مقالات مختارة

الحرب الأهلية داخل حزب العمال بشأن إسرائيل كانت آتية لا محالة

جوناثان كوك
1300x600
1300x600
التهديدات الصادرة عن مجموعة يهودية بالانشقاق عن حزب العمال ليست دليلاً على وجود معاداة للسامية داخل الحزب وإنما دليل على تساهل الحزب لزمن طويل مع العنصرية داخله ضد الفلسطينيين.

الإعلان الذي صدر هذا الأسبوع عن حركة العمال اليهودية بأنها تفكر بالانشقاق عن حزب العمال البريطاني ما كان بإمكانه أن يأتي في لحظة أسوأ بالنسبة لجيرمي كوربين، فزعيم حزب العمال محاصر من جانب بمزاعم تدعي أنه يترأس حزباً بات "بنيوياً معاديا للسامية".

ينبغي أن يُنظر إلى تهديدات حركة العمال اليهودية على أنها جزء من الجهود التي تبذل للإطاحة بكوربين من قيادة الحزب. فقد جاءت هذه التهديدات عقب قرار اتخذته حفنة من البرلمانيين العمال الشهر الماضي بتشكيل فصيل جديد يسمى "المجموعة المستقلة"، معللة قرارها مغادرة الحزب بانتشار معاداة السامية داخله.

انطلاقاً من موقف دفاعي، سارع كوربين إلى الكتابة إلى حركة العمال اليهودية معبراً بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن زملائه في حكومة الظل عن "رغبتهم الشديدة جداً في بقائكم جزءاً من حركتنا". وفي إجراء مشابه، ناشد ما يزيد على مائة من أعضاء البرلمان العماليين، بما في ذلك أعضاء من حكومة الظل، حركة العمال اليهودية بعدم التخلي عن عضوية الحزب. واعتذروا عن "العنصرية السمية" داخل الحزب وعن "خذلان مؤيدينا وأعضائنا اليهود".

وأشاروا في خطابهم إلى أن حركة العمال اليهودية "هي الممثل الشرعي ومنذ زمن طويل لليهود داخل حزب العمال" وأضافوا أن أعضاء البرلمان يقدرون أهمية "وصف أولئك الذين يسعون للتعبير عن تضامنهم مع رفاقنا اليهود بأنهم امتحان للسياسة الخارجية".

بدا ذلك كما لو كان لمزاً بكوربين نفسه، الذي يعتبر أول زعيم لحزب سياسي بريطاني يقدم الحقوق الفلسطينية على علاقات بريطانيا بالدولة الإسرائيلية التي ما فتئت تضطهد الفلسطينيين منذ عقود.

فقط هذا الأسبوع، جدد الزعيم العمالي مطالبته لبريطانيا بوقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل عقب صدور تقرير عن الأمم المتحدة نص على أن إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على المتظاهرين الفلسطينيين في مسيرات العودة الكبرى في غزة يمكن أن يعتبر جرائم حرب.

تجاهل الدليل

على الرغم مما أولته وسائل الإعلام للأمر من اهتمام، فإن كافة الأدلة تشير إلى أن حزب العمال ليست لديه مشكلة "معاداة سامية بنيوية"، ولا حتى مشكلة معاداة سامية بما يتجاوز مستوى العنصرية الهامشية تجاه اليهود التي توجد داخل المجتمع البريطاني بشكل عام. تشير الأرقام إلى أن ما نسبته 0.08 بالمائة فقط من أعضاء حزب العمال تعرضوا للتأديب بسبب معاداة السامية.

والأمر الآخر الذي تتجاهله وسائل الإعلام البريطانية، ويتجاهله كذلك خصوم كوربين، هو أن عدداً متزايداً من اليهود يصدحون علانية بدعمهم له ويرفضون المزاعم بوجود مشكلة معاداة سامية "مستوطنة" داخل الحزب.

فقد وقع ما يقرب من مائتي شخصية يهودية بارزة خطاباً وجهوه إلى صحيفة الغارديان وصفوا فيه كوربين بأنه "حليف مهم في النضال ضد التعصب والعنصرية، ولا أدل على ذلك من سجله الناصع في النضال طوال حياته من أجل المساواة واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك دعمه المستمر للمبادرات المناهضة لمعاداة السامية".

