قضايا وآراء

كيف تم اغتيال الثورة قبل اغتيال الرئيس؟

ممدوح المنير
1300x600
1300x600
يُعد اغتيال الرئيس مرسي علامة فارقة في تاريخ مصر والعالم العربي بامتياز، وهو ذروة انتصار الثورة المضادة المدعومة من الحلف الصهيوني الأمريكي ضد ثورات الربيع العربي. ومن ثَمّ، فالتوقف أمام الحدث وسبر أغواره من كل جوانبه مهم لثورتنا وللأجيال القادمة؛ حتى يستفيدوا من التجربة، ولا يكرروا أخطاءها مرة أخرى.

كيف تم اغتيال الرئيس قبل أن يفعلها السيسي؟

سأحاول في هذا المقال (الذي يعد نوعا من أنواع المراجعات للفترة الماضية) التركيز على تحليل المشهد العام الذي عايشه الجميع بلا استثناء، ولن أتطرق إلى ذكر نماذج من أحداث عايشتها حدثت وراء الكواليس، أو في الغرف المغلقة، وكنت شاهدا عليها؛ أولا؛ لأن أصحابها لم يأذنوا بنشرها، والمجالس بالأمانات، وثانيا؛ لأن ذكرها سيفتح شهية الجوقة وحملة المباخر واللجان الإلكترونية لإدخالنا في دوامة تكذيب ما أقوله، وطلب الدليل، ثم اتهامي بترويج الأكاذيب، والعمل على تفتيت الصف، وزعزعة الثقة، وربما كذلك يتم اتهامي بأنني مشارك في مؤامرة كونية لولبية لوقف الإنجازات العظيمة التي تتحقق!! وربما يشرب أحدهم جرعة مكثفة من "بريل" ويتهمني بأنني عميل مزدوج أو رباعي لمجلس إدارة العالم.

ولهذه الأسباب سالفة الذكر، سأناقش فقط الأحداث العامة التي عايشها الجميع، وأحلل السبب من ورائها، والنسق الواحد الذي يجمعها، حتى نعرف أين مواطن أقدامنا، وأين سنتجه، وما هي أولويات حركتنا في الفترة القادمة.

1- حزب الحرية والعدالة:

كان الرئيس مرسي رحمه الله رئيس حزب الحرية والعدالة، وكان يعد الحزب الأكبر المنتخب ديمقراطيا في العالم العربي طيلة فترة حكم الرئيس، وحتى قبل انتخابه، وظلَّ الحزب بعد الانقلاب العسكري، ولمدة عام كامل (حتى 9 آب/ أغسطس 2014م) حزبا قانونيا مرخصا بشكل رسمي، ولم يكن قد حُلَّ بعد.

لكن الحزب قد تم تدميره رغم وجود آلاف الأعضاء والقيادات منه في الخارج، وكان يمكن ببساطة شديدة أن تُعقد جمعية عمومية للحزب في الخارج، ويُعاد تشكيله، وتُنتَخب قيادة جديدة له، وتتحرك تحت مظلته القانونية قبل الحل، أو حتى بعد الحل، ويكون هو الواجهة السياسية لمواجهة الانقلاب، ولا يتحمل التوازنات، ولا أعباء تنظيم الإخوان الذي خرج من رَحِمه، ويمارس الدبلوماسية الشعبية بأشكالها كافة، خصوصا أن كثيرا من القوى الغربية تتحفظ في التعامل مع الإخوان كمؤسسة، ولكن ليس لديها مانع من التعامل مع الحزب وقيادته، حتى إن البرلمان البريطاني أوصى بضرورة تواصل الحكومة البريطانية مع أعضاء الحزب بصفتهم ممثلين للشعب المصري، كذلك الأتراك والماليزيون والإندونيسيون وغيرهم الكثير، فلمصلحة مَن تم تضييع هذه الفرصة وإماتتها؟!

بل كان من الممكن عمل فروع باسم الحزب كجمعيات خيرية، أو بأي غطاء قانوني مناسب باسم الحزب في تركيا ودول أوروبية؛ ليكون مظلة لرافضي الانقلاب من المؤمنين بتوجهات الحزب ورئيسه رحمه الله.

لكن تم تدمير حزب الرئيس، وبَدَا أن هناك حرصا على إظهاره كلجنة داخلية لدى الإخوان، ثم تم إقصاء قيادات الصف الأول للحزب؛ الموجودة بالخارج، ثم تعيين متحدثين له ليس لديهم خبرة سياسية كافية للحديث باسمه، ثم يتم إقالتهم بعد ذلك بعد تصريحات توريطية قاموا بها، بحيث تموت التجربة بالكامل، ويتحول في النهاية إلى مجرد صفحة على منصات التواصل، تعيش على بقايا المعجبين من أيام الرئيس الشهيد!!

