قضايا وآراء

"العدالة والتنمية" التركي فاز حتى لو خسر رئاسة بلدية إسطنبول

أسامة رشدي
1300x600
1300x600
أُسدل الستار الأحد على انتخاب رئيس بلدية إسطنبول، والتي أعيدت لأسباب ادارية بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، بهزيمة مرشح حزب العدالة والتنمية (AK) السيد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء السابق، بفارق كبير نسبيا، بالمقارنة بالانتخابات الأولى في 31 آذار/ مارس الماضي، والإعلان عن فوز السيد أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP).

وهذا يحتاج لقراءة متأنية في أسباب هذه النتيجة التي تعد الأولى منذ فوز رجب طيب أردوغان برئاسة بلدية إسطنبول عام 1994.

ولعل أهم أسباب هذه النتيجة التي يجب أخذها بعين الاعتبار؛ هي التأثيرات السلبية للحرب على أكثر من جبهة في وقت واحد.

فالعدالة والتنمية يخوض حربا لا هوادة فيها مع القوى التي وقفت خلف الانقلاب العسكري قبل ثلاثة أعوام، وهذا استدعى اتخاذ إجراءات مست قطاعات واسعة من المجتمع؛ لأنها استهدفت تنظيما له تغلغل كبير في أوساط الناس ودوائر السلطة، مما أثر على مكانة الحزب وشعبيته.

وفي الوقت نفسه، تخوض تركيا معركة قومية كبرى تتعلق بالتصدي لتداعيات ما يجري على حدودها مع سوريا، وتداعيات التحالف الأمريكي الكوردي في سوريا، والمخاوف المشروعة المتعلقة بمشروع حزب العمال الكردي التركي بالمشاركة مع أجنحته السورية؛ بإقامة كيان قومي كردي على الحدود التركية. ويعتبر الأتراك جميعهم أن هذا خط أحمر بالنسبة لهم، ولكن يتحمل حزب العدالة والتنمية ضريبة هذه المواجهة لأنه من يتولى السلطة، وهذا أثر على شعبية الحزب الذي فقد عم الأصوات الكردية في إسطنبول، والتي لا تقل عن 20 في المئة من الأصوات.

يضاف إلى ذلك أن إعادة الانتخابات على رئاسة البلدية، بعد الطعون التي قدمها العدالة والتنمية أمام اللجنة العليا للانتخابات على بعض المخالفات الإدارية، والتي جاءت نتيجتها بشكل عكسي، حيث زادت الهوة والفارق بين نتائج بن علي يلدريم وبين أكرم إمام أوغلو عما كانت عليه في الانتخابات الملغاة؛ حيث كانت 17 ألف صوت، بينما تزيد في انتخابات 23 يونيو عن 700 ألف صوت.

ويكشف هذا أن نسبة ممن صوتوا لـبن علي يلدريم في الانتخابات السابقة قد غيّروا رأيهم ومنحوا صوتهم لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، نتيجة التعاطف مع ما يمكن وصفه بالمظلومية، بسبب ما ادعاه الأخير من حرمانه من الفوز الذي حققه، ولو بفارق ضئيل، خاصة أنه دخل بالفعل لمكتب رئيس البلدية وتسلم مهام منصبه لـ 18 يوما قبل أن تقرر لجنة الانتخابات سحب الاعتراف به وإعادة الانتخابات، ما عزز من فرضية المظلومية التي ركز عليها أوغلو في المناظرة التي جرت قبل أسبوع مع يلدريم.

وقد أكدت انتخابات الإعادة على حقيقة أنه يستحيل تزوير الانتخابات في تركيا، وأنها تعكس في النهاية رأي الناخبين.

ولذلك، يحتاج حزب العدالة والتنمية بشكل عاجل أن يعالج عددا من القضايا إن كانوا حريصين على استعادة مكانتهم، ومن ذلك:

- معالجة أسباب الانقسامات داخل صفوف الحزب، والتي أدت لانزواء عدد من قيادات الحزب التاريخية التي كانت لها بعض المواقف المعارضة لبعض قرارات الحزب.

- وقبل كل ذلك تحتاج تركيا بشكل عاجل لإعادة تنشيط مسار المصالحة الوطنية، سواء ما يتعلق بالعفو عن عدد ممن شملتهم الإجراءات المتعلقة بتصفية الكيان الموازي الذي تحمله السلطات التركية المسؤولية عن انقلاب 15 تموز/ يوليو 2016.

- وتحتاج تركيا أيضا لإعادة تنشيط مسار السلام مع الأكراد، والذي قطعت فيه الحكومة شوطا كبيرا حتى عام 2015ـ وكان للإصلاحات السياسية التي أقرتها حكومة الرئيس أردوغان الفضل في هذا التمثيل الحزبي والبرلماني لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعد أن توقف مسار السلام بسبب تداعيات الحرب الأهلية في سوريا، وتراجع قادة حزب العمال الكردي عن تفاهماتهم بعد أن تبدى لهم أن الفرصة سانحة لتحقيق مشروعهم، وهو ما لم يحدث، ولذلك فهم يحتاجون جميعا للعودة لمسار السلام من النقطة التي وصل إليها في 2015.

وأيا كانت نتيجة الانتخابات ومن فاز فيها، فإن الفائز الأول هو تركيا وشعبها ورئيسها وحكومتها التي أدارت ونظمت هذه الملحمة الديمقراطية التي لا تحدث في المنطقة إلا في تركيا. وهذا أبلغ رد على من شككوا في الديمقراطية التركية وقدرتها على ضمان العدالة الانتخابية والتداول السلمي للسلطة.

نبارك للشعب في إسطنبول هذه المثابرة، وهذا الإصرار على إنجاح هذه الانتخابات.

ونبارك للفائز السيد أكرم إمام أوغلو، مع كامل الاحترام لتاريخ وانجازات رئيس الوزراء السابق السيد بن علي يلدريم.
التعليقات (0)