام 2005، المؤشر الأهم على وصول الحالة السياسية والاجتماعية في مصر إلى حالة احتقان حاد. حينها، أعلنت 3 شخصيات، وهم البرلماني السابق محمد فريد حسنين، والكاتبة الصحفية نوال السعداوي، وعالم الاجتماع السياسي المصري سعد الدين إبراهيم، ترشحهم للرئاسة ضد مبارك، في سابقة تعد الأولى من نوعها بتاريخ مصر.


وتبنى الثلاثة حملة لجمع مليون توقيع لتعديل الدستور ليسمح بانتخابات رئاسية بالاقتراع الحر المباشر، في وقت كان فيه مبارك قد ناهز على إنهاء ربع قرن رئيسا للبلاد. 


وشهد المعرض، وقتها، مظاهرتين نظمت الأولى "الحملة الشعبية من أجل التغيير"، والتي كانت ترفع شعار "لا للتجديد (للرئيس مبارك).. لا للتوريث". 


أما المظاهرة الأخرى فقد نظمها حزب "العمل" (تأسس حزبا اشتراكيا قبل أن يصبح إسلاميا/ مجمَّد حاليا)، وتقدمها الكاتب الصحفي المحبوس حاليا مجدي أحمد حسين، ونددت بدعوة مبارك رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، لزيارة القاهرة. 


ورغم عدم الإعلان الرسمي عن مشاركة إسرائيل في فعاليات المعرض، فإن دور النشر الإسرائيلية تمكنت من التواجد فيه عن طريق بعض دور النشر العربية، وفق تقارير إعلامية آنذاك. 


وكانت دورة 2005 هي آخر عهد مبارك بالمعرض؛ إذ واجهه الأكاديمي والباحث والمفكر محمد السيد سعيد ببرنامج إصلاحي، فما كان من الرئيس حينها إلا أن رد عليه غاضبا، وغادر المعرض ولم يعد إليه مرة أخرى حتى تنحيته عن السلطة عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. 

 

ألغيت دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2011 بسبب أحداث الثورة


ثورة يناير 


ألغيت دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2011، بسبب أحداث الثورة، وجاءت دورة 2012 في ظل حكومة انتقالية واستقطاب في الشارع السياسي، وسط مخاوف كبيرة من عدد كبير من الناشرين خاصة العرب من المشاركة؛ نظراً للأوضاع الأمنية. لكن رغم ذلك، فقد جرى افتتاح المعرض في الموعد المحدد له. 


وشهدت الدورتان التاليتان كثافة في المعروض من الكتب الدينية خاصة تلك التي يصدرها التيار السلفي، فضلا عن الكتب المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين وتاريخها، قبل أن يُفرض الحظر على كل ما يتعلق بالإخوان في الدورات التالية، فضلا عن حظر كتب الشيخ البارز يوسف القرضاوي. 


أما الدورات التالية المنعقدة عامي 2017 و2018، فقد استبطنتا تمظهرا للحالة المصرية الجديدة؛ حيث حظيت جهات حكومية مصرية مثل وزارتي الدفاع والداخلية بأجنحة داخل المعرض. 


وحظيت دول مثل الإمارات والسعودية بأجنحة بارزة ومتميزة، مقابل تقلص الوجود السلفي إلى حد كبير، وازدادت هوامش المعرض من موسيقى وسينما وغناء في مقابل تراجع شراء الكتب. 


أما الدورة الحالية المقرر انطلاقها الأربعاء، فتأتي الاستعدادات كثيفة لتنظيم المعرض، وسط تحضيرات إعلامية بعد قرار افتتاح رئيس سلطة الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي للمعرض، وذلك لأول مرة منذ توليه الحكم في 2014. 


ورغم تعدد الفعاليات المعلن عنها، التي تصل إلى 723 فعالية، إلا أن مخاوف عدم الإقبال يظل احتمالا قويا نظرًا لهجرة المعرض نفسه بعيدا عن رواده.

التعليقات (0)