صحافة دولية

ناشونال إنترست: كيف أصبحت سوريا عبد السلام العجيلي؟

ناشونال إنترست: المعارضة المسلحة في سوريا افتقرت إلى استراتيجية سياسية متسقة- جيتي
ناشونال إنترست: المعارضة المسلحة في سوريا افتقرت إلى استراتيجية سياسية متسقة- جيتي

نشر موقع مجلة "ناشونال إنترست" مقالا للكاتب صمويل سويني، يقول فيه إن سوريا التي بقيت، ليست ما تصوره أحد عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع للاحتجاج على الحكومة.

 

ويشير الكاتب إلى أنه بعد حالة من عدم القدرة على الحسم، منذ أيلول/ سبتمبر 2018، فإن الحكومة السورية وحلفاءها الروس شنوا حملة منذ بداية شهر أيار/ مايو ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا

 

ويقول سويني في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "إذا كانت هناك حملة أكبر ضد محافظة إدلب، فإنها ستكون الضربة القاضية للمعارضة السورية بصفتها قوة داخل الحدود السورية، فعدا عن الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد شرق الفرات، والمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في الشمال، فإن الحكومة السورية ستكون قد بسطت سيطرتها على البلد كلها بعد ثماني سنوات من الحرب". 

 

ويجد الكاتب أنه "في حين أنه قد يكون هناك بعض الوقت قبل أن يتحول هذا الأمر إلى واقع، فإن الوقت مناسب لتقييم سبب فشل المعارضة السورية في الإطاحة ببشار الأسد، وإنهاء النظام الذي أوجده أبوه في سبعينيات القرن الماضي".

 

ويقول سويني إنه "على مدى الثماني سنوات تحول الصراع السوري من معقد إلى أكثر تعقيدا، لكن أصوله طبعا تكمن في فكرة أن الحكومة السورية ورئيسها بشار الأسد فقدا شرعية الحكم، فتطور الصراع من مظاهرات سلمية ضد حكومة ديكتاتورية إلى حرب من جانبين تقريبا؛ الثوار ضد الحكومة، ثم إلى انهيار كامل للدولة، إلى ما لا يقل عن أربع مناطق سيطرة الحكومة السورية وتنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية والمعارضة".

 

ويتساءل الكاتب قائلا: "فأين حصل الخطأ؟ كلنا يتذكر الأمل الذي بثته وسائل الاعلام في 2011 عندما اعتقد الجميع بأن (ربيع) العالم العربي وصل أخيرا، وبعد ثماني سنوات، بقيت سوريا كما لم يتصور أحد ممن شارك في المظاهرات في الشوارع ضد الحكومة، وبالنظر إلى سجل الربيع العربي في المنطقة فإن من السذاجة إهمال الحجة التي تحدد ظاهرة على مستوى العالم العربي توضح سبب الفشل في دمقرطة المنطقة". 

 

ويشير سويني إلى أن "الفكر العربي مليء بإلقاء اللوم على خلل في المجتمع العربي يتسبب بمشكلات المنطقة، وكونه عضوا شابا في البرلمان تطوع الكاتب السوري الشهير من الرقة، عبد السلام العجيلي للانضمام لجيش الإنقاذ الذي تم إنشاؤه للدفاع عن الفلسطينيين ضد إقامة دولة إسرائيل عام 1948، وكان واحدا من ثلاثة أعضاء برلمان فعلوا ذلك، وكتب عن ذلك لاحقا في مذكراته فقال: (أتاح لي تطوعي في هذه الحملة تجربة فذة ومعرفة غنية، سواء من الناحية الشخصية أو الناحية العامة، لقد اكتشفت من خلال الفترة التي قضيتها في فلسطين وفي ميدان المعارك، إذا صح لي أن أسميه هكذا، أشياء كثيرة عن سير أمورنا، وعن خصائص شعوبنا، وعن أقدار رجالنا، ومن المؤسف أن تجربتي قد تكشفت لي عما خيّب أمل الشاب المثالي الذي كنته)، وأضاف أن تقدم القومية منذ 1948، قوى لديه تقديره السلبي لوضع العرب وإمكانياتهم، وهو التقدير ذاته الذي توصلت إليه في وقتها".

 

ويعلق الكاتب قائلا إنه "مع أنه كان قوميا عربيا خلال فترة حياته العملية، إلا أن خيبة أمله في الحياة العربية العامة والخاصة هي موضوع متكرر في كتابات العجيلي، وهذا ما يكرره كثير من الكتاب العرب أيضا، وهو ما أسمعه كثيرا من العرب خارج دوائر الفكر، وقال لي صديق سوري متعلم ومعارض من أصول سنية مؤخرا، إن الشخصين الوحيدين القادرين على حكم العرب هما: صدام حسين وبشار الأسد، وكان هذا تحولا كبيرا في طريقة تفكيره، وهو صورة أخرى لموضوع عام أسمعه عادة من أهالي المنطقة، فعلى أي حركة ديمقراطية عربية مستقبلية أن تعالج هذه القضية الأساسية: وهي أن الكثير من الناس في مجتمعهم لا يريدون الديمقراطية، ولا يعتقدون أنها نموذج مناسب لمجتمعهم، هذا دون الحديث عن المعارضة الدينية لفكرة الديمقراطية والمصالح المترسخة للإبقاء على الوضع الراهن، أما التحليل الثقافي الأوسع للعالم العربي فهو خارج نطاق هذا المقال، لكن من المهم أن نحاول التعرف على الأسباب التي أدت إلى فشل المعارضة السورية".

