مقالات مختارة

عندما تقولُ الشعوب: لا!

أحمد عبد الملك
1300x600
1300x600

ستةُ رؤساء دول عربية أسقطتهم شعوبُهم، وبقي واحدٌ مُتكئاً على قوات أجنبية تحمي بلاده. والمصادفة أن الرؤساء الستة وقفوا في الصف الأول، في أحد الاجتماعات العربية، بينما وقف الزعماءُ العرب الآخرون في الصف الثاني! حيث تم وضع علامة (x) على صور الستة، إشارة لرحيلهم بعد الحراك الشعبي.

الأنظمة في أغلب الدول العربية أمرُها غريب !؟ فهي تستعذبُ الاضطهادَ، وتتربى على الديكتاتورية، ونظام الرَجل الواحد! وهي إما موبوءة بحُكم العَسكر، الذي سيطر على معظم " الثورات"، مثل: مصر، سوريا، ليبيا، اليمن، العراق، السودان، الجزائر، موريتانيا، أو محكومة بنظم شمولية قابضة لا علاقة لها بمصالح الشعوب.

ولقد جرّبت بعضُ الدول العربية، التي تتقاسمها إثنياتٌ وأيديولوجياتٌ، مثل لبنان، النموذجَ الديموقراطي، الذي يوزِّع الحقائبَ الوزارية – بتوازن – على تلك الإثنيات ومن يُمثلها، حسبما يقرُّ بذلك الدستور! ولكن مع استبشارنا بهذا النموذج، إلا أن البلد دخل في حرب أهلية عام 1975.

 

وعانى من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ومن ضربات الطيران الإسرائيلي – الذي دمّر مؤسسات البلاد، خصوصاً طرق المواصلات – عام 2006! كلُّ ذلك بسبب وجود (حزب الله) في الجنوب والضاحية، واستفزازه المُستمر لإسرائيل، رغم أن هذا الحزب يعتبره اللبنانيون رمزَ المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

بالطبع أثّرَ ذلك سلباً على إنجازات الدولة، وتدهور الاقتصاد، وضعُفت المرافقُ العامة كالماء والكهرباء، وانحسرت فرصُ العمل، ناهيك عما يعاني لبنان من الحروب الأخرى، حيث مخيمات اللاجئين، التي أثّرت على فرص العمل للبنانيين، ونشوء مجتمعات غير آمنة في تلك المخيمات.

لا نودُّ هنا تقديمَ كشفِ حسابٍ لما قام به هؤلاء الزعماءُ العرب، لأن الشرحَ يحتاج لمساحة أكبر، ولكن هنالك ملامحَ واضحة في البلدان التي حُكمت عبر شخص واحد لأكثر من ثلاثين عاماً!. ومن هذه الملامح: ضعفُ البنى التحتية، وتدهورُ التعليم والخدماتِ الطبية، ونشوءُ انشقاقات إثنية وعِرقية في البلد الواحد، كما حدث في العراق وليبيا والسودان واليمن.

 

وهذا ما أدى إلى الدخول في حروب أهلية دمّرت العديد من مؤسسات البلاد، وراكمت عليها الدَين الخارجي، بحيث انصرف الشعبُ يطاردُ شبحَ الرغيف، ونسيَّ معنى الكرامة أو الديموقراطية التي وعَد بها هذا الجنرال أو ذاك المُهيب أو ذاك الزعيم!

ومن الملامح الواضحة في تلك البلدان: أن الفساد يستشري، وتتسعُ أفواهُهُ لالتهام كعكةِ الوطن، التي لا تصل إلى الجماهير، إلا عبر الصحافة والتلفزيون، ولا "يذوق" الشعبُ طعمَ تلك الكعكة!؟ لذلك تظهر ما تُخفيه خزائنُ الرئيس " الديموقراطي" بعد أن يُطاح به، ويكتشفُ العالم مدى " جشع" هذا الرئيس، وكيفية استئثاره وعائلته بمُقدرات الشعب!

