قضايا وآراء

ماذا خسر المصريون بوفاة مرسي؟!

قطب العربي
1300x600
1300x600

أما وقد أفضى الرئيس الشهيد محمد مرسي إلى ربه بعد معاناة وضغوط لا يحتملها بشر على مدى 6 سنوات خلف البوابات والأقفاص السوداء، يحق علينا أن نعطي الرجل حقه، وأن نذب عنه محاولات تشويهه ميتا بعد تشويهه حيّا، إذ إن من ناصبوا الشهيد العداء في حياته استكثروا حالة التعاطف الشعبي الكبير معه بعد استشهاده، وهو التعاطف الذي كان لدى الكثيرين بمثابة اعتذار عن سوء فهمهم وسلبية نظرتهم له ولفترة حكمه التي يقارنونها بما يعايشونه الآن فيجدوا فارقا هائلا في كل المجالات.

في هذه الأجواء أعاد بعضهم أسطوانات مشروخة لطالما سمعناها من قبل خلال حكم الرئيس مرسي، تدعي أن كل عناصر النجاح كانت متوفرة له، وأنه وجماعته كانا السبب فيما حدث من فشل وانقلاب بسبب سوء الإدارة السياسية ومحاولات الأخونة والتكويش، وعدم التعاون مع بقية القوى السياسية الخ، وعدم سماع نصح الناصحين.

 

لم يسلم مرسي منذ أيامه الأولى في الحكم من المناكفات ومحاولات العرقلة والإفشال التي شاركت فيها الدولة العميقة والقوى السياسية التي فشلت في الانتخابات


ومع التأكيد أن الرئيس مرسي كان بشرا يخطئ ويصيب، وأن جماعة الإخوان هي كيان بشري يخطئ ويصيب أيضا، وأن هناك أخطاء في الإدارة قد حدثت بالفعل، إلا أن تلك الأخطاء كانت نتيجة طبيعية لحداثة التجربة، وكان حدوثها مرشحا أو أكثر منها من أي مرشح آخر أو أي قوة سياسية تتولى الحكم بعد ثورة شعبية رفعت سقف طموحات الناس وآمالهم في ظل واقع اقتصادي بائس لا يمكن من يحكم من تحقيق جميع تلك الطموحات.

يدعي بعضهم أن من العناصر التي توفرت لنجاح مرسي سماح المجلس العسكري الانتقالي للإخوان بتأسيس حزب وإصدار صحيفة وإطلاق قناة لأول مرة في تاريخهم، وينسى أن ذلك لم يكن منة أو منحة خاصة، فالذي سمح بذلك هي الثورة التي شارك فيها الإخوان مع بقية الشعب وليس المجلس العسكري، وهذا أمر لم يقتصر على الاخوان بل كان من حق أي مجموعة أن تؤسس حزبا وأن تعقد الاجتماعات وأن تصدر صحف بمجرد الإخطار.

لم يكن فوز مرسي في الانتخابات نتيجة صفقة مع المجلس العسكري، بل كان نتيجة انتخابات حرة لم تشهد مصر لها مثيلا من قبل ولا من بعد، نافس مرسي خلالها 13 مرشحا بمن فيهم 3 جنرالات كبار، وحاز أصوات أكتر من 13 مليون ناخب، وتمكنت حملته الانتخابية (مستندة إلى قوة المد الثوري وحضور ميدان التحرير) أن تلزم المجلس العسكري بإعلان النتيجة الحقيقية بعد ظهور مؤشرات قوية على مساعيه لإعلان فوز المرشح العسكري أحمد شفيق.

لم يسلم مرسي منذ أيامه الأولى في الحكم من المناكفات ومحاولات العرقلة والإفشال التي شاركت فيها الدولة العميقة والقوى السياسية التي فشلت في الانتخابات وكانت ترى نفسها الأحق بالمنصب الأعلى في مصر، وبدأوا المؤامرات والمكائد ضد الرئيس بعد مرور أقل من شهرين فقط على وصوله إلى القصر الجمهوري، ودشنت الصحف والقنوات الممولة من السعودية والإمارات حملات تشويه مستمرة ضد الرئيس وحكومته، وحجبت عن الشعب رؤيته ماحققت من إنجازات، بل كانت تسخر من أي إنجاز، في الوقت الذي لم توجد فيه أدوات إعلامية محلية قوية داعمة للرئيس بخلاف قنوات التليفزيون الرسمي والصحافة القومية التي لم تكن بقوة الإعلام الممول إماراتيا وسعوديا (كانت القنوات الخاصة الداعمة للرئيس في معظمها قنوات دينية ذات جمهور خاص).

