قضايا وآراء

إلغاء قطر والكويت اعتماد جامعات أردنية.. بين السياسي والأكاديمي

منذر الحوارات
1300x600
1300x600
ما يشبه الصدمة المترافقة بالمهانة.. هذا ما تركة قرار دولتي الكويت وقطر بحصر اعتماد الجامعات الأردنية في عدد محدود، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. مرد ذلك إلى أن تلك الخطوة مسّت صميم الدولة الأردنية التي اعتادت التفاخر بأن الإنسان هو جُلّ ثروتها، والرصيد الفعلي الذي سيمكّنها من اجتياز المستقبل. وبالطبع ستحصل الجامعات على علامة رئيسية ومتميزة في تكوين تلك الثروة، والمسَّ بها سيزعزع الأسس المكونة لذلك الإنسان، مما سيخلق حالة من الشك وعدم الثقة.
 
لكن الملفت ليس فقط القرار، بل الطريقة التي تعاملت بها النخب السياسية والاجتماعية الأردنية معه، فقد حملت في طياتها الكثير من السيولة، وما يشبه اللا موقف. فالبعض بادر بالهجوم على الجامعات وطرق التدريس ونوعية المدرسين والمنتج الذي تخرجه تلك الجامعات، لدرجة أن البعض أثنى على القرار واعتبره نتيجة فعلية، وحصيلة لسنوات سبقته من الانحدار في مستوى التعليم بشكل عام، والجامعي بشكل خاص، حتى أنه يُخيّل لي أن البعض مارس نوعاً من التشفي المبطن بالنصح.
 
أما حكومياً، فالارتباك وغياب الوضوح كان الصفة المميزة لردود فعل بعض الوزراء، فبدوا وكأنهم يحاولون التخفيف من وطأة ذلك القرار والتقليل من أهميته، بل إيجاد المبررات لمتخذيها، مُدّعين أنها إجرائية تتعلق بتنظيم التعليم في الدولتين، ومحاولة ضبط الأسس التي تتبعهما في ابتعاث طلبتهما، للدرجة التي جعلتني أعتقد في لحظة أن تلك التصريحات التي أطلقها مسؤولونا هي تصريحات وزراء في دولتي الكويت وقطر، وليس الأردن، بحيث لو تصدى وزراء هاتين الدولتين لشرح أسباب تلك الخطوة لما نجحوا كنجاح وزرائنا، فلدينا خبرة متجذرة في التبرير عمرها عقود.
 
لكن ما الذي جعل الكويت تذهب بهذا الاتجاه؟ وهل يتخذ القرار الصبغة الأكاديمية البحتة؟ وإن كان كذلك، فما الأسس التي من خلالها صنفت هذه الجامعة بأنها تصلح وتلك لا؟ وهل للقرار خلفيات في الداخل الكويتي ذات طبيعة ضاغطة؛ تحبّذ التعامل مع جامعات دون غيرها لمصالح معينة؟ وهل طبقت المعايير (إن وجدت) على جميع الدول؟ وهل يدرك الكويتيون والقطريون حجم الضرر الذي سيتركه هذا القرار على سمعة ومستقبل تلك الجامعات في الأردن؟
 
فالسؤال الأول ينفيه واقع حال الجامعات المستثناة، فمنها ما هو مصنف عالمياً في مستويات أعلى بكثير من جامعات لدول أخرى معتمدة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، جاء القرار بصيغة شاملة، بحيث استثنى جامعات تميّزت على الصعيد العربي والعالمي ببعض التخصصات، كالهندسة والصيدلة والطب، وهذا ما أثبته تفوق خريجي تلك الجامعات في الامتحانات الدولية والعالمية. سيحتج البعض بأن الجامعات الأردنية قليل منها مصنف عالمياً، وهذا يمكن الرد عليه بأن تلك الجامعات تفتقر إلى المقومات المالية التي تتيح لها الدخول بجدية للحصول على الاعتمادات الدولية، عدا عن كون قوانين العمل لا تسمح بتوظيف كفاءات من خارج البلد، وهذا الأمر حدّ كثيراً من منافساتها للحصول على تلك الاعتمادات، مع العلم أن مهمة تصنيف الجامعات تخضع لاعتبارات دولية أكاديمية بحتة، لها علاقة بأمور عديدة؛ لا تشمل أبداً حاجة الدول لهذا التخصص أو ذاك، ولا بالاعتبارات السياسية.

