كتاب عربي 21

الواقع الوطني والنضالي الفلسطيني من نافذة انتخابات جامعة بيرزيت

ساري عرابي
1300x600
1300x600
يبدو غريبا التعاطي الفلسطيني بالغ الاهتمام بانتخابات مجلس طلبة إحدى الجامعات المحلية، وهو اهتمام لا يقتصر على الفاعلين السياسيين، ولكنه يتمدد كذلك إلى مجمل الشرائح المجتمعية.

غير الفلسطيني، والذي لا يملك المعرفة الكافية بحقيقة الأوضاع في الضفة الغربية، قد يعتقد أنّ هذا الاهتمام ناجم عن مكانة الحركة الطلابية، وحيوية الفعل الوطني الفلسطيني، بيد أنّ الأمر على العكس تماما، لا سيما والحديث عن جامعة واحدة، هي جامعة بيرزيت، من بين كلّ الجامعات الفلسطينية الوطنية الأخرى.

تاريخيّا، مثّلت الحركة الطلابية الفلسطينية واحدة من أهم روافع العمل الوطني الفلسطيني، سواء في ظروف التأسيس، أو في ظروف المدّ والاستمرارية. فالفصائل الوطنية الأساسية (فتح وحماس والجهاد الإسلامي) تبلورت داخل النشاط الطلابي، ومثّلت الكتل الطلابية الإسلامية بدايات الانخراط الفعلي للحركة الإسلامية الفلسطينية في النضال الوطني، على طريق الوصول إلى حركة حماس، كما أن الحركة الطلابية كانت دافعا مركزيّا في تفجير الانتفاضتين. وبعد دخول السلطة، اتكأ حضور حركة حماس الفاعل على كتلها الطلابية، في حين كانت تعاني أجهزتها الأخرى من حملات ملاحقة عميقة من الاحتلال أو من السلطة الفلسطينية.

بعد الانقسام الفلسطيني، لم تُستهدف أطر حماس الطلابية وحدها، وإنما استهدفت مجمل الحركة الطلابية، في إطار رؤية ترى في المقاومة خطرا على مشروع السلطة واستمراريته، وخاصة بعد تجربة انتفاضة الأقصى. هذه الرؤية اعتمدت سياسات ثقافية وأمنية واقتصادية؛ تهدف إلى صرف الجماهير عن الفاعلية النضالية. وفي حين جرى ترسيم فتح حزبا للسلطة، وعلى نحو نهائيّ وبما يجرّدها من مضمونها التحرري، استُهدفت القواعد التنظيمية لفصائل المقاومة، وعمدت تلك السياسات إلى تجريف منابرها التقليدية. وحين النظر إلى كون حركتي حماس وفتح تقتسمان الشارع الفلسطيني، فإنّ تدمير فاعلية هاتين الحركتين في الضفة، الأولى بدمجها عضويّا في السلطة وتحميلها تبعات العلاقة مع الاحتلال، والثانية بملاحقتها جذريّا، فإنّه يمكننا توقع الكارثة الوطنية حينئذ.

استندت هذه الرؤية إلى ضرورة الهيمنة السلطوية على المجال العام، سواء بفرض نمط اجتماعي واقتصادي على المواطنين؛ يضعهم في موقع متعارض مع واجب مواجهة الاحتلال، أو بالهيمنة على كل المنابر العامة، والتي من ضمنها الجامعات الوطنية، التي أصبحت في حكم المؤمّمة في الواقع، وأقرب للمدارس الابتدائية من جهة ضبط النشاط الطلابي فيها، فحُظرت الكتل الإسلامية في بعض الجامعات لبعض السنوات، ومنعت الانتخابات في بعضها، كما لم يتمكن إطار حماس الطلابي في بعضها من حشد قواه وإعادة بناء نفسه في مكابدته للهجمة الأمنية التي يتعرض لها، بينما ثارت الشبهات حول سلامة العملية الانتخابية في جامعات أخرى.

ظلّت جامعة بيرزيت استثناء نسبيّا، تنتظم فيها الانتخابات، وتشارك فيها كتلة حماس الطلابية، مع نزاهة واضحة في إدارة العملية الانتخابية. وبالنظر إلى موقع الجامعة الذي يتوسط الضفة الغربية، وطبيعتها الليبرالية، وجذورها المسيحية، وكونها كانت معقلا لفصائل منظمة التحرير، وتحديدا اليسار الفلسطيني، فإنّ فوز كتلة حماس فيها، أو إحرازها موقعا متقدّما، واضح الدلالة في هذه الحالة.