2- مجلسا الشعب والشورى:

بعد الانقلاب خرج كثير من أعضاء مجلسَي الشعب والشورى إلى خارج مصر؛ نتيجة المطاردات الأمنية، وبدلا من استغلال خبرة هؤلاء في التحرك بالقضية المصرية في مختلف دول العالم، خصوصا أن كثيرا منهم له علاقات بالفعل ببرلمانيين في مختلف أنحاء المعمورة، بحكم اللقاءات التي كانت تجمعهم بشكل رسمي، إلا أن التجربة تم تخريبها كذلك، وأصبح هناك عدد غير قليل منهم يبحث عن لقمة عيشه بصعوبة، وربما يعمل سائق أجرة أو أوبر حتى يواجه صعوبات الحياة، بدلا من استغلال طاقته وخبرته والأموال التي أُنفقت عليه لترميزه، وإيصاله إلى مقعد البرلمان على الأقل في عمل برنامج منظم له؛ للتواصل إعلاميا مع أبناء دائرته، وتوجيه الرسائل لهم، ولولا المقاومة التي أبداها البعض مع ضعف الإمكانيات، لكان قد تم قتل الفكرة كاملة هي الأخرى.

ملحوظة مهمة:

ظلّ أعضاء البرلمان محتفظين بصفاتهم البرلمانية أمام الاتحاد الدولي للبرلمانات حتى تم انتخاب مجلس جديد، وهو ما يعني أن هؤلاء الأعضاء كانت لهم الحيثية القانونية كاملة للحركة دوليا حتى انتخاب مجلس السيسي، ولكن تم إجهاض هذه الفرصة كذلك.

4- الحكومة والفريق الرئاسي:

لا يختلف حال هؤلاء عمَّن سبقوا، فرغم وجود وزراء ومساعدين للرئيس ومستشارين له بالخارج، وتشكل حركتهم معا باسم الفريق الرئاسي زخما دبلوماسيا كبيرا للقضية، وهناك أعضاء منهم كانوا يُستقبلون بعد الانقلاب في دول عربية وأجنبية بوفود رسمية حكومية في المطارات؛ لحيثياتهم كأعضاء في الحكومة، إلا أن هؤلاء قد تم إقصاؤهم كذلك، وتشويههم، وتدمير هذه التجربة كذلك، بل والتدخل أحيانا لإجهاض أي علاقات دبلوماسية يقيمونها.

5- الدفاع عن الرئيس:

تخيلوا أنه منذ اعتقال الرئيس لا توجد حملة (دائمة) منظمة دولية إعلامية ولا سياسية للدفاع عنه! اللهم إلا حملات قامت بها بعض الجاليات المصرية باجتهاد ذاتي منها، التي عادة ما تستمر لعدة أيام أو أسابيع؛ لعدم وجود دعم كافٍ لها، حتى معركة الرئيس القانونية في أثناء اعتقاله تم تبريدها كذلك، ولم نسمع عن أي إنجاز تحقق في هذا الملف، ولا حتى في جانب تخفيف الضغط عليه!!

6- مراكز الأبحاث:

في كل دول العالم، وحتى المؤسسات التي تحترم نفسها وأعضاءها، تجد العديد من مراكز التفكير والأبحاث التي تكون مهمتها هي الإمداد المستمر للقيادة ومتخذي القرار بالآراء والخطط والأبحاث التي تجيد قراءة الواقع والتعامل معه، وتستطيع معرفة توجهات أي حكومة أو مؤسسة من خلال مجموعة مراكز الأبحاث التي تعتمد عليها في التفكير واتخاذ القرار.

تخيلوا أنه مضت ست سنوات من عمر الانقلاب في مصر ولم يتم إنشاء أي مركز بحثي، اللهم إلا مركز بحثي واحد، وهو مجهود فردي وليس مؤسسيا، حتى إن صاحبه من المغضوب عليهم من هؤلاء!! وكأنّ التفكير جريمة، أو أن إيجاد حلول حقيقية للثورة من قِبَل متخصصين سيُحْرِج هؤلاء ويكشف نواياهم!!

