قضايا وآراء

الإعدامات في مصر.. إلى أين؟

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600

تنفيذ الحكم بالإعدام سيظل خبرا يتصدر الإعلام المصري والعالمي بين الحين والآخر، وتبعا لمجريات المشهد السياسي والرسائل التي تريد السلطة تمريرها عبر تنفيذ أحكام نهائية صادرة بحق العشرات من الأشخاص، رغم الانتقادات الواسعة لهذه الأحكام من قبل شخصيات وجهات ومؤسسات ومنظمات محلية ودولية أشارت جميعها إلى تسييس هذه الأحكام، ووجود عوار واضح بها.

الخميس الماضي، وحول التعديلات الدستورية، وتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة شبان من رافضي الانقلاب في قضية "نجل المستشار"، وفي معرض ردي على سؤال لعلاء الصالح، مقدم برنامج "استديو التاسعة" على فضائية التاسعة، وأثناء مقاطعته لي في الحديث، قلت له إن الفترة القادمة ستشهد تنفيذ المزيد من أحكام الإعدام في مصر، حيث شهدت مصر خلال الفترة الماضية تنفيذ العشرات من أحكام الإعدام، وهناك حوالي 62 حكما نهائيا بالإعدام في انتظار التنفيذ.

الأربعاء الماضي (12 شباط/ فبراير 2019)، وبعد أقل من أسبوع من تنفيذ الحكم على الشبان الثلاثة في قضية "نجل المستشار"، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة من المعارضين في القضية المعروفة بقضية كرداسة (التي شهدت زخما إعلاميا وحقوقيا واسعا)، ليصبح هناك 59 حكما نهائيا بحق معارضين في انتظار التنفيذ في أي لحظة.

 

المعطيات على الأرض تشير إلى أن المشهد المصري في انتظار المزيد من تنفيذ أحكام الإعدام، ولن تتراجع السلطة عن التنفيذ؛ وحجتها في ذلك أن الأحكام نهائية باتّة، وسيجري استثمار التنفيذ لتوجيه رسائل

المعطيات على الأرض تشير إلى أن المشهد المصري في انتظار المزيد من تنفيذ أحكام الإعدام، ولن تتراجع السلطة عن التنفيذ؛ وحجتها في ذلك أن الأحكام نهائية باتّة، وسيجري استثمار التنفيذ لتوجيه رسائل بحسب ما تراه السلطة من مقتضيات الوقت والحالة، وبما يصب في مزيد من إحكام القبضة على المشهد المصري، وتركيع الخصوم والمعارضين.

المتتبع لتنفيذ الحكمين الأخيرين سيجد أن الحكم الأول يتعلق بقضية مقتل "محمد المورللي"، نجل المستشار محمود السيد المورللي، نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة، والحكم الثاني يتعلق بقتل أحد رجال الشرطة، وهو "اللواء نبيل فراج"، حيث يرى البعض أن التنفيذ في الحالتين يحمل رسائل دعم لرجال القضاء والشرطة وترهيب للمعارضين والرافضين.

في مصر، وبمرور الوقت، تحولت الأحكام الصادرة بالإعدام وتلك التي تم تنفيذها؛ إلى مجرد أرقام تزيد يوما بعد يوم.

لقد أصبحت أحكام الإعدام والقتل خارج إطار القانون أخبارا لا تكاد تنقطع عن صفحات الجرائد والمواقع وفي نشرات الأخبار والبرامج الحوارية؛ كأنما يُراد للعالم وللمصريين أن يألفوا ذلك وهذا ما يبدو أنه قد حدث وتؤكده ردود الأفعال في الشارع وعلى مستوى النخب.

يتوالى صدور الأحكام بالإعدام ويتوالى تنفيذها، وتعلو الأصوات مرارا وتكرارا تحذر، وتندد وتشجب وتنتقد وتفند العوار الذي أصاب هذه الأحكام، ولكن يظل ذلك كله محصورا في إطار الظاهرة الصوتية، حيث لا يملك أحد حتى الآن أن يغير شيئا على الأرض، أو أن يقدم مبادرة توقف التمادي فيما يحدث في المشهد المصري.

 

تعلو الأصوات مرارا وتكرارا تحذر، وتندد وتشجب وتنتقد وتفند العوار الذي أصاب هذه الأحكام، ولكن يظل ذلك كله محصورا في إطار الظاهرة الصوتية

لقد كان لافتا للنظر أنه مع تصاعد وتيرة أحكام الإعدام والقتل خارج إطار القانون، تتعالى أصوات كثيرين تطالب الغرب وأمريكا والمجتمع الدولي بالضغط والتدخل، رغم يقين هؤلاء أن حكومات الغرب وأمريكا لا يعنيهم ما يحدث بقدر ما يعنيهم من يرعى مصالحهم، والتي لا ولن تتقاطع مع مصالح شعوب المنطقة، لذلك فمثل هؤلاء كمثل المستجير من الرمضاء بالنار.

في ظل سيولة المشهد المصري وخطوات السلطة الحثيثة نحو تعديل الدستور، بما يمكّن للتمديد والتأبيد لرأس السلطة ويقنن الهيمنة المطلقة على المشهد المصري، سيظل الترقب سيد الموقف في ظل ضعف قوى المعارضة وتراجع قدرتها على الضغط ومواجهة بطش السلطة، كما سيكون من الصعب على السلطة أن تتراجع عن اعتماد القوة أو أن تخفف من مستوى البطش؛ لأن ذلك سيعد من وجهة نظرها ضعفا وتراجعا سياسيا.

في ظل حالة السلطة القضائية والتراجع في الدور المنوط بها وهيمنة مؤسسة الحكم على مفاصل القضاء، سيظل الباب مفتوحا على مصراعيه لمزيد من الأحكام المصبوغة بصبغة سياسية، وسيلوي البعض عنق النص القانوني العادل ليحكم بما يوافق الهوى، رغم أن القاضي العادل يحكم بالعدل حتى لو كان نص القانون جائرا.

 

سيظل القسط الأكبر واقعا على عاتق السلطة، والتي يجب أن تدرك أن مآلات حتمية كارثية تنتظر الجميع يقود إليها الانسداد السياسي وتنامي مستوى البطش

إن حالة الانسداد السياسي التي تهيمن على الحالة المصرية، والتي تتواكب مع تراجعات في مجالات مختلفة، تقتضي من الجميع سلطة ومعارضين ورافضين أن ينتبهوا لمصلحة هذا الوطن، وسيظل القسط الأكبر واقعا على عاتق السلطة، والتي يجب أن تدرك أن مآلات حتمية كارثية تنتظر الجميع يقود إليها الانسداد السياسي وتنامي مستوى البطش، واعتماد القوة واستخدام القانون والقضاء للتنكيل بالخصوم.

مصر في حاجة إلى حوار مجتمعي يؤسس لتحقيق العدل ويرفع الظلم، ويوقف نزيف دماء شبابها وأرواحهم ويوقف ماكينة الإعدامات التي تعمل بلا هوادة؛ لأن استمرار الوضع على ما هو عليه يمثل تهديدا لوجود الدولة المصرية، ولا يخدم إلا مصلحة عدوها الاستراتيجي.

إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة، ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مسلمة.

التعليقات (0)