ومن الملامح أيضاً: أن الرئيس يظل طوال ثلاثين عاماً يتحدثُ عن إصلاح الاقتصاد، وتوفير فُرص العمل للشباب، وتنفيذِ برامجَ استثماريةٍ يعود خيرُها على الشعب، ولكن لا تتحقق تلك الوعود، التي ألِفَها الشعب، وهي ( لا تُسمن ولا تُغنى من جوع)!

ومن الملامح أيضاً: غيابُ الرئيس في قصره بين الحرس، وعدم خروجه لتلمس احتياجات الشعب، أو محاسبة الجهاز التنفيذي على القصور في أوجه الحياة العامة! ذلك أن التقارير التي تصل إلى الرئيس – عادةً – ما تكون غير دقيقة، بل وغير أمينة؛ حتى يختنق الشعبُ ويثور مُطالباً برحيل الرئيس!

ومن الملامح في تلك الدول: تركيز الاهتمام على الجوانب الأمنية وشراء الأسلحة، دعماً لبقاء النظام، في الوقت الذي تُستخدمُ هذه الأسلحة، المُشتَراة من قوتِ الشعب، لضرب هذا الشعب، والمثال السوري والليبي والسوداني واليمني واضح للعيان. وبهذا المنطق، لا يتم الالتفاتُ إلى إصلاح التعليم، وتطوير الخدمات الطبية، أو تهيئة المُناخ العام للإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية، عبر انتخابات نزيهةٍ، ولعل الرقم (99.9 %)، واضح في الأدبيات التي حكمَت الانتخاباتِ في أكثر تلك الدول، وهو يؤيد بقاء الرئيس الأوحد، لثلاثين عاماً فوق الكرسي، غيرُ مُبالٍ بجلوس الشعب فوق " الخازوق"!

ومن الملامح في هذه الدول: فتحُ السجون للمعارضة، وحبسُ أيِّ صاحبِ رأي، دون محاكمة، حيث تظلُّ قضايا الرأي سنوات عديدة تدور في أروقة القضاء، الذي يُفترض أن يكون نزيهاً، يُدافع عن الحق، حتى لو كان هذا الحقُّ ضد الحكومة أو النظام ؛ لذلك، تسود المجتمع نقمةٌ على النظام، وحبُّ الانتقام، يتمثل في مظاهرات وتفجيرات واعتداءات على المواكب، وتفخيخ السيارات! ومصير الرئيس اليمني المخلوع (علي صالح) خير مثال، وأيضاً الرئيس الليبي (معمر القذافي)، ولو بقي الرئيسان السابقان الجزائري والسوداني لَلقيا المصيرَ نفسه!.

بوديّ لو قرأ هؤلاء الرؤساء، ومَن بقي على العرش منهم، سِيّر الرؤساء الأمريكان أو الغربيين، وكيفَ أنهم يحكمون وفق الدستور، فترة معينة، لا يمكن أن يتجاوزوها، ويخرجون من قصر الحُكم لا إلى السجن أو المقبرة، بل يَسعدون بقيةَ عُمرِهم مع أحفادهم في الريف، ويصبحون نجوماً في الملتقيات السياسية أو البرامج التلفزيونية، ويظل حبٌّهم في قلوب الناس، الذين يستحضرون إنجازاتهم.

لقد جرّبت الشعوبُ العربية حُكم العسكر، في أكثر من ثماني دول عربية، ولأكثر من ثلاثين عاماً، وفي بعض الدول لأكثر من سبعة وستين عاماً، فلماذا لا يُسمح لها بـ"تجربة" نموذج آخر؟ وها هو الناطق باسم الجيش السوداني " يتعهد" بأن الجيش لن يمسك الحكم إلا لعام فقط وهي فترة انتقالية، لترتيب الحُكم في السودان، ويتم تسليم الحُكم إلى سُلطة مدنية منتخبة!

ثم أعلن وزير الدفاع أن الفترة الانتقالية ستكون عامين، بعد أن تم اعتقال الرئيس البشير!؟ فهل سيتحقق الوعد، أم "يستلذُّ" العَسكرُ – جرياً على التاريخ – ممارسة الحُكم في السودان!

يتخوف كثيرٌ من المُفكرين والمُحللين من عودة العَسكر من النافذة، بعد أن تمت الإطاحة بالبشير من الباب!؟.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)