7- الملف الحقوقي:

الحال لا يختلف كثيرا، فحتى كتابة هذه السطور، لم يتم توثيق علمي رصين لضحايا فض اعتصام رابعة والنهضة (أو غيرها من المجازر)؛ يمكن الاعتماد عليه في إقامة قضايا دولية ضد مرتكبي المجزرة، رغم الحديث دائما عن القصاص القادم، ولكن لا يُبذل أي جهد في توثيق هذه الجرائم، فما السبب في رأيكم؟!

وحتى الشخصيات الحقوقية التي لها حضور في هذا الجانب دفاعا عن أُسَر المعتقلين، ستجد الأغلبية الساحقة منها تعمل بشكل فردي وجهود شخصية من جانبهم، وليس لها صلة بتنظيم الإخوان الحالي.

وللأمانة، فربما يكون هذا هو الملف الوحيد الذي يوجد فيه جهد مبذول من جانب هؤلاء، ولكن في الجانب التشغيلي، مثل إصدار التقارير أو إعلانات التضامن، وليس جهدا استراتيجيا معنيا بالتوثيق للجرائم ورفع القضايا ومتابعتها، وغير ذلك.

8- الرموز والقادة والدعاة:

المفاجأة في هذا الملف كارثية بكل ما تعنيه الكلمة، فخلال ست سنوات كاملة لم يتم تقديم أي قادة أو رموز، أو حتى دعاة وعلماء، جدد لجمهور الشعب المصري. فحتى في الجانب الوعظي الديني الذي هو ملعبهم الأول، ستجد تقريبا جُلَّ العلماء والدعاة المتصدرين لتوجيه الرأي العام وتوعية الشباب بعيدين عن مؤسسة الإخوان الحالية، أو ليس لهم علاقة بها من قريب أو بعيد، رغم أن لديهم عشرات (إن لم يكن مئات) الدعاة والعلماء، ولكن هناك حرص على ألا يتصدر أحد أو يكون لأحد تأثير أو حضور في المشهد. حاول أن تسترجع بذاكرتك أسماء العلماء والدعاة الموجودين في الساحة ولديهم حضور في توعية الناس وتوجيههم، ستجد نصيب هؤلاء منه صفرا للأسف الشديد والغريب!!

في مجال تقديم قادة ورموز سياسية جديدة للشعب المصري، حاول أن تعدد معي الشخصيات التي ظهرت في المشهد خلال السنوات الست الفائتة، التي يمكن تقديمها كجيل جديد لحمل الأمانة وإكمال الرسالة.. اسرح بخيالك قليلا، ستجد أنه لا أحد!!

فقط مجموعة من الأشخاص بعينهم يحتكرون الصورة والصوت، وإذا ما اضطروا اضطرارا لإبراز أحد في المشهد، فستجد أن هناك حرصا شديدا على أن تكون شخصيات ليس لها حضور إعلامي، وليس لها خبرة ولا حرفية التعامل مع الإعلام؛ حتى يكون الأداء دائما باهتا، ولا تستطيع هذه الشخصيات (لضعفها) أن يكون لها جمهور، ومن ثمّ تأثير.

9- تحالف دعم الشرعية:

المفترض أنه التحالف الذي قاد الثورة في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر، وكان تنظيم الإخوان يمثل العمود الفقري للتحالف كما يعلم الجميع، لكن رغم التوافق المنهجي الكبير في مرجعيات المنضوين في التحالف، إلا أنه أصابه ما أصاب كل المؤسسات التي ارتبطت بالثورة، فتوالت الانشقاقات به، ثم تقزيم دوره هو الآخر بحجج مختلفة، حتى أصبح غائبا تماما من المشهد رغم وجوده اسما حتى الآن!!

تخيلوا معي مؤسسة كانت تقود وتحرك الملايين وتهدد وتتوعد، وفجأة تختفي ولا يصبح لها أثر، اللهم من بيان يتيم أسبوعي يضاف إلى جملة المكلمة التي لا تنتهي. ففي مصلحة من إنهاء دورها في الثورة؟

بعض من سيعترض على هذه المراجعة ربما يلجأ بحسن نية أو غيرها؛ إلى تعداد بعض ما يعتبرها إنجازات او أنشطة. وهنا أحب أن أوضح أنني لم أنفِ وجود أنشطة أو فعاليات، فهناك تدافع يتم وهناك أفراد مخلصون للثورة وللقضية في كل مؤسسة، ولكني كباحث أنظر إلى الصورة الكلية وإلى الفعل المؤسسي، وما يرتبط به من نتائج ومآلات.

