قضايا وآراء

النصر للعرب.. لا للأهلي والخطيب

ماجد عزام
1300x600
1300x600
حقق الأهلي بطولة الدوري المصري للمرة 41 في تاريخه. ثمة إجماع على أنها البطولة الأصعب والأهم في تاريخه العريق الممتد، كونه كان دوماً أكثر من مجرد نادٍ، لذلك تحديداً تعرض للحرب الشعواء؛ ليس من أجل هزيمته كروياً ورياضياً، وإنما لكسره وتحطيمه بكل ما يعنيه من تاريخ قيم ومبادئ.

أُسس الأهلي في العام 1907، أي منذ أكثر من مئة عام الشباب. والرموز التي أسسته كانت بعد ذلك قادة في ثورة 1919 التي أسست للدولة العصرية المدنية الديمقراطية، وأدت إلى الانفجار الثقافي الفكري الاقتصادي الفني الرياضي في البلد. وعراب الفكرة وأحد المؤسسين هو المحامي المغربي عمر لطفي، وهو ابن أُسرة مغربية مهاجرة، عندما كانت المحروسة الحلم للعرب والمسلمين وقبلة للهجرة والعمل في منطقة المتوسط كلها.

ثمة إجماع في النادي العريق على أن هذه البطولة هي الأصعب في تاريخ النادي لعدة أسباب؛ رياضية وفنية وأخرى تتعلق بالوضع العام في البلد.

البلد المحكوم من نظام استبدادي استنسخ أبشع ما في أنظمة الاستبداد الثلاثة التي سبقته، وهيمن على كل مناحي الحياة، فمارس التأميم البغيض، لكن بشكل محدث عبر أذرعه وشركاته العسكرية الأخطبوطية، وكل ما يهمه في الرياضة يتمثل بالمكاسب المادية وكعكة التسويق والإعلان عبر أذرعه الإعلانية والتلفزيونية التي يملكها أحد العسكريين القابعين في الظلام، ويدير من خلالها الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.

أما الثابت الثاني في سياسة النظام الكروية؛ فيتمثل بمنع الجماهير من حضور المباريات، وشن معركة متعددة الأشكال والأبعاد ضدها. وكما هو معلوم، فإن الأهلي هو المتضرر الأكبر من غياب الجماهير عن الملاعب؛ نظراً للعلاقة الخاصة المميزة الاستثنائية الفريدة مع جمهوره (بشعار مبدأ وقاعدة جمهوره ده حماه)، وهو الوحيد الذي يتحدث دائماً عن ضرورة عودتهم للملاعب، وقدَّم خطة مفصلة في بداية الموسم بهذا الخصوص، والتقدم الجماهيري النسبي المحدود كان بفضل ذلك. في المقابل، يتولى أحد أذرع أدوات النظام في البلد مختطف الزمالك، الدخيل مرتضى منصور، مهمة شيطنة الجماهير ومحاربتها، وحتى قتلها مباشرة، كما فعل بالمعنى الدقيق للمصطلح في مذبحة الدفاع الجوي 2015.

وبالعودة إلى دوري هذا العام الذي تعرض فيه الأهلي لحرب، بكل ما للكلمة من معنى، فقد بدأت القصة مع تولي تركي آل الشيخ وزارة الشباب والرياضة في السعودية، وترؤسه الاتحاد العربي لكرة القدم، وتقديم نفسه كأهلاوي عاشق للنادي، عارضاً مساعدته، بما في ذلك تحقيق حلم إنشاء الاستاد الخاص بالنادي. لم يخطئ مجلس الإدارة الشرعي الديمقراطي المنتخب، برئاسة أسطورة النادي محمود الخطيب، في الانفتاح والتعاون معه، لكنه أخطأ فقط في منحه الرئاسة الشرفية (التي لا يستحقها؛ كونه ببساطة ليس الشاعر العظيم عبد الله الفيصل). وعندما اتضحت رغبته في التدخل في شؤون النادي، وحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، كما يفعل رؤساء الشرف في السعودية، تدخل النادي ومنعه، فاضطر للتنازل عن الرئاسة الشرفية لحفظ ماء وجهه؛ قبل نزعها منه من المجلس الذي دعا لاجتماع استثنائي في اليوم نفسه.

