ملفات وتقارير

النظام السوري يترقب أزمة نفط جديدة.. ويبحث عن بدائل

النفط السوري غالبيته بيد "قسد" بنسبة 80 في المئة تقريبا- لافيغارو
النفط السوري غالبيته بيد "قسد" بنسبة 80 في المئة تقريبا- لافيغارو

دفعت العقوبات الأمريكية وتشديد الضغوط الاقتصادية على إيران الحليف الأبرز للنظام السوري، الأخير إلى زيادة اعتماده على روسيا في تأمين احتياجاته من النفط والغاز وغيرها من المواد الأساسية.
 
وتشير المعطيات الراهنة إلى أن النظام يسعى إلى زيادة عقوده مع روسيا، بهدف تزويده بالمشتقات النفطية، وفق الكيفية التي تزود بها موسكو قاعدتها العسكرية في الساحل السوري (حميميم)، جاء ذلك وفق تقرير نشره "المرصد الاستراتيجي"، اطلعت عليه "عربي21".
 
وأوضح، أن النظام كان يعتمد بصورة أساسية على شحنات النفط الإيرانية، حيث تظهر الإحصاءات المتوفرة بين عامي 2016 و2018 أن النظام تلقى حوالي 50 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني، إلا أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرا قد قلصت إمدادات النظام من المحروقات، فضلا عن انقطاع خط النقل البري الواصل من إيران إلى سوريا بسبب سيطرة القوات الحليفة للولايات المتحدة "قسد" شرقي الفرات.
 
وإلى جانب النفط، أشار التقرير كذلك إلى قيام حكومة النظام مؤخرا، بطرح مناقصة لشراء 200 ألف طن من قمح الطحين من مصدر روسي.

 

اقرأ أيضا: وثائق مسربة لصحيفة لبنانية: نفط شرق سوريا بيد إسرائيل

 
وبدا واضحا لمراقبين بالشأن السوري، أن درجة تأثر النظام السوري بالعقوبات على إيران كانت كبيرة، الأمر الذي يؤكده هبوط سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية مؤخرا (600 ليرة سورية للدولار الواحد).
 
وأوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ماردين التركية"، وسام الدين العكلة، أن إقرار العقوبات الأمريكية على إيران، خلق حالة من الانكماش في اقتصاد النظام السوري، وقلل من الخيارات المتاحة أمام الأسد.
 
البحث عن حلفاء جدد
 
وبهذا المعنى، يعتقد العكلة خلال حديثه لـ"عربي21" أن النظام بدأ يطرق الأبواب بحثا عن حلفاء جدد لتأمين النفط والغاز ،غير إيران، وروسيا على رأس هؤلاء الحلفاء.
 
ورأى أن من الطبيعي أن تستجيب روسيا لطلب النظام، لطالما أن في ذلك مصلحة لها أيضا، مصلحة في إبقاء هذا النظام، ومصلحة في زيادة مديونية الدولة السورية لها.
 
وفي السياق ذاته،أشار الباحث في الشأن السوري أحمد السعيد إلى زيارة وليد المعلم وزير خارجية النظام إلى الصين، وقال "يريد النظام أن يناور بين الحلفاء، بإظهار أن له أكثر من حليف، قادر على إمداده بالمواد الأساسية".
 
وخلال حديثه لـ"عربي21" لفت الباحث إلى تعمّد وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري، الترويج إلى أن الصين تعتبر الشريك النفطي الأبرز لدمشق.
 
وبحسب القراءة السابقة، اعتبر السعيد أن نظام الأسد يحاول توجيه رسائل إلى روسيا، مفادها بأن على موسكو تأمين حاجاته الأساسية، حتى لا يذهب باتجاه حلفاء جدد، يشكلون خطرا -بشكل أو بآخر- على مصالح روسيا الاقتصادية في سوريا.
 
الحلقة الأضعف
 
والسؤال الذي يتعيّن طرحه من وجهة نظر السعيد، هو "ما هي قدرة النظام على المناورة بين الحلفاء، وهم الذين ضيقوا المساحات للمناورة أمامه؟".
 
ومجيبا على ذلك، وصف وسام الدين العكلة، النظام السوري بـ"الحلقة الأضعف بين الحلفاء"، مضيفا أن "النظام لا يستطيع أن يفرض خيارات على الحلفاء، ولا يستطيع كذلك أن يفضل طرفا على آخر".
 
وتابع بأن ما يجري في سوريا، هو عبارة عن صراع نفوذ بين الحلفاء، والمسيطر على هذا الصراع في الشقين السياسي والاقتصادي، هم الروس.
 
وقال: "روسيا هي تتشبث بمصالحها الكبرى، وربما تترك المصالح الأقل أهمية، لأن من مصلحتها أن تكون إيران صاحبة نفوذ، لكن بدرجة مُتحكم بها، وأن لا يخرج عن العباءة الروسية".
 
