قضايا وآراء

المرأة العربية في معاناتها وكفاحها

نزار السهلي
1300x600
1300x600
منذ بدايتها، أثارت ثورات الربيع العربي ضد الاستبداد قضية المرأة، في مصر وتونس واليمن، وصولاً لسوريا في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام قبل ثمانية أعوام، ومن ثم سلطت الضوء بشكل واسع على خطورة ومأساوية الانتهاكات التي تتعرض لها في السعودية والإمارات، فضلاً عن جرح المعاناة المفتوح في فلسطين منذ عقود بفضل انتهاكات الاحتلال.

يبقى لتسليط الضوء على ما تعرضت له المرأة في سوريا على أيدي قوات النظام وعصاباته ومليشياته؛ الأثر المختزل لذروة الفاجعة بالنسبة لها، هذا إضافة لتعرضها لعنف مجموعات إسلامية متشددة وإرهابية خدمت أجندة النظام، من داعش إلى النصرة وغيرهما، مما حدا بالأمم المتحدة إلى وصف المرأة السورية قبل عامين بأنها "الأكثر قهراً وتعرضاً للاعتداء".

ظلت قضية المرأة السورية وحقها في الحرية، وما تفرع عنها من قضايا، إشكالية أساسية في الصراع مع نظام الأسد الأب والابن؛ فالأول اختزلها في قوالب السلطة والبعث والشعارات (ولعل من المفارقات التاريخية أن يكون الاحتفاء بيوم المرأة هو نفس اليوم الذي استولى فيه البعث على السلطة في سوريا وطمس فيه حق المرأة ودورها)، والثاني لم يجد في نساء سوريا منذ اندلاع الثورة سوى مُنجبات لإرهابيين وأخوات وزوجات لهم!

أما اللافت في سنوات قهر المرأة السورية، فهو تناوب النظام والتنظيمات الإرهابية على الانتهاكات الفظيعة، التي خدمت روايته واختزاله مجدداً قضايا أساسية تتجاوز مطلب الحرية والكرامة التي تشمل السوريين جميعاً. لقد أدركت المرأة السورية قضيتها الاجتماعية والوطنية كمرأة عانت من اضطهاد وظلم واسع، ومن انتهاكات فظيعة شملت التعذيب حتى الموت في معتقلات الأسد ومعتقلات المليشيات الرديفة له، عدا عن الابتزاز بفلذات الأكباد والأزواج، وليس انتهاء بالاعتداءات الجنسية والجسدية والنفسية.

لقد كانت أرقام المرأة السورية صادمة ومرعبة، رغم قلة الاهتمام والعودة إليها. فلم تكن هناك دقة؛ نتيجة غياب عمل المنظمات الدولية، واستهداف نشطاء المجتمع المدني والصحفيين والشهود.. 90 ألف ضحية (وربما أكثر) هي حصة نساء سوريا من وحشية الأسد.

وبغياب الأطر النسوية المهمة، بقي انتشارها على نطاق ضيق حتى في الأماكن المحررة التي طغى عليها لون الأسلمة، بقيت صور نساء سورية محصورة في المهجرين والنازحين في عموم الجغرافيا السورية، أو حتى المستخدمة في نقل الصور من تهجير المنافي القريبة والبعيدة وهي ملتحفة بسواد أو بفهر يجرجر ذلا وخيبة، علماً أن الثورة السورية لم تترك مجالاً للجدل حول دور المرأة السورية في النضال الوطني واليومي فيها، حيث برزت طاقاتها الهائلة والجبارة في أزقة وحواري معظم المدن والأرياف السورية..

المرأة السورية في زمن الثورة وقبلها، لم تكن معزولة عما يجري حولها، فقد أطّرت نفسها في كل القطاعات والفئات، ووضعت برامج ومهمات تستهدف إشراك النساء في العملية النضالية ذات الأبعاد الوطنية والاجتماعية. فهي لعبت دوراً متميزاً ومشهوداً له، حيث برزت طاقتها الهائلة في المظاهرات، وتصدت لقوات النظام وواجهت عنفه ووحشيته.. اعتُقلت وعُذبت واستشهدت، وذاقت الفرح والقهر والذل، وخسرت الابن والحبيب والزوج والأخ، أو فقدها كل هؤلاء.

تلك حقائق لا بد أن نراها في مسيرة المرأة السورية، والتي أفرزت علاقة جدلية بين نشاطها الميداني أو النسوي من جهة، وبين وضعها البنيوي من جهة أخرى. فالدور السياسي والميداني الذي انخرطت به المرأة السورية في الثورة فرض عليها التثوير في وضعها البنيوي، والعكس صحيح، فالتطور الذي أنجزته ولو بشكل محدود، يضع حركة الثورة والنضال السوري أمام ضرورة التثوير في البرامج على هذا الصعيد.

وحتى لا تبقى المرأة السورية عنوانا للمعاناة، وثكلى بالأحبة، ومفجوعة بكل ألوان القهر، وهي تتوقع كل لحظة منذ ثمانية أعوام ما يحتمل أنها لحظة قتلٍ دامية أو اعتقال وتعذيب واضطهاد، وحتى لا تكون المناسبة الدولية ليوم المرأة إحصاء لأعداد الانتهاكات في العالم العربي، يأتي يوم المرأة في آذار مع نسائم حرية لن تنتهي، رغم سنوات وشهور ولحظات فجائعية، إلا أن سنوات قادمة ستحمل في طياتها وعلى جناحيها باقة تحرر وهدية انعتاق من الطغيان حتماً. فما اتكأت عليه أساطير الشعوب أن الأمهات "آلهة" للخصب والتجدد والجمال، والمرأة الأرض والوطن، وستكون دائمة الحضور والتأثير في سوريا وفلسطين والرياض وعدن القاهرة وطرابلس، وبقية الأزقة والحواري العربية التي ستشدو لحن حرية قادمة.
التعليقات (0)