ملفات وتقارير

القضاء الإسرائيلي.. "ميزان مقلوب" يبرئ المستوطنين فقط

مستوطنون كانوا أحرقوا منزل عائلة دوابشة عام 2015 ما أدى إلى وفاة الوالدين ورضيعهما- جيتي
مستوطنون كانوا أحرقوا منزل عائلة دوابشة عام 2015 ما أدى إلى وفاة الوالدين ورضيعهما- جيتي

لا يستطيع مقاومة أنظاره كل صباح وهي تخترق جدران ذاك البيت الصغير المحترق، فيوما ما كان هذا منزله، ويوما ما كانت تقطن فيه عائلته التي لم يبق منها إلا هو، يواصل مسيره إلى مدرسته ولكنّ عينيه تأبيان إلا أن تختلس النظر صوب ذكرى جميلة حولتها أيادي المستوطنين إلى محرقة.


ورغم مرور أربعة أعوام على ارتكاب المستوطنين جريمة إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية جنوب مدينة نابلس والتي أسفرت عن استشهاد الوالدين وطفلهما الرضيع وإصابة ابنهما أحمد بجروح بالغة؛ إلا أن الأخير ما زال يعيش أياما قاسية بين علاجٍ لا ينتهي وذكريات مؤلمة، ليصدر قرار أشد إيلاما من محكمة الاحتلال بتبرئة أحد قتلة العائلة.


ويرى نصر دوابشة عم الطفل أحمد بأن القرار لم يكن غريبا ولم تتفاجأ به العائلة بل كانت تتوقعه؛ خاصة وأن حياة الفلسطينيين محصورة بين قاضٍ وجلادٍ واحد هو الاحتلال.


ويقول في حديث لـ"عربي21" إن لجوء العائلة إلى القضاء الإسرائيلي لا يعني الاعتراف بها؛ ولكنه كان خطوة هامة من أجل التوجه للقضاء الدولي من أجل المطالبة بحق العائلة التي كانت ضحية إجرام المستوطنين.


ويضيف:" تبقت محاكمة للمستوطن الأخير في القضية وهو المنفذ الرئيسي للجريمة ولكننا نتوقع السيناريو ذاته؛ فالاحتلال لا يمكن أن يحاكم مستوطنيه بل هو من يشجعهم على ارتكاب جرائمهم التي أعطيت الآن الضوء الأخضر بعد قرار التبرئة بأن تتواصل بشكل أعنف بحق الفلسطينيين".


محاكمة المستوطنين استغرقت أكثر من خمسين جلسة في أربع سنوات، وقد تزيد وسط مماطلة الاحتلال في القضية ومحاولته تبرئة كل المستوطنين رغم وضوح معالم ما قاموا به واعترافهم بذلك.


ويشير دوابشة إلى أن المستوطن الذي ارتكب الجريمة كان قام بعدة اعتداءات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في مناطق مختلفة ولم يحاسب عليها إلى أن نفذ جريمة الحرق بحق عائلة بريئة بأكملها، مبينا بأن هذا يؤكد بشكل قاطع بأن القضاء الإسرائيلي شريك في الجرائم بل ويتحمل المسؤولية عن أي دماء فلسطينية قد تنزف على يد المستوطنين مستقبلا.

 

اقرأ أيضا: محكمة إسرائيلية تُبرئ قاتل عائلة دوابشة من تهمة القتل

وما زال الطفل أحمد دوابشة (8 سنوات) يخضع للعلاج بعد الحروق البليغة التي أصيب بها؛ حيث يجري عملية جراحية مرة كل ثلاثة أشهر في رحلة علاج قد تستمر لعشر سنوات.


ويتابع عمه القول:" إذا حلم الفلسطيني مجرد حلم بأنه نفذ عملية ضد الاحتلال يتم اعتقاله ومعاقبته لسنوات؛ بينما المستوطن ينفذ ويرتكب ويعتدي بل ويعترف بذلك دون محاسبة وهذا ما يزيد بشاعة ما يرتكبون ولكننا لن نسكت عن حقنا".