تركي آل الشيخ الذي شعر بالإهانة بعدما ظن أنه امتلك ما يريده في البلد على كل المستويات، شن حربا ضروسا ضد النادي، وعلى كل المستويات أيضاً؛ بدأت بشراء نادي الأسيوطي لمنافسة الأهلي، ورفع الأسعار لمنعه من جلب ما يحتاجه من لاعبين، ثم تعاقد هو مع الأسماء التي فكّر الأهلي في انتدابها، بالتعاون مع حسام البدري المفترض أنه من أبناء الأهلي، وقام آل الشيخ بتأسيس (بل شراء) قناة تلفزيونية، واستقدم حثالات وسفلة الإعلاميين والمحللين لمهاجمة الخطيب والأهلي صباح مساء، وصولاً إلى شراء ذمم كثير من العاملين في الوسط الرياضي لاستخدامهم في المعركة ضد الخطيب والتشكيك في قدراته.

لم يكتف تركي بذلك، بل اتجه لدعم الزمالك، منافس الأهلي التقليدي؛ بعدما حوّل أداة النظام مرتضى منصور النادي العريق إلى عزبة له ولأولاده (كما قال حرفياً)، ضمن مخطط تركي آل الشيخ الذي قدم له المدرب الأجنبي ونصف الفريق، مع دعم قارب النصف مليار جنيه، إضافة إلى مليار ونصف للأسيوطي، كنادٍ وقناة وجيش من المرتزقة من أجل إسقاط الأهلي ومنعه من الفوز ببطولة الدوري، ولإسقاط المجلس المنتخب أو إجباره على الركوع والخضوع، والاعتذار والتوسل له (آل الشيخ) للعودة لدعم النادي وإهدائه الرئاسة الشرفية من جديد.

مجلس الإدارة المنتخب للأهلي، بغالبية قاربت الثلثين في انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة، مع دعم ساحق على مستوى الجماهير والسوشيال ميديا، واجه الحرب بثبات وتصميم وهدوء، استناداً إلى قيم مبادئ وتاريخ النادي، ورفض التنازل أو التراجع، فاتجه إلى القانون والمؤسسات، وطلب لجنة إدارية مالية مهنية مختصة من وزارة الشباب لفحص مساعدات تركي آل الشيخ للنادي. وعندما أثبتت اللجنة أنها صرفت بالشكل القانوني وفي القنوات الشرعية، لجأ آل الشيخ بعدها إلى قصة الهدايا الشخصية المبتذلة والسوقية.

بالتوازي مع هذا، عمد مجلس الإدارة معتمداً على الذات وموارد النادي؛ إلى بناء فريق جديد، وفق الأسس المعروفة عنه على امتداد تاريخه، والمتضمنة المؤسساتية والمهنية والاستقرار والتكتم والوحدة، والابتعاد عن الصخب والكلام لصالح الجد والعمل.

خاض الأهلي في الموسم المنتهي والمزدحم بطولتين بدوري الأبطال الأفريقي، ثم التزم بجدول الدورى الذي وضعه اتحاد الكرة المصري المنحاز المدار من بريزنتيشن والعسكري القابع في الظلام. لعب بشكل مضغوط؛ حتى أنه لعب ثماني مباريات فصلت بين كل منها ثلاثة أيام فقط. ورغم العراقيل نجح في العودة، بل حتى في الفوز ببطولة الدوري محققاً 80 نقطة (من 34 مباراة)، وهو رقم كبير جداً قياساً للحرب غير الاحترافية وغير المسبوقة التي واجهها، علماً أن مانشستر سيتي الإنجليزي حقق 98 نقطة في بطولة احترافية منضبطة من عشرين ناديا، أي 38 مباراة.

الأهلي كان وما زال فخر العرب، وعلى المستوى الدولي هو النادي الأكثر فوزاً بالبطولات المحلية والخارجية. وكان النادي الأكثر تتويجاً بالبطولات الخارجية، قبل أن يتراجع للمركز الثاني مع تولى محمود طاهر، ابن الأهلي بالتبني، رئاسة النادي (جاء في أجواء انقلاب 2013 وعلى نغمات تسلم الأيادي) الذي عجز عن بناء فريق جديد؛ هو والنكرات من أعضاء مجلس إدارته، قبل أن يعود النادي لأبنائه الأصليين والأصيلين؛ بفوز المجلس الحالي الذي يضم ثلة من الخبراء الرياضيين والإداريين، بقيادة الأسطورة محمود الخطيب؛ الذي حافظ على قيم مبادئ وأخلاقيات النادي، كما على نموذجه المدني الديمقراطي المؤسساتي الاحترافي، القادر على الصمود والانتصار والبقاء في القمة، وإعطاء الأمل للناس، مصريين وعربا، رغم الحرب الشرسة والمحاولات المستمرة لجره إلى الواقع المنهار الذي يعيشه البلد والعالم العربي بشكل عام.
التعليقات (0)