أما هل يتعلق الأمر باعتبارات داخلية حقيقةً؟ فلا أمتلك من الدلائل ما يمكنني من الحديث عن هكذا أمر، لكن في المجمل دوماً تتواجد فئات من الناس لها مصالح مع هذه الجهة أو تلك، وبقدر قوة تلك الفئة تستطيع أن تمارس الضغط لمصالحها. طبعاً أترك هذه النقطة للقادرين على الإجابة عليها، ولكنها تبقى من الأهمية بحيث يجب عدم استبعادها. أيضاً لا أستطيع أن أنفي ما إذا كانت هذه المعايير (إن وجدت) قد طبقت على مختلف الجامعات في الدول الأخرى، فهذا يحتاج لدراسة معمقة أكثر.
 
أعود للأثر الذي يمكن أن يتركه القرار على الجامعات الأردنية، فبدون شك فإن آثاره لن تقتصر على الخسارة المادية، بل ستتعداها إلى السمعة والمكانة التي سعت تلك الجامعات لسنوات عديدة لاكتسابها، في محاولة لتجذير وجودها في الحياة الأكاديمية الأردنية والعربية. وهذه الصفعة ستحدّ، ولفترة ليست بالقصيرة، من طموحها في التسابق لمكانة مميزة.

هذا من الناحية المعنوية، أما تجارياً، فبدون شك، فإن واحدة من أهم أهداف تلك الجامعات أن تكون مقصداً للطلاب من الدول العربية والخليج، كأحد أهم الروافد، وإصابة هذا المنبع بالعطب والتوقف سيضع مستقبل تلك الجامعات على الصعيد الاستثماري في مهب الريح، وربما تتبعثر هي ومنجزاتها كأوراق الخريف، الأمر الذي سلقي إلى أرائِك العاطلين عن العمل عشرات الآلاف، ذكوراً وإناث.

طبعاً يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، وهو هل تمتلك تلك الجامعات الحق في مقاضات أي دولة تحط من قدرها الأكاديمي وسمعتها العلمية؟ وما هي الجهة المخولة للبت في مثل هكذا قضايا؟ أم أن القرار هو أمر سيادي لكل دولة، حتى وإن مسَّ بأثره الآخرين، وأدى إلى تكبدهم خسائر ليست في الحسبان؟ أترك هذا السؤال للمختصين من القانونيين.
 
لكن ماذا لو طُبق استثناء تلك الجامعات على خريجيها، واعتبروا غير مستوفين لشروط ممارسة أعمالهم، كون جامعتهم غير معترف بها؟ فلنتخيل أيضاً أن الأمر أُخذ وطبق بأثر رجعي، فكم من عشرات الآلاف من خريجي تلك الجامعات سيحرمون من فرص عملهم، ويعودون إلى دكة العاطلين عن العمل؟ ألا يهيئ كل ذلك لغضب اجتماعي مركب؟ ألن يولد هذا الحال أثراً سياسياً، حينها من سيتولى مهمة إعادة الأمور إلى نصابها؟

ربما يرى البعض أن الصورة التي رُسمت في السابق من الكلمات مبالغ فيها ومأساوية، لكن التمعن فيها جيداً يحتم على جامعاتنا، كي تتجنب الهزات الإقليمية غير المتوقعة، أن تتوجه فوراً لحجز مقاعدها في قائمة الاعتمادات الأكاديمية الدولية، مهما كانت التكلفة المالية. فهذا هو الحل الوحيد لمستقبل غير خاضع إلا لما هو علمي وأكاديمي، وهذا هو التحدي. ومسيرة الأردن وشعبه تثبت أنه قادر وسينجح. ويبقى أن نقول إن الحكومة سجلت فشلاً جديداً، والنخب الأردنية حابت مصالحها وتناست مصلحة الأردن، والواقع المعاش أثبت ذلك في هذه الأزمة.
التعليقات (0)