مقالات مختارة

رفات جندي

حسن البراري
1300x600
1300x600

ليس من قبيل المصادفة أن تستعيد إسرائيل قبل ستة أيام فقط من انتخابات الكنيست رفات الجندي زخاري باوميل، الذي قتل على أيدي القوات السورية في منطقة السلطان يعقوب في أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، كما أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن تقدم إدارة ترامب الجولان هدية لنتنياهو قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، فنتنياهو الذي يعاني في الانتخابات، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن فوزه في الانتخابات ليس مضمونا، بعد أن تمكن الجنرالات الأربعة في تحالف أزرق وأبيض من تشكيل جبهة مؤثرة في الانتخابات، لا يمكن فهم الهدية التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنتنياهو بإعادة رفات الجندي القتيل، ولا هدية الجولان التي قدمها الرئيس دونالد ترامب إلا في سياق السعي الحثيث لتعزيز فرص نتنياهو، وتشتيت الانتباه داخل إسرائيل عن إخفاقات نتنياهو، فضلا عن فضائح فساده التي طالته وطالت زوجته في الفترة الأخيرة.


استطلاعات الرأي الأخيرة التي سبقت الإعلان عن عودة رفات زخاري باوميل - وآخرها الاستطلاع الذي أجرته صحيفة هآرتس تفيد بتفوق اليمين بـ 67 مقعدا مقابل 53 لبقية الأحزاب الوسط واليسار والفلسطينيين، فحتى لو تراجع الليكود لصالح قائمة أبيض وأزرق بقيادة غانتس، فإن الشخص الوحيد المؤهل لتشكيل الحكومة القادمة سيكون نتنياهو، ومن الجدير بالذكر أن الحزب الذي يفوز بأكثرية المقاعد، قد لا يتمكن من تشكيل ائتلاف حاكم وتاريخ إسرائيل مليء بالأمثلة.


واضح تماما أن بنيامين نتنياهو تمكن من التوصل إلى تفاهمات استراتيجية واضحة مع الرئيس بوتين - حليف بشار الأسد. وما الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا واستهداف سلاح الجو الإسرائيلي للأهداف العسكرية الإيرانية داخل سوريا، إلا دليل واضح على التفاهم بين بوتين ونتنياهو، وليس واضحا لغاية الآن إن كان الرئيس بشار الأسد مطلعا على خطة بوتين لتسليم رفات الجندي القتيل، فشعارات محور "المقاومة والممانعة"، تفيد بأن الرئيس الأسد ينبغي ألا يوافق على مثل هذه الخطوة التي تخدم نتنياهو بالانتخابات.


الأجواء الاحتفالية التي رافقت استعادة رفات الجندي تحرج نظام الأسد، فخطوة الرئيس بوتين في تقديم هذه الهدية أحرجت نظام الأسد وأصابت مناصريه، ومما لا شك فيه أن العملية برمتها تشكل انتهاكا لسيادة سوريا التي تتصرف بها روسيا وكأنها مستعمرة، فالطريقة التي طوقت بها مجموعة من القوات الروسية مخيم اليرموك، والطلب من القوات السورية الخروج من مخيم اليرموك للبحث عن رفات الجندي، تعبر عن عدم احترام روسيا لحليفها الأسد. وحتى يتجنب الإحراج يدعي نظام الأسد أنه لا علم له، بالعملية وأنها تمت بتعاون الإرهابيين مع الموساد! تصريحات منقولة عن بوتين تكذّب ما تقوله المصادر السورية الرسمية، فالمسألة ليست متعلقة بتعاون إرهابيين مع الموساد، فالرئيس بوتين قالها بصراحة إن البحث عن الرفات لم يكن سهلا، في إشارة واضحة إلى أن قواته هي من قامت بهذه العملية. كما أن بوتين أخبر نتنياهو بأنه من الضروري أن تتمكن عائلة القتيل من زيارة قبره.


اللافت أن كل الهدايا التي يتلقاها نتنياهو في موسم الانتخابات، هي على حساب العرب وتحديدا سوريا، وهذا الاستسهال في استرضاء نتنياهو على حساب العرب له أسبابه، فلو كان للأنظمة العربية الوزن المطلوب في السياسة الدولية، لما أقدم بوتين على خطوته الأخيرة ولما قام ترامب بإهداء القدس والجولان لنتنياهو. كتبت وغيري عن ضرورة أن يقوم الجانب العربي برفع الكلفة عمن يقف مع إسرائيل على حساب الحقوق الواضحة، التي يقول الجانب العربي بأنه يتمسك بها ويعتبرها خطا أحمر، لكن وكما يقال: أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)