ينبغي ألا يفهم من ذلك أنها لا تكابد ما تكابده أخواتها في الجامعات الأخرى، من جهة التضييق الأمني والملاحقة المكثفة، سواء من الاحتلال الذي يعدّ إطار حماس الطلابي تنظيما محظورا، ويعاقب بالسجن من ينتمي إليه أو يقدّم له الخدمات، وقد اقتحم حرم جامعة بيرزيت بين يدي الانتخابات الأخيرة واعتقل عددا من طلاب الكتلة الإسلامية، أو من السلطة السياسية التي تلاحق فعليّا هذا الإطار.

هذه الأوضاع بالتأكيد لا تجعل من أي انتخابات متكافئة، حين يتدخل الاحتلال فعليّا ضد إحدى الأطر الطلابيّة، وحين تجمع السلطة السياسية، بكل أجهزتها، ممكناتها خلف إطار طلابيّ معيّن، وحينما يكون نشطاء إحدى الكتل في حكم المطاردين والفارين.

حينئذ، وحينما تُصرف الجماهير عن الفاعلية النضالية، وتغرق في الشأن الفردي على حساب الهمّ العام، وتجرّف المنبر الوطنية، وتهيمن السلطة السياسية على الجمعات، وتحيلها إلى ما يشبه المدارس، فإنّ التعلق بانتخابات جامعة محليّة، مثّلت قدرا من الفرادة، يبدو مفهوما، لكنّه يدلّ على تدني الحالة العامّة لا العكس.

هذه الجامعة، لم تزل فتح وحماس تتناوبان الفوز في انتخابات طلابها منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، وبنسب متقاربة للغاية، وبمعدل ثابت نسبيّا في عدد المقاعد منذ 24 عامّا، وهو ما يكشف عن توزع الجماهير الفلسطينية على الحركتين بقدر متساو، دون وجود قوّة ثالثة مؤثّرة، فلا يصعد في هذه الانتخابات من القوى الأخرى سوى الجبهة الشعبية، وبفارق كبير دون أيّ من الكتلتين الكبيرتين، وهو ما يذكّر بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006 حينما تفوّقت حماس على فتح على مستوى القوائم بفارق ضئيل، وإن تفوقت عليها على مستوى الدوائر بفارق كبير. فبينما تمثّل القائمة بعدا سياسيّا غالبا، فإنّ العوامل الشخصية والعائلية تلعب دورا مهمّا في انتخابات الدوائر.

وفي حين أدركت كتلة فتح حاجتها للنأي في خطابها عن السلطة وسياساتها، لكسب أصوات الطلبة، فإنّ السلطة جنّدت كل مقدراتها لخدمة كتلة فتح، لتستفيد منها السلطة سياسيّا وتعيد توظيفها بعد خروج النتائج، وهو ما يعني بالضرورة مزيدا من الهيمنة على المجال العام، والإضعاف للحركة الطلابية.

ما لا يقل عن ذلك في المفارقة، أن ينعدم حضور أيّ قوى في هذه الانتخابات سوى حماس وفتح والجبهة الشعبية، بينما تقبع حماس والشعبية خارج الحكومة الفلسطينية الجديدة، التي سمّاها رئيس وزرائها بحكومة "الكلّ الفلسطيني"، في حين تتمثل في هذه الحكومة، وفي اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، فصائل لا وزن لها ولا تأثير، ولا يعرف أسماءها عموم الفلسطينيين!
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الأربعاء، 24-04-2019 05:58 م
توزع الجماهير الفلسطينية على الحركتين بقدر متساو هو نتيجة الاستقطاب في النظام الديمقراطي المعتمد على الأغلبية. لو جرب نظام ديمقراطي آخر لا يدفع الكارهين لقطب من القطبين إلى القطب الآخر بدلا من اختيار المرشح الذي يمثلهم مهما كانت فرص فوزه لظهرت حقيقة توزع الجماهير الفلسطينية. النظام الحالي يجعل الفريقين الحائزين على أغلب الأصوات هما الفريقين اللذين سيحصلان على أغلب الأصوات لو كان التصويت لاختيار أسوأ المرشحين، ولا يجعل المصوت يهتم بالبرامج ولا بالشخصيات ولا بأداء الفائزين، بل يغذي التعصب والاهتمام بمساوئ الخصم والمنتسبين إليه قديما وحديثا وحتى المقربين منه أكثر من الاهتمام بإصلاح الأوضاع والعمل لأجل الحاضر والمستقبل. أعتقد أن نظاما ديمقراطيا يفوز فيه من يحظى بقبول واسع بدلا ممن يحظى بأغلبية قادر على حل مشكلات الفلسطينيين بل وكل الشعوب وأظنه مفيدا للثوار والمصلحين.