صحافة دولية

"فورين بريف": أزمة النيل.. أمن مصر المائي تحت التهديد

ملء سدّ النهضة قد يترتب عنه تراجع حصة مصر من نهر النيل بنسبة تصل إلى 25 بالمئة على مدار السنوات السبع القادمة- أ ف ب
ملء سدّ النهضة قد يترتب عنه تراجع حصة مصر من نهر النيل بنسبة تصل إلى 25 بالمئة على مدار السنوات السبع القادمة- أ ف ب

نشر موقع "فورين بريف" الأسترالي تقريرا تحدث فيه عن احتمال تفاقم مشكلة نقص المياه في مصر جراء أعمال بناء سد النهضة الأثيوبي. ومن المرجح أن تزيد تكلفة محطات تحلية المياه والسدود من اعتماد مصر على دول الخليج.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إنه على الرغم من أن نشوب صراع عسكري علني بين مصر والسودان وإثيوبيا أمر غير وارد، إلا أن من شأن سد النهضة أن يزيد التوترات الإقليمية بشكل ملحوظ.

وأشار الموقع إلى أن مصر تعتمد بشدة على نهر النيل منذ القدم، حيث يوفر النهر 90 بالمئة من احتياجات البلاد المائية، في حين يمثل حوضه موطنا لنصف السكان. مع ذلك، يحيل النمو السكاني وضعف تدفقات المياه بسبب تغير المناخ وسوء الإدارة العام إلى أن مصر تواجه عجزا سنويا في المياه يفوق 20 مليار متر مكعب.

ومن بين التبعات الاقتصادية والاجتماعية لهذا العجز؛ تقليص مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الأرز بقرار من الحكومة في سنة 2018، فضلا عن أن مصير الزراعة المصرية أصبح مُهدّدا نظرا لأن سكان الريف يتجهون إلى الأحياء الفقيرة المتنامية في المدن المكتظة بالفعل.

 

ومن جانبها، أطلقت الحكومة خطة وطنية للموارد المائية لمدة عشرين سنة هدفها تعزيز الحفاظ على المياه والاستثمار في محطات تحلية المياه وتطوير البنية التحتية للري في البلاد.

وبالعودة إلى جذور الأزمة، أوضح الموقع أن مصر تمتعت منذ فترة طويلة بالهيمنة على النيل، لكن التغيرات السكانية والسياسية تهدد بقلب الوضع الراهن الهشّ رأسا على عقب.

 

اقرا أيضا : معاناة مصر المائية تبدأ مبكرا مع سد النهضة.. ما السبب؟

 

وقد ارتفع عدد سكان مصر بحوالي 80 مليون نسمة منذ سنة 1959، كما تضاعف عدد سكان إثيوبيا والسودان، علما وأن الطلب على المياه في إثيوبيا قد تضاعف تقريبا خلال العقد الماضي فقط.

وعلى الرغم من محاولات دول المنبع تحدي هيمنة مصر على النيل، إلا أنه لم يتم تحقيق سوى القليل من خلال الدبلوماسية.

 

ونتيجة لذلك، قررت إثيوبيا الأخذ بزمام الأمور وانطلقت في إنشاء مشروع سد النهضة في سنة 2011 في مواجهة المعارضة المصرية. وستُحدد سرعة إنجاز هذا المشروع مدى حدة أزمة المياه في مصر ومقدار الوقت اللازم للتكيّف معها.

وأضاف الموقع أن سد النهضة يعد المفتاح لتنمية إثيوبيا وطموحاتها الإقليمية، حيث تتوقع أديس أبابا أن يوفر السدّ الكهرباء لنحو 86 مليون إثيوبي محرومين منها، بالإضافة إلى إنتاج فائض من الطاقة المائية للتصدير.

 

أما الخرطوم، فتأمل من جانبها أن يخفف سد النهضة من الفيضانات الموسمية التي لا تسمح للسودان سوى باستخدام 20 بالمئة تقريبا من أراضيها الصالحة للزراعة.

وعلى الرغم من الإنجاز الظاهري في سنة 2015، إلا أن المفاوضات حول هذه القضية لم تكن مثمرة من المنظور المصري.

 

في الأثناء، زادت السياسة الإقليمية الطين بلّة، حيث امتدت التوترات بين بلدان الخليج نحو القرن الأفريقي. وفي هذا الصدد، عززت قطر وحليفتها تركيا علاقاتهما مع السودان، بينما تُبقي المملكة العربية السعودية على علاقات وثيقة مع مصر.

 

أما الإمارات العربية المتحدة ففضّلت اللعب على كلا الجانبين وذلك على الأرجح لمواجهة النفوذ التركي والقطري.

وأفاد الموقع أن ملء سدّ النهضة قد يترتب عنه تراجع حصة مصر من نهر النيل بنسبة تصل إلى 25 بالمئة على مدار السنوات السبع القادمة.

 

وفي سبيل الحيلولة دون وقوع اضطرابات اجتماعية كبرى، سيتعين على القاهرة الشروع في أعمال بناء السدود والقنوات ومحطات تحلية المياه. في المقابل، سترتطم قدرة مصر على جمع الأموال من أجل أعمال البناء بسجل حقوق الإنسان الآخذ بالتردّي فيها، وهو ما تجلّى مؤخرا في وفاة محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا على الإطلاق بينما كان رهن الاعتقال.

 

ومن المرجح أن تمول كل من السعودية والإمارات جزءا كبيرا من هذه المشاريع، فضلا عن الصين التي تمثل مانحا محتملا آخر.

ورغم أن اندلاع حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب مشروع السدّ يعد أمرا مستبعدا للغاية، بيد أنه من المتوقع أن تستغل مصر سقوط الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، في محاولة منها للتأثير على البلاد وإبعادها عن النهج الإثيوبي.

 

وعلى صعيد آخر، وبالنظر إلى النفوذ الإماراتي على كل من السودان وإثيوبيا، يتمثل الوضع الأكثر احتمالا في التوصل إلى حل وسط يحفظ ماء الوجه مع استمرار المفاوضات، حتى وإن كان في شكل تفاهم ضمني.

 

وفي الختام، بيّن الموقع أنه تحت ضغط الدوائر الانتخابية وبتشجيع الداعمين الأجانب، ما يزال من الممكن أن يؤدي ملء سد النهضة إلى دخول المنطقة في دوامة أخرى من التوترات.

التعليقات (0)