الظلم بأوضح أشكاله


المحكمة الإسرائيلية تذرعت بأن المستوطن المتهم الذي تمت تبرئته قاصر ولم يشارك في فعل الحرق ولكنه خطط له، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا لدى الفلسطينيين خاصة وأن الاحتلال لا يوفر رصاصاته ولا أحكامه بحق الأطفال الفلسطينيين.


وفي هذا السياق يعتبر والد الشهيد الطفل حسن مناصرة من القدس المحتلة بأن قرارات الاحتلال وقضاءه أعوج لا يرى مجرما إلا الفلسطينيين حتى لو كانوا أطفالا، فنجله استشهد برصاصات الاحتلال بعد ثلاثة أشهر فقط من مجزرة عائلة دوابشة بزعم أنه كان ينوي تنفيذ عملية فدائية، حيث طارده الجنود وقنصوه عن مسافة قصيرة وتركوه ينزف حتى الموت ملقيا على الأرض.


ويضيف لـ"عربي21:" ابني قاصر كان يبلغ من العمر فقط 14 عاما ولم يشكل خطرا حقيقيا؛ وحتى لو شكل خطرا فكان بإمكانهم إطلاق الرصاص حوله أو على قدميه واعتقاله بدلا من قتله بعشرات الرصاصات وتركه ينزف، ولكن ميزان العدل غير موجود أصلا لدى الاحتلال".

 

اقرأ أيضا: جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين تضاعفت 3 مرات العام الماضي

وفي ذلك اليوم كذلك أصيب الطفل أحمد مناصرة ابن عم حسن والذي كان يبلغ من العمر 12 عاما فقط، وقام المستوطنون بركله وشتمه وهو جريح أمام مرأى الجنود الذين اعتقلوه لاحقاً وأصدرت محكمة الاحتلال حكما جائرا عليه بالسجن لمدة 12 عاما رغم أنه لم يفعل شيئا سوى التواجد مع ابن عمه.


ولا تحصى الحالات التي تظهر انحياز المحاكم الإسرائيلية لصالح المستوطنين مع إدانة الفلسطينيين وعقابهم؛ فعائلة الشهيد الطفل محمد أبو خضير الذي استشهد حرقاً على يد المستوطنين عام 2014 ما زالت تطالب بمحاكمة القتلة؛ وكذلك عائلة الشهيدة الأم عائشة الرابي والتي قتلها المستوطنون بالحجارة شمال الضفة قبل أشهر والقائمة تطول، بينما يقبع في سجون الاحتلال أكثر من 300 طفل فلسطيني بينهم أحكام مؤبدة.


تضليل

 
وتذهب أبعاد هذه السياسة إلى مدى أوسع بحسب المراقبين؛ فالاحتلال يتعمد إجراء المحاكم الشكلية للمستوطنين في محاولة منه لإظهار "ميزان العدل" لديه وسعيه لمحاربة "الإرهاب" حتى لو كان مرتكبوه من المستوطنين، ولكن الواقع يترجم عكس ذلك.


ويعتبر الخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان صلاح الخواجا بأن قرار تبرئة المستوطنين من كل جريمة رغم ثبوت ضلوعهم فيها واعترافهم وتبجحهم بتنفيذها؛ يؤكد أن القضاء الإسرائيلي يميز ما بين المستوطن الذي جاء إلى فلسطين ليستوطن فيها ظلما بكل همجيته وبين المواطن الفلسطيني صاحب الأرض الذي يتعرض للاعتداءات.


ويؤكد لــ"عربي21" بأن هذه القرارات القضائية تظهر الوجه القبيح لدولة الاحتلال وتعمل على تضليل المجتمع الدولي بأن هناك قوانين ومرجعيات يحكم بها على الجميع دون استثناء؛ ولكن حين يكون الأمر لصالح المستوطنين فتختلف الصورة.


ويضيف:" 96 في المئة من قرارات محكمة الاحتلال العليا تكون لصالح المستوطنين، وهي محاولة واضحة كي يظهر الاحتلال أن هناك سلطات تحاكم المدانين، ولكن السلطات كلها التنفيذية والتشريعية والقضائية هي في خدمة الاستيطان والمستوطنين فقط".

التعليقات (0)