مقالات مختارة

ثلاث سنوات عجاف مقبلة ...

عبد الناصر النجار
1300x600
1300x600

الدعم المالي الأميركي جف تماماً مع قرار السلطة رفض المساعدات الأميركية حتى للأجهزة الأمنية، على أساس أن هذا الدعم أصبح أداةً للابتزاز السياسي للقبول مكرهين بصفقة العصر ومكوناتها السرية من جهة، ومحاولة جر السلطة إلى قضايا في المحاكم الأميركية هي في غنى عنها، عقب تشريع في الكونغرس يجيز للأميركيين رفع قضايا ضد دول تتلقى مساعدات من واشنطن، بذريعة تعرضهم لضرر بسبب عمليات مسلحة .. علماً أن أكثر القضايا التي رفعت سابقاً هي من يهود مزدوجي الجنسية يقيمون أصلاً في المستوطنات أو في مناطق العام 48 ولحقت بهم إصابات أو أضرار بسبب عمليات مسلحة لم يكونوا هم المستهدفين فيها. 


المساعدات الأميركية كانت الأكبر في مجمل المساعدات المقدمة للسلطة والشعب الفلسطيني، ونحن نتحدث هنا عما يقارب نصف مليار دولار سنوياً تشمل ما كان يقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وما كان يقدم للسلطة للمساهمة في بناء قطاعات حيوية مثل الصحة والتربية والتعليم، إضافة إلى المساعدات المقدمة للجمعيات الأهلية ومشاريع البنى التحتية. 
المال السياسي الأميركي لم يقدم للفلسطينيين حباً فيهم، ولكن للحفاظ على المصالح الأميركية وخاصة فيما يتعلق بحماية أمن الاحتلال، وما يتوافق مع مجمل السياسة الأميركية في المنطقة.


بعد وقف آخر دولار أميركي، هناك خيارات محدودة كبدائل أمام السلطة، وهي العودة للقبول بالمطالب الأميركية وعلى رأسها صفقة العصر والقرارات التي تم اتخاذها سابقاً حول القدس واللاجئين، وبالتالي عودة المال الأميركي للجريان والتدفق بشكل أكبر، ولكن هذا من سابع المستحيلات، والخيار الآخر مواجهة الأمر الواقع، واعتماد سياسة اقتصادية مغايرة لاقتصاد الاستهلاك الذي خرب حياة الكثيرين، والعودة مجدداً إلى الاقتصاد المقاوم، والاعتماد على الضروريات والابتعاد عن استهلاك الترفيه، من أجل تحمل ثلاث سنوات عجاف مقبلة.


السنوات الثلاث تبدأ من العام الجاري وحتى نهاية العام 2021. ويمكن تحليلها على النحو الآتي: قبل النصف الأول من العام الجاري توجد الانتخابات الإسرائيلية، وحتى تاريخ إجراء هذه الانتخابات في نيسان المقبل فإن الأحزاب الصهيونية المشاركة ستتنافس فيما بينها بمقدار الاعتداء على الفلسطينيين للحصول على أكبر كم من الأصوات. بعد الانتخابات مباشرة ستبدأ عملية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة من الأحزاب اليمينية التي تجمع الاستطلاعات كافة على أنها الفائزة في هذه الانتخابات، بعد الموت السريري لما كان يسمى اليسار الإسرائيلي.


تشكيل حكومة الاحتلال سيأخذ وقتاً، نظراً لتضارب مصالح أحزاب اليمين الصهيوني، بين يمين متطرف يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية فوراً على الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين بكل السبل المتاحة، ويمين المركز الذي يدعو في أحسن الأحوال إلى حل مع الفلسطينيين يقوم على أساس حكم ذاتي (زائد أو ناقص) في قضايا الخدمات في مناطق «أ»، مع الحفاظ على الثوابت الأمنية الإسرائيلية، وهي الاستيطان والسيطرة على الأغوار والمرتفعات الغربية.