 

ويفيد سويني بأن "أحد الأخطاء الأساسية التي تقع فيها المعارضة هي الإصرار على الشوفينية العربية والإسلامية التي تميز السياسة السورية، وهذا حد من حجم الائتلاف الذي كان بالإمكان إنشاؤه، مع أن ذلك عكس أيضا الشعور السائد بين السوريين، فمثلا حركة أحرار الشام الإسلامية انسحبت عام 2015 من مؤتمر الرياض في السعودية، الذي كان يهدف إلى توحيد المعارضة، وقالت الحركة، التي تحظى بتأييد بعض أعضاء المعارضة العلمانية، بأنها انسحبت بشكل جزئي لأن منظمي المؤتمر رفضوا إبراز الهوية الإسلامية لسوريا وشعبها، فماذا يقول هذا لغير المسلمين في سوريا؟ كما رفض كثيرون في المعارضة مطالب الأكراد بحقوق ثقافية، أو حكم ذاتي في منطقة شمال شرق سوريا، التي هي أكثر تنوعا وأقل عربية من بقية البلد. وببساطة، فإن المعارضة لم توفر لغير العرب وغير المسلمين شعورا بأن تغيرا حقيقيا كان قادما إلى البلد على شكل حقوق متساوية للمجموعات المهمشة سابقا".

 

ويقول الكاتب إن "المعارضة المسلحة في سوريا افتقرت إلى استراتيجية سياسية متسقة، وكانت لديها رؤية عامة تفتقر إلى الاتفاق على التفاصيل من المعارضين كلهم للوصول إلى سوريا ديمقراطية، ولتحقيق ذلك الهدف قامت المعارضة بخطوتين متناقضتين: غضت الطرف عن أي أخطاء قامت بها أي أطراف ملتزمة بالإطاحة ببشار الأسد، ورفضت التوصل إلى سلام فصائل لم تتفق معها، مع أن ذلك كان سيسهل مهمة تحقيق الأهداف، وكان يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن تكون حليفة طبيعية للمعارضة للنظام السوري، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار قمع النظام السوري للأكراد قبل عام 2011، لكن المعارضة رفضت قبول الطموحات السياسية الكردية، وافترضت وجها انفصاليا لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وفي المقابل كانت قوات سوريا الديمقراطية تتصالح مع النظام بحسب ما يناسبها، الأمر الذي فسره الكثير بأنه تناغم مع النظام، مع أنها في الواقع كانت براعة سياسة من طرف قوات سوريا الديمقراطية، التي سمحت لها بهزيمة تنظيم الدولة، وزيادة الأراضي تحت سيطرتها، بدلا من أن تقاتل على أكثر من جبهة ضد النظام السوري وتنظيم الدولة، ولم تقم المعارضة بأي من تلك الخطوات". 

 

ويلفت سويني إلى أن "المعارضة الديمقراطية لامت المجتمع الدولي لفشله في توفير الدعم الضروري لها، وانتقدت الرئيس باراك أوباما لعدم توفيره الدعم الكافي للعناصر العلمانية من المعارضة المسلحة، حيث قوى بفعله هذا المعارضة الإسلامية، وبناء على هذا المنطق، فإن المجموعات التي نظر إليها على أنها الأقوى تحظى بالدعم الشعبي، وسيكون بإمكانها التفوق على القوى المنافسة، ولذلك كان على الغرب أن يدعم القوى التي تحمل قيما هي الأقرب للقيم الغربية، لكن الفوز في لعبة الرجال الأقوياء يتطلب من المشاركين أن يتصرفوا بصفتهم رجالا أقوياء، وهو ما يتنافى مع الديمقراطية التوافقية التي تدعي تلك القوى بأنها تقاتل لأجلها". 

 

ويرى الكاتب أن "النتيجة ستكون هي التحول من رجل قوي (بشار الأسد) إلى رجل قوي جديد (أي شخص ينتهي به المطاف للقمة في المعارضة). وهكذا بالضبط وصل حافظ الأسد للسلطة عام 1970، عندما سيطر حزب البعث على السلطة، وقضى على أحزاب المعارضة كلها، ثم قام الجناح العسكري في حزب البعث بالقضاء على الجناح السياسي في الحزب، وداخل الجيش ذاته قام الأسد بالتحايل على حلفائه السابقين، حتى أصبح في قمة الهرم، وهذا أعطى سوريا نظاما سياسيا استمر خمسين عاما، وليس هناك ما يدعو إلى الظن بأن النظام الجديد كان سيكون مختلفا لو سيطرت المعارضة العلمانية على دمشق في عام 2011، وقامت بالقضاء على منافسيها الإسلاميين بالقوة". 

