قضايا وآراء

الإخوان المسلمون: هل بات الإصلاح مستحيلا؟

هاني الديب
1300x600
1300x600
سؤال مستفز؟ ربما، لكنه ملحّ.

سيقول البعض: ومن قال إن الإخوان بحاجة للإصلاح أصلا؟

إن كل فكر بشري قابل للإصلاح والتجديد والتغيير، ونفي إمكانية ذلك تعني التجميد وحتى التبديد. فإذا كان علم الفقه المتعلق بأحكام الشرع من حلال وحرام يقبل التجديد ويواكب تطور الحياة، فما بالنا بغيره من فكر وسياسات وقناعات ومواقف تتغير وتختلف حسب البيئات؟

لقد اتخذت قرارا منذ سنوات بعدم الخوض في الأحداث السياسية والمواقف التي تبنتها جماعة الإخوان في الماضي القريب، كما كان موقفي المبدئي ألا أكون طرفا في سجال قيادتها مع معارضيهم، لقناعتي بأن المراجعة مسؤولية تلك القيادة التي ينبغي أن تسمع وجهة نظر غيرها في تلك الأحداث التي تمر بها، رغم فداحتها وأثرها السلبي، لا من أجل التبرير والتماس الأعذار، إنما استفادة من الأخطاء ووقوفا على مكامن الخلل، واستخلاصا للعبر والدروس في المستقبل.

إن تلك المراجعات ليست سرا يتعلق بالإخوان وحدهم، إنما أمر يهم المجتمع،  خاصة أولئك الذين يدورون في فلك الإخوان، من عائلات وجمعيات وهيئات تأثرت كثيرا بما حدث لهم. ومرور خمس سنوات دون دون شيء ملموس في إطار تلك المراجعات؛ يعتبر تقصيرا كبيرا، حتى وإن قيل إنها تمت على مستوى الداخل، بل هو استخفاف لا يليق بمنتسبي الإخوان وعموم المجتمع الذي لعبت فيه الجماعة دورا محوريا في المجال العام.

أهمية القيادة وضعف دورها في التجديد:

رغم أهمية موقع القيادة في هيكلة الجماعة، واختلافي الشديد مع كثير من مواقفها، إلا أن الإشكالية الحقيقية فكرية بالدرجة الأساس، إذ لم يحدث أي تطور ملموس على فكر الجماعة منذ زمن مؤسسها، الذي كان منفتحا على عصره يغير سياساته بما يناسب واقعه، ولو عاش إلى زماننا وشهد ما وقع لجماعته لكانت له آراء أخرى ومواقف مغايرة.

لهذا لم يكن شخص من يتولى قيادة الجماعة كبير أثر في تحديد مسارها. فعلى الرغم من التغيرات الكثيرة التي شهدتها مختلف مستويات القيادة في الداخل والخارج، حسب تصريحات رسمية، ظلت السفينة تبحر في نفس الاتجاه. وفرق بين الحديث عن الثبات على المبدأ عند المحن ومواجهة الظلم، وافتداء الوطن وحرية المجتمع، وإن كبرت التضحيات. إنما المقصود بذل الوسع لسماع رأي المخالف، والتماس كل سبيل لقبول النصح ممن يبذله، ثم المراجعة الحقيقة والتغيير وفق مقتضاها؛ باعتباره ضرورة الوقت وبالأخص عند الأزمات.

على من يطالبون بانتخابات داخل الجماعة (وإن كانت مطلوبة) استيعاب أن تغير الأسماء والوجوه لن يحقق التجديد والإصلاح المنشود؛ لأنه سيأتي بمن يعملون وفق ذات القواعد، ويتحركون من نفس المنطلقات الفكرية، وهذه هي الكارثة. إذ يصبح التغيير حينها أشبه بتبادل الأدوار داخل المجلس الحاكم في أي بلد عربي (مع فارق التشبيه). وقد أتت تلك التغييرات بنتائج كارثية، تمنت معها الشعوب أن لم تحدث.

المنظومة الفكرية.. مراجعة ملحّة:

هناك العديد من المحاولات الجادة التي تطرقت لمسألة التجديد في فكر الحركة الإسلامية، وبالأخص جماعة الإخوان. أذكر على سبيل المثال ندوة ميلانو حول "الحركة الإسلامية وآفاق التجديد"، والتي عقدت في كانون الثاني/ يناير 2018، وتناولت مخرجاتها من قبل في سلسلة مقالات تحت نفس العنوان، وحاولت مقاربة عددا من الإشكاليات السياسية والفكرية التصورية. كذلك ندوة "التحولات في الحركات الإسلامية" التي استضافها مركز الجزيرة للدراسات في أيلول/ سبتمبر 2016، حيث وفرت الندوة مجالا لنقاش مفتوح بشأن "المفاهيم والإشكاليات الكبرى في العمل السياسي، والآفاق المحتملة لمستقبل القوى الإسلامية".