كما أنني أقيس الإنجاز بحجم الموارد والإمكانيات المتاحة لديهم والأهداف النهائية التي يعلنون للجميع أنّهم يعملون من أجلها.

في نهاية هذا التقييم.

لاحظ في كل ما عرضته أنني لم أقترب من تقييمات لخلافات أو أمور غير معلنة أو مشاهدة، رغم كثرتها.

لاحظ أيضا أنني لم أتعرض للداخل المصري على الإطلاق، وقصرت تقييمي على الخارج، وفي المساحات التي يمكن التحرك فيها بلا ضغوط، حتى لا يتحجج أحد بالوضع الأمني.

لاحظ، ثالثا، أنني تحدثت عن أمور قانونية وسلمية، وليس عليها أي محظورات تُعيق التقدم أو الإنجاز فيها.

أخيرا، حاول أن تجمع الرابط بين كل ما سبق، ستجد أن هناك رابطا واحدا يجمع كل هذه النماذج، وهي تدمير كل ما له صلة بالرئيس والثورة، بحيث يتحول الرئيس في النهاية إلى مجرد شخص، وليس مجموعة مؤسسات قوية تقف وراءه؛ تحميه وتحمي الثورة. وعندما يتحول الرئيس إلى مجرد شخص معتقل ظلما وزورا، تكون النهاية المنطقية هي اغتياله؛ ويتحول بالنسبة لنا إلى رمز وأيقونة لحلم كبير تم اغتياله هو الآخر.

هذا هو تقييمي للفترة السابقة؛ وفاء للرئيس الشهيد ودمائه الطاهرة، وللمعتقلين الذين يعيشون (بعد الله) على أمل أن نستيقظ ونتحرك وننقذهم مما هم فيه، ولإقامة الحجة على المخدوعين والمغرر بهم، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة.

اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.
التعليقات (2)
شكراً للدكتور منير
الأربعاء، 17-07-2019 07:50 م
خالص شكري للدكتور المنير صاحب النظرة الثاقبة واتفق مع في الرأي تماماً وأزيد. كان يمكن إسقاط الانقلاب بتحقيق الأشياء التي تحدث عنها د. ممدوح المنير ولكن أيضاً بمواصلة الثورة في الداخل ضد الانقلاب وترك قياداتها لقادتها الميدانيين المبدعين حقاً في تلك الفترة التي دامت ثلاث سنوات على الأقل. القيادة الحالية الموجودة خارج مصر وعلى رأسها د. محمود حسين وغيره لا تصلح لشيء. حسبنا الله ونعم الوكيل. هم يتحملون مسؤولية الفشل في إسقاط الانقلاب الفاشي والفشل في إنهاء مأساة عشرات الآلاف المعتقلين وعشرات الآلاف المطاردين في مصر وخارجها. أتمنى إبعادهم عن المشهد تماماً.
مصري جدا
الثلاثاء، 16-07-2019 05:34 م
الدكتور المحترم ،،، سبق وان كتبت مقالات عدة تحمل نفس المضمون ،، وبكل اسف منصة القيادة في الجماعة لم ولن تفعل ،، لماذا ،،، ببساطة شديدة لانها لا تملك مهارات ومعلومات وعلاقات الأفعال الكبيرة ،،، منصة قيادات كان يجب تغييرها بالتوازي مع سقوط مبارك رأس النظام ، ليست هي وحدها لكن كل منصات المعارضة المصرية ،، لماذا ،،، لانهم جميعا كانوا جزء من النظام ويصور وظيفية مختلفة ،، جاءت ثورة يناير ثورة عليهم جميعا وليس على مبارك ونظامه فقط ،،، استمرار وجود منصات القيادة المدنية والإسلامية بعد سقوط مبارك حرم الثورة والثوار ومصر من جيل جديد هو مفجر الثورة وحامل رأيتها ،،، ظلت منصات القيادة القديمة كما هي ،، تفكر بنفس الطريقة القديمة وتدير بنفس الطريقة الأقدم ،،، في حين استعانت الثورة المضادة بالفكر الغربي والمال الخليجي والتنفيذ المحلي لكل الأفراد والجماعات والأحزاب والكيانات الكارهة للإخوان حتى انها ضحت بمصر وبالمسار الديمقراطي الوليد نكاية في الإخوان ،،، كانت ومازالت وستبقى تدير بنفس الطريقة ،،، والمخرج في منصات قيادة إسلامية ومدنية جديدة تكون قادرة على صناعة أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع ،،، منصات قيادة جديدة هذا هو الحل ،،،