مع بداية النصف الثاني أو قبل ذلك بقليل، أي بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية ستطرح الإدارة الأميركية خطتها المسماة «صفقة العصر» التي حتماً ستواجه بالرفض الفلسطيني إذا ما جاءت على الأسس التي أعلن عنها سابقاً، وربما ستواجه رفضاً إسرائيلياً صامتاً ومختبئاً خلف الرفض الفلسطيني، خاصة إذا ما تضمنت الخطة الأميركية تسليم أحياء مقدسية داخل جدار الفصل العنصري.


الرفض الفلسطيني سيواجه بمزيد من الضغوط الأميركية، وقد يدعي البعض أن المساعدات المالية قطعت بشكل كامل، ولا يملك الأميركيون أي أوراق للضغط .. وهذه ليست الحقيقة .. الحقيقة المرة أن الدعم المالي من دول الإقليم مرتبط بالموافقة الأميركية المباشرة أو غير المباشرة، ولنتذكر كم مرة ضغطت الإدارات الأميركية على دول من أجل الإسراع في تحويل المساعدات المالية للسلطة وحتى زيادتها في فترات صعبة مرت بها السلطة.


ستحاول إدارة ترامب وحتى نهاية فترتها تجفيف الدعم المالي من مختلف دول العالم كأداة خنق لا تصل إلى حد الانفجار الذي لا ترغب به سلطات الاحتلال مطلقاً.


إذاً، نحن أمام ثلاث سنوات أميركية صعبة جداً، تشمل سنتين حتى نهاية فترة ترامب الأولى، وسنة أخرى أمام الإدارة الجديدة على افتراض سقوط إدارة ترامب وتراجع الجمهوريين، ولكن العكس يمكن أن يحدث.


البعض يرى البديل في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العجاف، ولكن المعطيات تشير أيضاً إلى انخفاض المساعدات الأوروبية، والدليل على ذلك هو ما تتعرض له المنظمات الأهلية الفلسطينية التي أصبحت 90% منها تعاني من شح التمويل الأوروبي الذي تحول جزء منه إلى مناطق تعتبرها أوروبا أكثر سخونة كسورية وتونس وليبيا وغيرها، بحيث لم تعد الأراضي الفلسطينية ذات أولوية كما كان الحال في السنوات الأولى التي أعقبت اتفاق أوسلو. يضاف إلى ذلك الشروط السياسية التي بدأت تضعها العديد من الدول الأوروبية بسبب الضغوط الإسرائيلية واللولبيات اليهودية بحجة محاربة الإرهاب.


أوروبا الضعيفة لن تتمكن من ملء الفراغ، وغير قادرة على التقدم بمبادرة سياسية حقيقية ولنا في المقترحات الفرنسية عبرة، وبعد جهود مضنية وتحشيد غير مسبوق لفترة محدودة اختفت هذه المقترحات مع رياح السياسة الأميركية العاصفة ولم يعد لها وجود.


دولة الاحتلال هي المستفيد الأكبر من السنوات العجاف المقبلة، فهي تسارع لتثبيت سياسة الأمر الواقع من خلال تكثيف عمليات الاستيطان وقتل أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة وإعدام قضية اللاجئين التي دخلت في غرفة الإنعاش الدولي... وخلال السنوات الثلاث المقبلة قد يتم الإعلان عن وفاة «الأونروا».  


فلسطينياً، الوضع الداخلي معقد وخطير والانقسام كارثة مستفحلة، والرؤيا ضبابية، والسؤال: هل من إمكانية للمواجهة أو الإنقاذ.. الإجابة لدى القيادات الفلسطينية، فهي تتحمل المسؤولية الأولى وهي من تقود الشعب الفلسطيني إلى مرفأ السلام أو تسهم في مؤامرة تدميره.
 

عن صحيفة الأيام الفلسطينية
0
التعليقات (0)