وقد خلصت الندوة إلى أن "الحركات الإسلامية تعاني من أزمة داخلية؛ تتمثل في طبيعة بعض تصوراتها وعلاقتها مع التيارات الأخرى، ومعاناتها من تراجع رأسمالها الاجتماعي والرمزي في المجتمع.. وأزمة خارجية تتمثل في مواجهة عداء إقليمي ودولي يسعى لاستئصالها وإقصائها، وفي أحسن الأحوال تحجيمها ومحاصرتها". واعتبرت أن تلك الحركات "تعاني من فقر في التنظير، خاصة في المجال السياسي، مع غياب الوعي الاستراتيجي وشدة حاجتها لاستشراف المستقبل".

كما أوضح المشاركون أن "المسؤولية تقتضي من مجموع القوى الإسلامية قدرة كبيرة على تصحيح مسارها، وجعل عملية النقد والتقويم عملا مؤسسيا، مع التجديد الفكري؛ لأن مشروعها الإصلاحي ما زال مجرد كليات"، مؤكدين على أن "الإشكالات والمصاعب التي واجهت جماعة الإخوان المسلمين (على سبيل المثال)؛ من شأنها أن تثير العقل الإسلامي لإنضاج رؤية جديدة حول قضايا ومفاهيم متعددة، منها مفهوم القوة، ومفهوم الدولة ومفهوم تطبيق الشريعة، ومفهوم الشرعية وماذا يقصد به: هل هي شرعية الميدان أم شرعية الصناديق؟ وكيف تتحقق تلك الشرعية؟"، وأن "القوى الإسلامية مطالبة بالانتباه لمستقبل أوطانها ووضعه في الحسبان، بحيث تكون عامل ارتقاء وتقدم لمجتمعاتها، وهو ما يلقي عليها بمسؤولية كبيرة".

إن مخرجات تلك الندوات وغيرها من الكتابات الجادة والرؤى الموضوعية تعتبر منطلقا كافيا؛ يمكن البناء عليه في مسار التجديد.

إن انتهاء الورشات إلى خيارات متعددة مفتوحة، يوجب على قواعد الإخوان، بل عموم الناس، المشاركة فيها، باعتبارها جزءا من الشأن المجتمعي العام. لعل هذه المشاركة تعيد الحيوية للحركة حين يشعر المنتسبون لها والمهتمون بأمرها أنهم جزء من صياغة المستقبل، وليسوا أصفارا لا قيمة لها أو تروسا في ماكينة لا يدري أحد ماذا تنتج. لقد بات أمر المراجعات وقبول النقد الذاتي والخارجي الموضوعي ملحا، في ظل تلك الأزمة الفكرية التي تشكل منعطفا خطيرا (لا مبالغة) يكاد يكون وجوديا، واستمرار حالة الإنكار إزاء ذلك، مع إحالة تلك الأزمة حصريا إلى تآمر المناوئين، لم يعد يجدي شيئا. فمتى يدرك المعنيون أن إعمال العقل هو واجب الوقت؟
التعليقات (2)
متفائل
الأربعاء، 08-05-2019 12:24 م
أخي الفاضل ، الأزمة هي أزمة فكرية مركبة و متشعبة بقدر تشعب الحركة التي آثرت التنظيم على المجتمع ، و السياسة على الاجتماع ، فباتت أقرب ما تكون في أزمتها إلى أزمة فكر الأزمة ، تجلى ذلك من بعد المحنة التي عاشتها مصر رفقة حكم جمال عبد الناصر ، اليوم و من بعد الثورة ، و وصول السيسي إلى قمة الهرم الذي بات أجوفا كثيرا ، تكشفت الحركة على وجهها من خلال النظر في وجه المجتمع و من خلال مرآته ، فلم تعد تعرف ما تريد ، و ما يريده المجتمع ، في ظل خبث قوى الاستبداد و الفساد تحت مظلة قوى الاستعمار البغيض ، لا يجب الرهان على التنظيم بأبعاده الدولية ، خير لمصر ، و لجماعة الإخوان ، و العالم أجمع ، أن تجتهد الحركة من أجل استرجاع أنفاس الجماعة على مستوى المجتمع المصري و الدولة المصرية قبل كل شيء ، لأن القوى المعادية المتربصة توجهت بالضربة الأخطر صوب مصر دولة و مجتمعا ، و كل رهان على الشعارات بعد اليوم سيزيد من المخاطر .
مصري جدا
الأحد، 05-05-2019 05:58 م
باختصار ،، نعم من المستحيل إصلاح او تطوير الاخوان في ظل نهج القيادات الحالية ،،، والأمل في منصة قيادة جديدة بمستوى تحديات المرحلة وطموحات المستقبل ،، وهذه مهمة القيادات الوسيطة والقواعد ،،، وفي حالة رضى القيادات الوسيطة والقواعد بنهج الادارة الحالي ،،، فاعلم انها الايام الاخيرة من مرحلة الشيخوخة التي تأتي من بعدها النهاية وميلاد كيانات بديلة ،،، لقد انتهت حضارات وأمم حكمت الدنيا لتصادمها وسنن والتغيير فما بالك بجماعة تحاربها الدنيا فضلا عن انها المحارب الأول لنفسها ،،، الإخوان كانت ثروة قومية للمصريين والعرب والمسلمين ،،، لكنه كعادة سكان هذه المنطقة من العالم أساتذة في إهدار الثروات ،،،