في الوقت نفسه تم تأسيس منظمة جديدة اسمها "صوت يهودي لصالح العمال"، وذلك بهدف التأكيد على وجود يهود تقدميين يرحبون بزعامة كوربين لحزب العمال.

الإحساس بالخطر

في مثل هذا المناخ من الهستيريا، لا يبدو أن أحداً يهتم بالدليل على وجود هذه الأصوات المخالفة. ولكن ليس من المستغرب بتاتاً أن كوربين ومؤيديه يشعرون بالخطر وهم يواجهون احتمال خسارة مجموعة عمالية يصل عدد منتسبيها إلى ألفي شخص وتمثل قطاعاً من الجالية اليهودية في بريطانيا.

إلا أن المفارقة تكمن في أن فقدان حركة العمال اليهودية أمر لا مفر منه إذا كان حزب العمال جاداً في أن يصبح الحزب الذي يعارض العنصرية بكافة أشكالها، لأن حركة العمال اليهودية أثبتت أنها غير قادرة على الالتزام بذلك المعيار البسيط.

وبينما يتم جر حزب العمال إلى جدل مثير بشكل متزايد للشقاق حول ما إذا كانت معاداة الصهيونية – أي معارضة إسرائيل كدولة يهودية – يعادل معاداة السامية، فإن الجميع يسهون عن الحاضر الغائب باستمرار.

الصهيونية كفكرة عنصرية

والحقيقة هي أن الصهيونية السياسية، على الأقل في شكلها المتشدد الذي تتبناه جماعات مثل حركة العمال اليهودية، هي العنصرية  بذاتها تجاه الفلسطينيين.

علينا أن نتذكر أن الصهيونية تطلبت القيام بتطهير عرقي أخرج بموجبه 750 ألف فلسطيني من ديارهم في سبيل إقامة "الدولة اليهودية" على أنقاض وطن الفلسطينيين، وهي التي أشعلت نهم إسرائيل لتوسيع رقعتها ما نجم عنه احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وطرد أعداد متزايدة من الفلسطينيين عبر البناء غير القانوني للمستوطنات.

والصهيونية هي التي جعلت من المستحيل لأي حكومة إسرائيلية تقديم تنازلات ذات معنى للفلسطينيين بشأن إقامة دولتهم وخلق الظروف اللازمة لإفشاء السلام، وهي التي بررت سياسات تعتبر "الاختلاط بين الأعراق" – بين اليهود والفلسطينيين – تزاوجاً خطيرا بين الأعراق وذوباناً.

بالإضافة إلى ذلك، أبقت الصهيونية على مواطني إسرائيل الفلسطينيين مجتمعاً معزولاً، محصورين داخل تجمعاتهم المغلقة، ومحرومين من حق امتلاك الأراضي في معظم أرجاء إسرائيل، ومحبوسين في منظومة تعليم منفصلة ودونية خاصة بهم.

الجهود المبذولة للإطاحة بكوربين

كل هذه السياسات أسس لها وكرسها حزب العمال الإسرائيلي، المنظمة الشقيقة لحركة العمال اليهودية في بريطانيا. ولا تكتفي حركة العمال اليهودية في بريطانيا بالامتناع عن معارضة هذه السياسات، بل تقوم فعلياً بتوفير غطاء لإسرائيل يدرأ عنها النقد الموجه إليها بسببها داخل حزب العمال البريطاني.

التزمت حركة العمال اليهودية الصمت تجاه العنف البنيوي الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي وكذلك تجاه العنصرية المنظمة المتضمنة في قوانين إسرائيل تجاه خُمس سكانها من المواطنين الفلسطينيين.

أما المنظمة الأم لحركة العمال اليهودية، أي المنظمة الصهيونية العالمية، فيوجد بداخلها قسم – مازال حتى يومنا هذا – يمول إقامة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وذلك في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

يضاف إلى ذلك ما كشف عنه وثائقي لقناة الجزيرة بثته في عام 2017 عن أن حركة العمال اليهودية كانت تعمل سراً مع مسؤول في الحكومة الإسرائيلية اسمه شاي ماسوت بهدف النيل من كوربين بسبب مواقفه المؤيدة للفلسطينيين.