ويؤيد هذا الرأي الكاتب الصحفي والإعلامي السوري، الدكتور أحمد الهواس، الذي شكك بوجود صراع بين روسيا وإيران في سوريا
 
وقال لـ"عربي21" إن "ما يتم الحديث عنه من عقوبات أمريكية على إيران، مسرحية أيضا، الهدف منها التغطية على الجرائم التي ارتكبتها إيران بحق الشعب السوري، بغطاء أمريكي وروسي".
 
أزمات الأسد مرشحة للتفاقم
 
وبعيدا عن الخوض في جدية الصراعات في المنطقة، يثبت التتبع الدقيق توقف إمدادات النفط من إيران للنظام السوري، منذ ما يزيد عن نصف عام.
 
وفي هذا الصدد، أكدت مصادر إعلامية أمريكية الأمريكية، أن إيران لم تتمكن من إيصال النفط إلى سوريا منذ كانون الثاني/يناير 2019، حيث كانت الكمية التي كانت تصل من النفط الإيراني إلى سوريا تصل إلى نحو 66 ألف برميل يوميا حتى نهاية عام 2018.
 
وازدادت مخاوف النظام السوري مع احتجاز ناقلات النفط الإيرانية من قبل جهات دولية، ما يعني تشديدا للحصار وزيادة في الأزمة، ما دفع باقتصاديين إلى الجزم بأن أزمة الأسد النفطية مرشحة للتفاقم، وخصوصا وأن البلاد على أبواب فصل الشتاء.
 
وبحسب أرقام صادرة عن النظام، رصدتها "عربي21"، تحتاج سوريا يوميا إلى 100 ألف برميل من النفط الخام، والمتوفر منها محليا 20 إلى 24 ألف برميل، ما يعني أن النظام بحاجة لاستيراد 80 ألف برميل نفط يوميا.
 
أما الغاز، فتبلغ حاجة سوريا 1400 ألف طن يوميا، يتوفر منه 250 ألف طن فقط، أي أن الحاجة إلى الاستيراد تقدر بـ 1200 طن يوميا لسد الاحتياجات.


ومن الجدير بالذكر أن النظام السوري فقد السيطرة منذ اندلاع الثورة السورية على ما يقارب الـ90 في المئة، من آبار إنتاج النفط، وذلك إثر سيطرة "قسد" المدعومة أمريكيا عليها.
 
كيف يؤمن النظام النفط؟
 
ويبدو أن تلك المعطيات، دفعت بالنظام إلى إعطاء أوامر لشبكاته الموكلة بزيادة شراء النفط من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بريف دير الزور الشرقي، جاء ذلك، وفق معلومات أكدتها شبكات إخبارية محلية.
 
ووفق المعلومات التي اطلعت عليها "عربي21" أكدت شبكة "عين الفرات" قيام النظام السوري بتشكيل مليشيا جديدة في مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، بهدف تسهيل عمليات تهريب ونقل النفط من "قسد" في "الجزيرة"، إلى منطقة "الشامية" الخاضعة لسيطرة النظام.
 
وأوضحت أن مهمة المليشيا الجديدة التابعة لمليشيات "آل القاطرجي"، تهريب النفط من معبر "العباس" الواقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات قرب مدينة "هجين".
 
وبحسب تفاصيل أوردتها صحف إسرائيلية قبل أيام، فإن حسام قاطرجي يعد من الأثرياء القريبين من نظام الأسد، وتتركز علاقاته بشمال سوريا وفي المناطق الكردية، وهو رجل أعمال أقام شبكة تهريب للنفط وشراء النفط من تنظيم الدولة، الذي سيطر على آبار النفط في سوريا.
 
وأوضحت أن قاطرجي أقام المفارقة التي يشتري فيها النظام النفط الذي يعود له من تنظيم الدولة، مقابل أسعار أقل بكثير من أسعار السوق، وهكذا ساعد على تمويل التنظيم".
 
حلول ترقيعية
 
وإلى جانب زيادة التهريب من مناطق "قسد"، يلجأ النظام إلى ما يمكن اعتباره بـ"الحلول الترقيعية"، أي شراء النفط من الدول المجاورة (العراق، لبنان، الأردن).
 
ونظرا لارتفاع التكلفة المترتبة على نقل النفط بالصهاريج، تعكف الحكومة العراقية على دراسة مد أنبوب نفطي إلى سوريا، بحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد، لموقع "المونيتور".
 
وأوضح جهاد، أن وزارته تدرس مد أنبوب نفط عراقي عبر الأراضي السورية، وصولا إلى البحر المتوسط"، مشيرا إلى أن "هذه الفكرة كانت موجودة منذ عام 2004، وتم تأجيلها بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة في البلدين".

التعليقات (0)