 

لقد منع محافظون عينهم مرسي من دخول مقار عملهم بتنسيق كامل بين الشرطة والبلطجية في مشهد غير مسبوق أيضا ولم تتدخل أي جهة أمنية لتأمين هؤلاء المحافظين


وعلى عكس ما يزعم البعض من تعاون مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والشرطة مع الرئيس، فإن الواقع كان يكذب ذلك، فالجيش لم يظهر معارضته علنا، لكن المؤامرة علي الرئيس حيكت داخل أروقته، وجرى تنفيذها بهدوء، وبخبث شديد من العناصر المتآمرة، ولعلنا لا ننسى دعوة وزير الدفاع لحوار وطني في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2012 وهو عمل يظهر المؤسسة العسكرية ووزيرها كطرف مواز لرئاسة الجمهورية وليس منفذا لسياستها وهو ما دفع مؤسسة الرئاسة لإلغاء تلك الدعوة، ولا ننسى تقريب السيسي للفنانين والإعلاميين المناوئين لحكم مرسي ودعوتهم لمشاهدة بعض التدريبات العسكرية في منطقة دهشور (تفتيش حرب) وتأسيس حركة تمرد في مطبخ المخابرات الحربية، ورعاية خطة الفوضى والإفشال وصولا إلى مظاهرات 30 يونيو التي جرت في حماية الجيش وطائراته، وتصويرها وتوزيعها من الشؤون المعنوية على وسائل الإعلام، ثم إعلان بيان الانقلاب يوم 3 تموز/ يوليو 2013.


بالتوازي مع تحركات مجموعة السيسي في الجيش كانت وزارة الداخلية في أسوأ حالاتها، وأعلن غالبية ضباطها توقفهم عن العمل ، واعتبروا أنفسهم في عطلة حتى نهاية حكم مرسي، وشكل ائتلافا لضباط وأمناء الشرطة (كنقابة تدافع عن أعضائها) وهو أمر غير مألوف سواء في مصر أو غيرها ، وقد كان هذا الإئتلاف أحد المشاركين بحماسة في مظاهرات 30 يونيو في ميدان التحرير.

لقد منع محافظون عينهم مرسي من دخول مقار عملهم بتنسيق كامل بين الشرطة والبلطجية في مشهد غير مسبوق أيضا ولم تتدخل أي جهة أمنية لتأمين هؤلاء المحافظين، كما منع وزير الثقافة من دخول مكتبه بسبب اعتصام الفنانين ولم تتدخل أي جهة أمنية لتأمين دخوله إلى مكتبه.

 

كان مرسي حاكما ديمقراطيا استثنائيا حاول بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، لكنه واجه محاولات الإفشال طوال فترة حكمه


لم (يكوش) مرسي على السلطة كما يدعي البعض، بل الحقيقة أنه عرض شراكة فعلية علي شخصيات كبرى في مواقع رئاسة الحكومة أو كنواب لرئيس الجمهورية ومنهم البرادعي وحمدين صباحي وَعَبَد المنعم أبو الفتوح، ناهيك عن عرض مناصب وزارية ومحافظين على عدد آخر من الشخصيات السياسية من مختلف الاتجاهات لكنهم رفضوا، ومع ذلك كان مرسي أول من عين 4 مساعدين لرئيس الجمهورية أحدهم قبطي(سمير مرقس) وسيدة (باكينام الشرقاوي) وسلفي (عماد عبد الغفور) وإخواني (عصام الحداد) كما اختار عددا كبيرا من المستشارين يمثلون مختلف الاتجاهات.

ورغم أن الدستور الجديد أقر في عهد مرسي (دستور 2012) إلا أنه نزع العديد من الصلاحيات من رئيس الجمهورية لصالح رئيس الوزراء ليتساوى المنصبان في اختصاصاتها، ومع ذلك لم يحاول مرسي التأثير في اتجاهات اللجنة التأسيسية للدستور.

باختصار شديد كان مرسي حاكما ديمقراطيا استثنائيا حاول بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، لكنه واجه محاولات الإفشال طوال فترة حكمه، ولم يشأ أن يعلن عن تلك المحاولات لأنه كان يحاول حلها بطريقة هادئة وكان يعتبر الوقت كفيلا بعلاجها، لكن الوقت لم يسعفه لذلك، وخسر المصريون بالانقلاب على هذا الرئيس، ففقدوا حريتهم وأهينت كرامتهم، وانتهكت سيادة وطنهم، وها هي الأسعار تلهب ظهورهم دون أي قدرة للتعبير عن الألم، حقا لقد كفرنا بالنعمة التي أنعم الله بها علينا فكانت النتيجة ما نعانيه. 

التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 24-06-2019 02:33 م
ربط الشرعية بشخص الدكتور مرسي رحمه الله كان خطآ سياسيا للإخوان قليلي الخبرة السياسية ،،، لأن الشرعية مبدأ وقيمة ،، الشرعية تعني سيادة الشعب ،، دستوره وقوانينه وخياراته التي منها بالطبع رئيس الدولة الدكتور مرسي رحمه الله او غيره ،،، هنا أيضا خطآ جسيم في العنوان ،، ماذا خسر المصريون بوفاة مرسي ،،، لماذا ،، لأن هناك من المصريين وهم عدد كبير لا يريدون مرسي ولا جماعته ويعتبرون وفاته راحة له ولهم ،،، وبالطبع هناك من يعشقون مرسي وجماعته ،،، لذا ،، فربط الأحداث بالأشخاص خطأ استراتيجي نهى عنه القرآن في شائعة وفاة محمد سيد الخلق ورسول الله صلى الله عليه وسلم ،، حين قال ،، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل آفإن مات او قتل انقلبت على اعقابكم ،،، رحم الله الدكتور مرسي ورزقه صحبة النبيين والصديقين والشهداء ،،، رجل ظلمته جماعته وقتله السيسي ونظامه ،،،