 

وينوه سويني إلى أن "المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة المعارضة أصبحت تتصف بالفوضى، وفي أكثر من منطقة فرضت العديد من المجموعات المسلحة قوة البندقية، في الوقت الذي تم فيه إنشاء إدارات مدنية للحفاظ على إمدادات الماء والكهرباء، وتلقت المجالس المحلية تمويلا من الحكومات الغربية، لكنها لم تمتلك أي سلطات، وكانت عرضة لأقوى المجموعات المسلحة في المنطقة، أما الحكومة السورية المؤقتة، فكانت موجودة فقط على ورق وعملت من تركيا، لكن دون وضوح الإطار القانوني لسلطتها".

 

ويقول الكاتب: "لو أخذنا مثلا مشروع AJACS الذي قام على توفير شرطة حرة بدعم من أمريكا وبريطانيا وهولندا والدنمارك لأكثر من 60 تجمعا محليا، وجاء كثير من أفراد وضباط تلك الشرطة من المنشقين عن شرطة النظام، وكانت المجتمعات المحلية راضية عن تلك الشرطة، لكن المشروع كان محدودا، فلم يكن هناك نظام قضائي واضح تعمل الشرطة تحت إدارته، وكانوا في أغلب الأحيان يسلمون المعتقلين ليحاكموا في محاكم إسلامية في منطقتهم، التي كانت تختار بعض القوانين السورية وتطبقها وتهمل أخرى، وفي البداية فوجئ المانحون بأن هذا هو ما يحصل، لكن ليس هناك معنى لوجود الشرطة إن لم تكن هناك محاكم يمكن للشرطة العودة إليها، فغض المانحون النظر واستمروا في دعم المشروع الذي انتهى في 2018".

 

ويضيف سويني: "الآن لم تعد هناك معارضة سورية بصفتها قوة سياسية داخل البلد، وتحولت مظاهرات 2011 إلى حرب أهلية امتدت ثمانية أعوام، وليس إلى ديمقراطية وحكم أفضل كما أمل الكثيرون، ويبدو أن أولئك الذين سيطروا خلال غياب الحكومة لم يدركوا أن هناك قضايا مهمة في مجتمعهم يجب على أي سلطة حاكمة أن تتعامل معها: نقص التعليم الجيد، والتطرف الديني، والطائفية، والمصالح والفساد المستشري، ورئيس لديه استعداد أن يفعل أي شيء ليبقى في السلطة، ومع ذلك فشعبيته أكثر مما أدرك الناس.. والقائمة تطول. فحتى لو قلنا إن سبب هذه القضايا هو النظام، فإنها لا تصبح أقل أهمية، وأي أمل في التغيير في البلد يكمن في التخطيط الذي يأخذ هذه العوامل في الحسبان، بدلا من أن يحاولوا كنسها تحت البساط والتمني بأن نكون غير موجودة". 

 

ويفيد الكاتب بأنه "في الوقت الذي كان يجلس فيه عبدالسلام العجيلي في عيادته في الرقة عام 1955، رأى مظاهرة احتجاج قام بها الطلاب في مدينته احتجاجا على شيء فعلته إسرائيل، ومع أنه قدر مشاعر المتظاهرين، خاصة أنه كان أحد المتطوعين قبل ذلك بعدة سنوات للدفاع عن فلسطين، إلا أنه أراد أن يقول لهؤلاء الطلاب إن نظراءهم الإسرائيليين كانوا في مدارسهم يتعلمون، وإنهم كسبوا يوم تعليم، وفكّر في كتابة خطاب ليلقيه عليهم، لكنه قرر أن يستمر في عمله في عيادته بصفته واحدا من طبيبين في المدينة، مطبقا بشكل عملي ما أراد أن يقوله للمتظاهرين". 

 

ويختم سويني مقاله بالقول: "لا أحد يدري ماذا كان سيقول العجيلي لو رأى مظاهرات 2011، فقد توفي عام 2006، ربما كانت ستعود صورة المتظاهرين قبل أكثر من خمسين عاما لذاكرته، في الوقت الذي تحولت فيه مدينته إلى فوضى". 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (2)
معاوية
الأربعاء، 10-07-2019 12:29 م
ليس هناك خطأ ياكاتب ياحمار, ولكن إجتمعت الإنس والجن على الشعب السوري السني وأبو حافر الخنزير بشار العميل الأول لإسرائيل وإلا كان شنق من زمان.
عبد الله
الأربعاء، 10-07-2019 12:21 م
من الغريب ان تروج بعض المواقع العربية، االمفترض أنها مؤيدة للثورة والتغيير، لمقالات وتقارير تبث اليأس في النفوس وترسخ فكرة ان الاستبداد باق وأن الأسد انتصر والمعارضة انهزمت، وكأن الناس ثاروا من أجل أن تنتصر المعارضة، وإن كل شيء سيعود إلى ما كان عليه. لمصلحة من هذا التيئيس؟!