تذكروا أن إسرائيل تساوقت خلال العقد الأخير مع حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة في قوميتها، حيث إن ائتلافه الحاكم لا يسعى لحل الدولتين وإنما للاستيلاء على معظم الأراضي المحتلة ومن ثم العمل على ضمها، وهذا يمثل أيضاً انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

يذكر أن إيلا روز التي عينت مديرة لحركة العمال اليهودية في عام 2016 كانت قبل ذلك مباشرة تحتل منصباً داخل السفارة الإسرائيلية في لندن.

أطلال سياسة قديمة

يمضي الزمن قدماً، وتمضي معه السياسة. وما حركة العمال اليهودية سوى واحدة من أطلال فترة كان بالإمكان حينها الزعم بأنك مناهض للعنصرية بينما تغض الطرف عن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. لم يعد من الممكن لهذه الحالة من تجاهل الواقع والتهرب منه الاستمرار، وذلك بفضل مواقع التواصل الاجتماعي والكاميرات التي يتسلح بها الفلسطينيون، وليس فقط بفضل كوربين.

أن يضفي حزب العمال مكانة مرموقة يُفتخر بها على مجموعات مثل حركة العمال اليهودية ومنظمة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال – والذي يتفاخر ثمانون نائباً من نواب حزب العمال في البرلمان البريطاني بالانضمام إليه – لا يقل فحشاً وقبحاً في الظروف الحالية عما لو كانت الأحزاب السياسية البريطانية قبل أربعين عاماً تحتفي بمجموعات داخلها للصداقة مع جنوب أفريقيا.

يتم الآن جر بيروقراطية حزب العمال، بينما هي ترفس وتصرخ، نحو العالم المعاصر وذلك من قبل أعضاء الحزب الذين يشعرون بأنهم تحرروا بفضل زعامة كوربين وتاريخه الذي عرف فيه بدعم كافة أشكال النضال ضد العنصرية، بما في ذلك العنصرية التي تمارس ضد الفلسطينيين.

بينما تواجه بريطانيا عدداً من القضايا الملحة الكبرى التي من المفروض أن تحظى بالاهتمام والتركيز عليها، من معالجة موضوع الخروج من أوروبا إلى الانهيار المناخي المرتقب، يتم تبديد طاقات حزب العمال في حرب أهلية حول إسرائيل، من بين كل الأشياء الأخرى.

يرغب الحرس القديم في السماح لهم بدعم إسرائيل، حتى وهي تتجه نحو الفاشية المطلقة. أما عامة أعضاء الحزب فيرغبون في النأي بأنفسهم عما يرون أنه بات، وبشكل متزايد، يشبه دولة أبارتهايد (تمييز عنصري) أخرى – دولة يسعى زعماؤها إلى تأجيج الصراع في كافة أرجاء منطقة سريعة الاشتعال أصلاً.

إعادة تعريف معاداة السامية

لا يتورع أنصار إسرائيل المتحمسون لها، وهم أنفسهم أعداء كوربين، داخل حزب العمال عن ممارسة اللعب القذر لحماية إسرائيل وتحصين ما يقومون به هم أنفسهم من دور من المحاسبة والمساءلة، ولطالما كان ذلك باستمرار ديدنهم.

قادت حركة العمال اليهودية في العام الماضي تحركاً كان الهدف منه شق الحزب من خلال الإصرار على أن يعيد الحزب تعريف معاداة السامية بحيث يشتمل التعريف على النقد الموجه لإسرائيل.

وكان يستدل في هذا السياق بدوي السخط الصادر عن حركة العمال اليهودية لإثبات تفشي معاداة السامية بين الأعضاء، حيث كان مثل هذا الاستدلال بمثابة السلاح الأقوى لديهم لإسكات أي نقد موجه لإسرائيل ولتحويل الانتباه بعيداً عن دورهم في وقاية إسرائيل من أي محاسبة أو مساءلة جادة داخل الحزب.

وما السياسة سوى تلك العملية المتعلقة بالاختيارات والقيم. إلا أن حزب العمال ما لبث وعلى مدى عقود ينحاز بشكل حصري لصالح إسرائيل متجاهلاً حقوق الفلسطينيين.

دعم التطهير العرقي

في عام 1944، أي قبل إيجاد إسرائيل بأربع سنين، أوصى المؤتمر السنوي لحزب العمال بأن السكان الأصليين في فلسطين، والذين كانوا يشكلون الغالبية العظمى، بحاجة إلى أن يرتكب بحقهم تطهير عرقي في سبيل تحقيق أهداف الصهاينة الأوروبيين الذين يستعمرون أراضيهم. فقد نص قرار المؤتمر على ما يأتي: "ليتم تشجيع العرب على الخروج بينما يدخل اليهود".

