قضايا وآراء

الاعتداء الإماراتي على ليبيا أمام أعين المغاربيين

حسان الشويني
1300x600
1300x600
قبل الربيع العربي سنة 2011، كانت الدول المغاربية متباينة بخصوص تعاملها مع نظام القذافي. فالمغرب كان ينظر لهذا النظام نظرة توجس بسبب دعمه للبوليساريو، وإن كان قد كف عن ذلك بعد رحيل الحسن الثاني، لكن الجزائر كانت أقرب إليه، مع حذر منه بسبب مزاجيته وتوجهه. ولعلنا نتذكر كيف رفض بومدين مرور الدعم للضباط الذين حاولوا الانقلاب على الحسن الثاني. بعد 2011 كانت الرؤى بين جميع الدول المغرب الكبير تصب في نفس الاتجاه، وهو الحوار ودعم المؤتمر الليبي من طرف المغرب والجزائر، ولم تتورط هذه الدول عسكريا في ليبيا.

في صدر كل هذه التطورات التي حدثت، لا بد من الإقرار بأن الانقلاب في مصر أحدث صدمة رجعية وصل مداها إلى سوريا، حيث استفاد النظام البراميلي من ذخائر مصرية. الأهم، وهو موضوعنا، ما حدث في ليبيا بعدها، حيث تم إحياء النظام القديم عبر الأمريكي الجنسية خليفة حفتر، وانقسمت ليبيا سياسيا بين طرابلس معقلا للثورة وطبرق معقلا للثورة المضادة، بدعم من الإمارات عرابة الثورات المضادة والمؤامرات.

من المؤسف جدا أن نرى اتحادا مغاربيا في كنفه دول عريقة، ومع ذلك يقفون موقف المتفرج مما يحدث لبلد مغاربي. يقال إذا احترقت منزل جارك فالأجدر بك أن تساعد في إطفائه قبل أن تمتد النيران لمنزلك. ومن أهم بنود الاتحاد المغاربي: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، أي أن الاعتداء على دولة من الدول الأعضاء يعتبر اعتداءً على كل أعضاء الاتحاد. لا ندري حقيقة سبب هذا التقاعس في حفظ دماء الأخ والجار، فالحماية هنا ليس بالضرورة أن تكون إنزالا عسكريا، ولكن تكون عبر ردع عيال زايد الذين يعيثون في الأرض فسادا. قد يكون للإمارات ضوء أخضر أمريكي أو فرنسي، لكن دول الاتحاد لها مدخل شرعي وهو حكومة الوفاق.

لا يمكن أن نتحدث عن المغرب الكبير الذي يبحث عن حياة دون الإشارة لملف الصحراء المغربية، وهو من معيقات تحقيق التكامل بين دول الاتحاد، ومع ذلك فالتعاون في الملف الليبي ممكن لدرء أي خطة لتدمير المنطقة عبر يأجوج ومأجوج الإمارات؛ التي سحبت سفيرها من المغرب رغم العلاقة التاريخية بين الدولتين، فمن الواضح أن وصول ترامب كان بمثابة التمكين، ويوضح بالملموس أن الحائل الوحيد الذي كان يمنعها من عجرفتها هو العجز.

من جهة أخرى، قد يتحدث البعض عن الدعم القطري والتركي لحكومة الوفاق، لكن واقع الحال لا يسعف أحدا، ذلك أن حكومة الوفاق هي المعترف بها دوليا، ولو كانت الإمارات هي من تقف مع حكومة السراج لقلنا الشيء نفسه. سلوك الإمارات كان واضحا منذ أول يوم تم الإعلان في عن اتفاق الصخيرات، لقد حضرت عدة وفود باستثناء الإمارات التي تريد فرض رؤيتها على الشعب الليبي، ونصبت نفسها عدوا للإخوان المسلمين في كل الدول العربية عبر أموالها القذرة.

وبغض النظر عن الإخوان المسلمين، خيرهم وشرهم، تبقى الشعوب هي من تحدد من يحكم عبر الصناديق، وليس عسكرة الدول وجعلها تابعة سياسيا لشخص يعاني من "الإخوانوفوبيا".

يبقى الموقف الأكثر سريالية هو الموقف الفرنسي. ففرنسا تعترف بالوفاق وتدعم حفتر عسكريا ليقضي على حكومة الوفاق. فهي تتحدث بلسانين، كما هو حال تعامل الدول الغربية؛ التي تحترم شعوبها وحقها في الديمقراطية، لكنها لا تنفك عن دعم طاغية عسكري يجعل من الدولة قاعدة عسكرية لا حق لأحد في معارضته، والدكتاتور السيسي خير مثال. هي سياسة الغرب الخارجية تجاه المنطقة.. وقانا الله من ذي اللسانين وذي الوجهين، لكن الشعوب تراقب ولن تنسى، ولسان حالها: لو أن لي قوة أو آوي إلى ركن شديد.

حقيقة أخرى لا بد منها، وهي أن تحقيق التكامل المغاربي لن يتأتى إلا في كنف أنظمة ديمقراطية تكون فيها كلمة الشعب المغاربي هي العليا، تكون فيها الأسبقية في الإقتصاد لدول الاتحاد وليس لفرنسا أو غيرها.. ذلك يحدث أيضا حين تصبح الشعوب لها وعي سياسي، وقد حدث بالفعل.
التعليقات (0)