وكان ذلك بالضبط ما قامت به إسرائيل حين طردت 750 ألف فلسطيني، أي ما يعادل أكثر من ثمانين بالمائة من السكان الفلسطينيين، فيما بات الآن يعرف بـ النكبة.

وبعد إقامة إسرائيل بعقود، ظل أعضاء حزب العمال يسافرون بمنتهى السعادة والحبور إلى إسرائيل للعمل داخل التجمعات الزراعية، مثل الكيبوتسات، والتي أقيمت على أراض فلسطينية مسروقة، لا تزال حتى يومنا هذا محظورة على أي من مواطني البلاد من الفلسطينيين الذين يبلغ تعدادهم 1.7 مليون نسمة ولا يسمح لهم بتاتاً بالانتقال للعيش فيها.

وفي خطاب ألقاه في عام 1972، أي بعد أن استولت إسرائيل على المزيد من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، حث زعيم حزب العمال هارولد ويلسون إسرائيل على التمسك بتلك الأراضي التي غزتها قائلاً: "إن رفض إسرائيل القبول بأن الفلسطينيين يشكلون شعباً رد فعل طبيعي وسليم".

خلفية العنصرية المظلمة

تلك هي الخلفية للعنصرية المظلمة داخل حزب العمال ولتأييد الحزب على مدى عقود للاستعمار في منطقة الشرق الأوسط.

لقد أوجد الحزب نظاماً هرمياً للعنصرية، كانت فيه الكراهية لليهود تحظى بكل الاهتمام بينما لا يؤبه بالعنصرية التي تمارس ضد الجماعات الأخرى، وخاصة ضد الفلسطينيين.

تحت قيادة كوربين وبعد أن توسعت دائرة العضوية في الحزب إلى حد كبير، باتت مثل هذه التحيزات وللمرة الأولى على الملأ محل تساؤل وتحد – ولا شك أن ذلك يحيل الحزب إلى حيز "غير آمن" بالنسبة لمجموعات مثل حركة العمال اليهودية وأصدقاء إسرائيل في حزب العمال، والتي لا تزال تتمسك بمواقف صهيونية متطرفة بالية.

ويتم الآن تحدي حركة العمال اليهودية في زعمها بأنها تمثل جميع اليهود داخل حزب العمال، ومن  يتحداها في ذلك هم اليهود المعادون للعنصرية مثل أولئك الذين شكلوا مجموعة "صوت يهودي لصالح العمال". إلا أن وسائل الإعلام ما فتئت تتجاهل على نطاق واسع جهودهم في الدفاع عن كوربين وعن سجله، وفي بعض الحالات تبادر حركة العمال اليهودية إلى تشجيع وسائل الإعلام على تجاهلهم على اعتبار أنهم يقللون من خطورة معاداة السامية.

التاريخ يسابق الحاضر

لئن كان عدم ارتياح حركة العمال اليهودية أمراً مؤسفاً فإنه لا يمكن تفاديه، فهو الثمن الذي لا بد من دفعه في المعركة المستمرة التي يخوضها التقدميون نصرة للحقوق الإنسانية العالمية وهزيمة للعنصرية. ما لبثت هذه المعركة تدور رحاها منذ نشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وهي نفس السنة – ويا للمفارقة – التي أقيمت فيها إسرائيل في انتهاك صارخ للمبادئ الأساسية التي ينص عليها الإعلان نفسه.

لطالما تساهل حزب العمال، ولزمن طويل، مع عنصرية إسرائيل تجاه الفلسطينيين. أما الآن، فها هو التاريخ يلحق بإسرائيل وبالجماعات المناصرة لها مثل حركة العمال اليهودية.

يواجه أعضاء البرلمان البريطاني من حزب العمال خياراً من اثنين، إما أن يقفوا في الجانب الخاطئ من التاريخ، في مواجهة التيار، أو أن يعترفوا بأنه آن الأوان للدخول في الحقبة المعاصرة بشكل كامل – وذلك يعني تبني برنامج مناهض للعنصرية، لا يُستثنى منه أحد، لا اليهود ولا الفلسطينيون.

ميدل إيست آي (7 آذار/ مارس 2019)
0
التعليقات (0)